الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة جديدة في حادثة الهولوكوست..

محمد عبعوب

2019 / 12 / 16
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يقدم عالم الاجتماع زيغموند باومان –يهودي بولندي- في هذا كتابه //الحداثة والهولوكوست// الصادرة طبعته العربية الاولى عام 2014م عن دار مدارات للابحاث والنشر .. قراءة جديدة لخلفيات محرقة اليهود المعروفة بـالهولوكوست، التي نفذها النازيون في حق اليهود الاوروبيين اربعينات القرن الماضي، وهي قراءة لأبعاد هذه المحرقة وخلفيات وظروف حدوثها وانعكاساتها على مستقبل الانسانية التي تعيش وفق مفاهيم لم تمنع حدوثها، وهي أبعاد وظروف غالبا ما تجاهلها عشرات الكتاب و المحللين الذين تناولوا هذه المأساة كحدث يخص اليهود دون غيرهم، متجاهلين بعدها الانساني.

لم تهيمن مشاهد المأساة وخلفياتها السطحية على تفكير زيغموند في تناوله لها، كما لم يقف عندها كجريمة ارتكبت ضد جنس او لون محدد من البشر ، كما لم يكتف بتكرار عرض صورها نقلا عن شهود العيان الناجين منها، بل اخضع كل جوانبها كأحداث وظروف وثقافة اسهمت مجتمعة في اقترافها لتحليل عميق، بل انه تجاوز كل من كتبوا حولها باستشراف بعد آخر لهذه الجريمة لم يتطرق له الكّتُّاب الا وهو كونها نتاجا لفكر الحداثة التي سادت في تلك الحقبة والتي لا زالت تسود العالم اليوم، والتي غلّبت العقل، والغت الاخلاق في تعاملها مع الانسان، وهو بعد لازال حتى اليوم فاعلا مؤثرا في انتاج سياسات ترقى في بعض مخرجاتها الى مستوى جريمة الهولوكوست ..

كما يقدم المؤلف تحليلا للسياسات التي اتبعتها أجهزة النازيين لتنفيذ جريمتهم باتباع مسارات بيروقراطية وظيفية لتحويل الجريمة في وعي منفذيها الى وظيفة عادية ، وتقسيم الجريمة بين أجهزة وافراد تخفف اية مشاعر بالخطيئة او ارتكاب الجرم قد تساور المساهمين في تنفيذها..

و يؤكد المؤلف في تحليله للابعاد العميقة لهذه الجريمة، أنها لم و لن تقف عند حد جريمة قتل يهود اوربا اربعينات القرن الماضي، بل هي كثقافة انتجتها الحداثة الغربية لا زالت تهدد الانسانية حتى اليوم، ولا زال من الممكن حدوثها في أي وقت وضد اي تجمع بشري، لافتا الى أن التدخل الامريكي في فيتنام وافغانستان والعراق، وكذلك جرائم الصهيونية في حق الفلسطينيين، و مذابح رواندا، تجسد إعادة انتاج لجريمة الهولوكوست ضد شعوب أخرى..

الكتاب لكثافة ودقة ما يسرده من احداث وأفكار ومشاهد وأبعاد لهذه المحرقة ، وتركيزه المتكرر على سرد حوادثها ، يتطلب من القارئ تركيزا وصبرا غير عاي عند قراءته لاستيعاب ما يرمي المؤلف لاثباته .. ومع أن الكتاب يفيض بتحليلات عميقة وصور غير مطروقة لابعاد هذه الجريمة، فقد شدني الفصل الآخير منه والذي يطرح فيه المؤلف خلاصة كتابه الذي يقدم رؤية اعمق و اوسع لهذا الحدث يتجاوز كل الطروح التقليدية التي أغرقت المكتبات العالمية وتقتصر رؤيتها على ما جرى كحدث محصور استهدف فيئة معينة من البشر، فيما يقدم هو ابعاد اعمق للحدث ويحذرمن أن امكانية تكراره مازالت قائمة ما لم تنتبه الشعوب والدول الى ضرورة إعادة النظر في مفهومها للحداثة ، و إعادة الاعتبار للاخلاق الانسانية كقاعدة اساسية لتحديث الحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص