الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القلادة (5)

حسين علي الحمداني

2019 / 12 / 14
الادب والفن


قبل الظهر كانت سلمى في بيتها الصغير في ذلك الزقاق الضيق،حكيم لم يعد بعد،هنالك آثار عشاء في المطبخ،ترك حكيم الأواني كما هي ولم يفكر بغسلها حملتها لتغسلها وهي تقول سأعاقبه وضحكت،كانت بحاجة للنوم بعد ليلة أرق طويلة قضتها،خلعت ملابسها وهي تنظر لجسدها عبر المرآة قالت في سرها لو جلست ليلة ألأمس حدثت قبل ربع قرن من الآن لكان كل هذا لك يا خالد.
تركت يديها تداعب هذا الجسد الطري رمت نفسها على السرير وغطت في نوم عميق لم تفق منه إلا على طرقات الباب فقد عاد حكيم الذي تلقى توبيخا خفيفا من سلمى على تركه الأواني دون غسلها،اعتذر منها لكنها قالت له بغنج أنت معاقب ضحك وقال لها لن أكررها ثانية.
شعرت إن حكيم هو الآخر تغير ربما تأثر بمشاهدة الأفلام العربية،بدأ يعرف يغازلها،أحيانا كثيرة كانت تشعر إن حكيم ليس ذلك الذي تزوجها بل رجل آخر،هي تشعر دائما إن سلوكه بدأ يأخذ طابع الجدية قارنته بسليم هو لا يختلف عنه وها هو سليم الآن مختلف كثيرا.
طالما كوثر سعيدة به إذن هو رجل طيب القلب،ضحكت وقالت ربما كوثر تحتاجه في الفراش وتستمتع بذلك،وضحكت أكثر وقالت وانا أحتاج حكيم في الفراش رغم إني لا أشعر بالمتعة معه دائما.
كان حكيم قد جلب معه أكل من السوق شاركته هي في تناوله وسألها عن أمها وسليم وأحوالهما،كانت إجاباتها تقليدية لكنها وجدت نفسها بحاجة للحديث معه لكنه أسرع بالخروج للعمل ثانية مؤكدا لها إن يوم الجمعة فيه عمل كثير لسائقي السيارات الصغيرة والكبيرة على حد سواء.
حاولت إشغال نفسها بترتيب البيت الصغير الذي لا يحتوى سوى على صالة صغيرة بصعوبة وجدوا مكانا فيها لجهاز التلفاز الصغير وغرفة نوم ومطبخ عبارة عن ركن صغير ومجموعة صحية متداخلة مع بعضها والاستحمام فيها وقوفا لضيق المساحة،لم يكن هنالك سوى شباك واحد في غرفة النوم وآخر صغير فيه مفرغة هواء في نهاية ما يسمى بالمطبخ وثمة رطوبة في جدرانه.
هنالك مروحة سقفية في الصالة ومثلها في غرفة النوم التي تضم سرير يجمعهما ودولاب خشب ببابين وبقايا مرايا تحتاجها سلمى بين الحين والآخر وفي الحائط خشبة فيها زوائد لتعليق ملابس حكيم القليلة جدا.
هي لم تكن مقتنعة بهذا السكن لكن إيجاره البسيط على قدر حالهم دفعها للقبول به وأيضا إمكانية مغادرته واردة خاصة وإن عبد الحكيم لم يعتد البقاء في مدينة واحدة لفترة طويلة.لهذا كان القبول به حالة مؤقتة كما اعتادوا من قبل.
وجودها لوحدها في البيت جعلها تعيد شريط ليلة ألأمس والحديث مع أم خالد التي كانت لا تصرح بما في داخلها،شعرت سلمى إنها كانت تريد الحديث عن شيء ما لكنها لم تفصح عنه،سلمى تعرف ماذا كانت تريد قوله أم خالد.
قبل ربع قرن قالت لخالد إن أحدى أخواتها جلب لها عريسا وأهلها وافقوا عليه،عليك أن تتحرك فأنا لا أستطيع الرفض حتى بحجة إكمال الدراسة،كررت عليه هذا القول أكثر من مرة دون أن تجد أي جواب منه سوى الصمت.
كانت أمها تشعر بذلك وحاولت أن تتريث بألأمر فترة أخرى لكنها لم تجد من يتحرك حتى لمجرد خطبتها أو شيء من هذا القبيل،شعرت سلمى بخيبة امل من عدم الجواب لهذا لم يكن أمامها فرصة الرفض سمعت أمها تقول لها عليك بالزواج من عبد الحكيم لأن من تريده زوجا لك ربما لا يريدك،بكت كثيرا من هذه الحقيقية التي بدأت أمها ترسخها في ذهنها.
حاولت للمرة ألأخيرة معه لكنه لم يقل شيئا شعرت إن ثمة خيبة أمل انتابته هو الآخر ربما لاقى رفضا من أمه أو أعمامه،هو لم يقل ذلك لكنه استنتاج تولد لديها.
لم يكن أمامها سوى الانصياع لرغبة العائلة وألأم التي تشعر دائما إن البنات مصيرهن الزواج ويجب التخلص منهن بسرعة،شعور أم سليم موجود لدى أغلب الأمهات.
حاول والدها أن يقنع زوجته بإنها لازالت صغيرة ضحكت أم سليم وقالت له أنا لما كنت بعمرها تزوجتك،ضحك ألرجل وقال صحيح لكنها تدرس،قالت لها عبد الحكيم سيدعها تكمل دراستها دع البنت تذهب لقسمتها أترك الأمر لي.
عادت للتفكير مجددا مع نفسها وقالت ينقصني أن اسمع من خالتي أم خالد تفاصيل أخرى،حاولت أن تبحث عن أعذار لخالد قالت يكفي إنه لم يتزوج هذا يعني لازال يحبني.
حاولت أن تتظاهر بالنوم عندما عاد عبد الحكيم،لكنها وجدت نفسها بحاجة للنهوض وترك الحياة تسير على طبيعتها فعبد الحكيم تغير كثيرا،أعدت له العشاء وجلسا معا أمام التلفاز حتى موعد النوم،حاول عبد الحكيم أن يغازلها لكنها هذه المرة أصرت على إنها متعبة وبحاجة للنوم،لم يكن أمام عبد الحكيم سوى أن يدير ظهره وينام.سمعته يهمس ببعض الكلمات مع نفسه كأنه يعاتبها،شعرت بداخلها إن لا ذنب له فيما جرى لها،أحست بحرارة دمعة سقطت على خدها،استدارت نحوه حضنته وهمست له ما بك تعاتب نفسك وأطلقت ضحكة فيها من الغنج ما يكفي لأرضاءه،استدار هو الآخر وحضنها بقوة.
في الصباح كانت في مكتبها تنصت لحديث سهام عن يوم الجمعة وما فعلته،وتحدثت لها عن ذهابها لأمها وحضورها حفلة عرس جارهم القديم وأسهبت في أدق التفاصيل دون الحديث عن أم المدير،عرفت سهام بعض التفاصيل عن حياة زميلتها وتنقلهم المستمر من مدينة لأخرى.
في الطابق الثاني كان خالد يهيئ نفسه لسفرة خارج البلد،يوجز لمعاونيه بعض الأمور ويوكل لهم أعمال يقومون بها في فترة غيابه التي ستمتد لعشرة أيام إعتبارا من يوم غد حيث سيكون في براغ العاصمة التي يزورها للمرة الثانية في حياته.
عندما بقي وحده في المكتب فكر بأن يستدعي سلمى فقد تأخر في هذا ألأمر كثيرا،فكر ماذا سيقول لها عن ماذا سيسألها؟هو الآخر كانت هنالك أسئلة كثيرة في داخلة بدأت تظهر أمامه باحثة عن إجابات.هو لم يعتد أن يستدعي موظفة فهنالك مسؤول قسم يتصل به،ربما البعض من الموظفين والموظفات سيفكر باتجاهات بعيدة،حاول أن يبحث عن طريقة ما تجعله أمامه لم يجد مبررا لذلك،كبريائه كمدير يقف حائلا بينه وبين عاطفته،ضحك وهو يستنتج هذا.
لم تحاول سلمى أن تسأل زميلتها عن المدير،حتى عندما تتطرق هذه لأسمه تتجاهل سلمى سماع ذلك بذريعة إنه شديد ويبدو غير محبوبا من الموظفين والموظفات وعندما تقول لها سهام إنه رجل طيب تضحك وتقول لها لأنه صديق زوجك.
العم أحمد دخل عليهما وقال من منكن الست سلمى عبد القادر،نظرت إليه وقالت بخوف أنا،قال لها السيد المدير طلبك الآن. نهضت وهي تنظر لسهام وتقول لها ماذا يريد مني؟ لا أعرف ربما إنك موظفة جديدة ويريد أن يتحدث معك.
في داخلها كانت سعيدة جدا بهذه الدعوة طرقت الباب ودخلت،خرج من وراء مكتبه ومد يده وصافحها وطلب منها أن تجلس،كانت مرتبكة وهي تلمس يده بعد ربع قرن من آخر لمسة.
ساد صمت لأقل من دقيقة كانت كافية لتبادل النظرات،سألها هل مرتاحه في عملك؟أجابه نعم أنا معتادة على هذا،كيف حالك يا سلمى؟بخير يا أستاذ أنا سعيدة إني رأيتك مجددا ورأيت خالتي أم خالد.
حدق بوجهها أمي؟نعم كنت في زيارة يوم الخميس لأمي وكانت حاضرة في عرس أبن ابو حمزة،أنت أيضا كنت موجودا وشاهدتك.
ظل صامتا لبرهة قبل أن يقول لها والله لم أعلم حتى أمي لم تقل لي إنها شاهدتك، قالت لأنك لم تسألها عني،ثم استدركت قائلة أنا سألتها عنك وقالت لي إنك لازالت عازبا لماذا يا أستاذ خالد لم تزوج؟ ضحك وقال لها هذه قصة طويلة سأحكيها لك عندما أعود من السفر.
السفر؟أي سفر؟قال لها لدي إيفاد غدا إلى الخارج أغيب عشرة أيام وأعود هل أنت سعيدة؟ ضحكت وقالت له لا أنا سلمى ولست سعيدة،ضحك هو وقال لازلت مرحة هذا يعني إنك سعيدة مع زوجك وأطفالك؟ قال زوجي نعم لكن لا أطفال ولا كبار لدينا.
قال لها لم أفهم؟قالت له لم يرزقنا الله بالأولاد ولم نفحص لنعرف من هو المقصر في ذلك وضحكت،ثم سألها وأين تسكنين قالت له في الحي المجاور للدائرة في زقاق ضيق في بيت مستأجر.
طيب يا سلمى أي شيء تحتاجيه أنا موجود لكن قبل هذا ماذا تريدين أن أجلب لك من براغ؟ ضحكت وقالت سلامتك أستاذ خالد لازلت احتفظ بهديتك الأولى لي يوم نجاحي ترجع بالسلامة.
قبل أن تخرج قالت له أنا اشكرك على هذا اللقاء كنت سأزعل جدا لو تأخرت فيه كثيرا،قالت هذه الكلمات بإرتباك وأستقبلها هو بإرتياح وقال لها وهو يصافحها لم أنساك والله يا سلمى لكن مشاغل العمل كثيرة.
عندما عادت لمكتبها سألتها سهام ماذا يريد المدير؟كانت هي قد حضرت إجابة مفادها إنه سألني عن سبب نقلي إلى هنا فقلت له لأننا نسكن هنا، اقتنعت سهام بما قالته سلمى .
بدت سلمى سعيدة جدا بهذا اللقاء وسعادتها تكمن بإنه لم ينساها،حتى عندما عادت للبيت كانت بشوشة وتعاملت مع حكيم بلطف تام عكست فيها ارتفاع معنوياتها بعد أن سمعت كلمات جميلة من خالد الذي حرصت أن تناديه أستاذ.
أكيد سيجلب لي هدية من براغ،حاولت تذكر هي العاصمة التي سمعتها مرات عديدة في الأخبار لكن ذاكرتها لم تسعفها في هذه اللحظة.فتحت حقيبة قديمة تضع فيها بعض حاجياتها وسحبت منها علبة صغيرة فيها قلادة نحاس متواضعة كانت هدية خالد لها يوم نجاحها قبل أكثر من ربع قرن،عندما لبستها أول مرة دعته ينظر إليها وإلى نهايات القلادة التي غرقت بين نهديها الصغيرين،حاولت أن تشكره حينها لكن إحمرار وجهها جعلها تذهب مسرعة نحو البيت.
لم تكن مصنوعة من الذهب بل عادية جدا ومع هذا ظلت تحتفظ بها كل هذه السنوات،ارتدتها أمام المرآة وظلت تحدق في نهاياتها التي غاصت قليلا بين نهديها،هي لم تكبر كثيرا هكذا قالت في سرها،هل خالد يتذكر هذه الهدية أم نساها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر : المسرح جزء من الثقافة المصرية ونعمل على إعادة جم


.. إيمان رجائي: النسخة السابعة من مهرجان نقابة المهن التمثيلية




.. لقاء سويدان : خشبة المسرح الدافع الأول للتألق والإبداع الفني


.. نرمين زعزع : رعاية المتحدة للمهرجانات الفنية والثقافية يزيد




.. استعدوا للقائهم في كل مكان! تماثيل -بادينغتون- تزين المملكة