الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاز المحافظون ولكن الاشتراكية منتصرة!

منذر علي

2019 / 12 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


فاز المحافظون في انتخابات 12 ديسمبر 2019، واحتفلت القوى اليمينية بالنصر على نطاق واسع في بريطانيا والغرب الرأسمالي ، وبشكل خاص في الولايات المتحدة الأمريكية. وعزت القوى اليمينية فوز حزب المحافظين إلى التوجهات السياسية الصحيحة لبوريس جونسون،Boris Johnson ، وشخصيته الكاريزمية ، مقابل التوجهات السياسية اليسارية الخاطئة لجيرمي كاربن، Jeremy Corbyn ، و شخصيته الأقل كاريزمية ، ولكن هذا تفسير ملفق ومهلهل وسوقي ، vulgar ، ولا يمت بصلة إلى الحقيقة، وهدفه الترويج للسياسة اليمينية .

لقد فاز المحافظون بسبب جملة من الأسباب المتشابكة ، لعل أبرزها:

السبب الأول: بروز النزعة القومية القوية ، المتصلة بالهوية البريطانية ، جراء التخويف من الهجرة الخارجية ، و رهاب الأجانب، xenophobia ، الذي زرعتها قوى اليمين لدي قطاعات واسعة من الجماهير العمالية . وبالتالي جرى خلق ميول قوية لدي قطاعات واسعة من الشعب البريطاني للخروج ، Brexit ، من الاتحاد الأوربي ، لإنقاذ الهوية الغارقة، Sunken identity، وفق الرؤية اليمينية الشعبوية المتطرفة لحزب المحافظين ، تحت قيادة بوريس جونسون.

السبب الثاني: انشقاق مجموعة يمينية نشطة من أعضاء حزب العمال البريطاني وانتهاج مواقف معارضة لتوجهات الحزب من الخارج . وفي ذات الوقت، بروز مجموعة يمينية قوية من داخل الحزب ، تحت قيادة طوني بلير ، Tony Blair، وجوردون برون ، Gordon Brown ، وغيرهما ، عارضتْ بشدة سياسة الحزب اليسارية الجديدة، تحت قيادة جيرمي كوربن. هذا فضلًا عن اتهام زعيم الحزب نفسه بالعداء للسامية، Anti-Semitism ، و شيطنت أبرز قيادات حزب العمال الفعالة ، أمثال كين ليفنجستون ، Ken Livingstone ، وغيره من القيادات اليسارية الملهمة في صفوف حزب العمال، وإجبرت قيادة الحزب، تحت ذات الذرائع الباطلة، على تجميد عضويتهم من الحزب.

السبب الثالث: تناغم رأس المال ، كالمصارف والمؤسسات الصناعية ، والشركات الكبرى ، مع اليمين السياسي ، الحارس الأمين لمصالح الطبقة الرأسمالية ، ومع أهم وسائل الأعلام اليمينية، في مواجهة سياسية حزب العمال الجديدة ، وتشويهها بشكل فاجر ، واعتبارها تهديدًا جديًا للنظام الرأسمالي. و انعكس هذا التناغم في دعم حزب المحافظين ماليًا وإعلاميا وأيديولوجيًا في المعركة الانتخابية، ورسم صورة مرغبة لحزب العمال، واعتبار فوزه المُحتمل في الانتخابات، كارثة كبرى لأنه ، بحسب زعمهم ، سيكون عودة إلى السياسات البائدة لمرحلة السبعينيات، عوضًا عن التوجه نحو المستقبل!

السبب الرابع: تحالف القوى الصهيونية و اليمينية الشعبوية في إسرائيل و أوربا والولايات المتحدة ، مع حزب المحافظين في بريطانيا ، وخاصة تلك القوى التي تناهض الهجرة من الجنوب الفقير إلى الشمال الرأسمالي الغني ، وتتبنى صراحة سياسات عنصرية مقيتة ، منطلقة من قناعات أيدلوجية منحرفة وبليدة ، مفادها تفوق العرق الأبيض، White supremacy ، على غيره من الأعراق البشرية ، فضلًا عن ازدراء هذه القوى ، بشكل خاص، للإسلام، وتمحورها حول بعض المعتقدات الصهيونية والمسيحية المتطرفة.

السبب الخامس: عجز حزب العمال البريطاني ، بسبب الانقسامات التي عصفت به، وبسبب الحملات المعادية له من كل حدب وصوب، وبسبب ضعف إمكانياته المادية وأدواته الإعلامية ، مقارنة بحزب المحافظين وبقوى اليمين، عن توصيل رسالته التقدمية إلى الشعب البريطاني ، وبشكل خاص ، إلى القطاعات العمالية التقليدية في المناطق الصناعية الكبرى في وسط وشمال انجلترا.

تلك هي الأسباب الجوهرية في تصوري التي عصفت بحزب العمال وليست شخصية جيرمي كاربن، أو سياسية حزب العمال الراديكالية الجديدة التي ترتب عليها، حسب زعم اليمين، فوز حزب المحافظين في 12 ديسمبر 2019.

من الجلي أنَّ جيرمي كوربن مرفوض من قبل القوى الرأسمالية المهيمنة ، ولكن ليس لشخصه، وإنما بسبب مواقفه المبدئية من النظام الرأسمالي ، Capitalist system، وانحيازه الأصيل للطبقة العاملة ، والشرائح الطبقية الوسطى ، ومناهضته بقوة للعنصرية ، ودفاعه العنيد عن حقوق الأقليات، والمرأة، وعن العلاقات الدولية العادلة ، وسعيه الدءوب من أجل الحفاظ على البيئة ، ومناهضته للحروب ودعوته للسلام العالمي.

ولا ريب أنَّ هذا التوجه التقدمي لزعيم حزب العمال لا يتناغم مع التوجه الرجعي لزعيم حزب المحافظين، كما أنَّ التوجه الإنساني لحزب العمال لا ينسجم مع التوجه غير الإنساني لحزب المحافظين والطبقة الرأسمالية الشرهة التي يخدمها.
فالرأسماليون يحبذون السياسيين اليمينيين الذين يمكنهم أن يروجوا لتجارة السلاح، و يشنوا الحروب ، تحت ذرائع ماكرة لنهب العالم ، ويزعزعوا السلام العالمي ، و يحرسوا مصالح الطبقة الرأسمالية، كما عمل في وقت سابق طوني بلير، Tony Blair ، الزعيم الأسبق لحزب العمال، وقادة حزب المحافظين ، وكما شرع في هذا المسار البائس السياسي البريطاني اليميني بوريس جونسون بدءاً من 13 ديسمبر 2019 .

حسنًا ، فاز المحافظون ، وماذا بعد؟ هل ثمة نتائج إيجابية من هذه الانتخابات؟

نعم. لقد أدتْ المعركة الانتخابية إلى انخراط مئات الآلاف من أبناء الشعب البريطاني و من الأقليات من ذوي الأصول كاليمنية والعرببية والهندية والباكستانية والبنجلادشية والصينيية والأمريكية اللاتينيية والفلبينيية والأفريقيية والأوروبيية وغيرهم ، فضلًا عن إنخراط قطاعات واسعة من الطلاب والنساء في المعركة السياسية والاجتماعية التي عبر عنها حزب العمال ، بقيادة الزعيم اليساري جيرمي كاربن ، وهذه الكتلة البشرية الهائلة ، قوة ثورية للمستقبل ، و تعد المكسب الحقيقي من هذه المعركة، وينبغي ألا تصاب هذه الجماعات بالإحباط وتنكفئ على نفسها وتترك السياسية تحت ضغط النتائج المخيبة للآمال واليأس المترتب عنها. فهم إنْ تركوا اليأس يتسرب إلى وجدانهم سيكونون، بذلك، قد ساهموا في هزيمة أنفسهم وسمحوا للبؤس أنْ ينتصر على الأمل.

لقد كشفت المعركة السياسية الانتخابية عن عنف وشراسة النظام الرأسمالي، الذي لا يمكنه أن يفرط بمصالحه الطبقية المهيمنة، التي جعلت من 150 ملياردير بريطاني، يحوزون على 95% من الثروة القومية البريطانية. ولذلك يمكن القول إنّ فوز المحافظين في معركة الخميس الكئيب، قد أيقظ اليسار وفتح باب الأمل لانتصار الاشتراكية في المستقبل. وبهذا المعنى كسب المحافظون الجولة الحالية، ولكن الاشتراكية منتصرة بأفق مستقبلي.

إنَّ الأشهر والسنوات المقبلة تنذر بمزيد من الأزمات والكوارث التي من شأنها أن تعصف بحياة الشعب البريطاني. فتوجه حكومة حزب المحافظين المخاتل للتطويح بدولة الرفاه ، Welfare State، سيترتب عليه تدمير الخدمات الصحية ، وتدهور الإسكان، وارتفاع أيجار المساكن ، وانحطاط التعليم، وارتفاع رسوم الدراسة الجامعية، وزيادة البطالة ، وانخفاض العمالة، وتدني مستوى الضمان الاجتماعي . وهذا يعني أنَّ على اليسار أنَّ يواصل كفاحه السياسي والاجتماعي، ويتسلح برؤية فلسفية اشتراكية سليمة لمعرفة مثالب الرأسمالية ، و يهيئ نفسه لمختلف الاحتمالات ، بما في ذلك احتمالات الثورة الاجتماعية الكبرى ، عوضًا عن انتظار الدورة الانتخابية المقبلة ، و الانغلاق ضمن إطار الأحلام السياسية الرومانسية للفوز على الرأسمالية عن طريق البرلمان!

والآن وبعد أنْ أدرك الناس عنف الرأسمالية و وسائلها الماكرة، سيكون على الشعب البريطاني ، وقواه التقدمية ، وخاصة الأجيال الجديدة من الشباب والشابات الذين انخرطوا في السياسية لأول مرة ، ألا يصابوا بالانكسار واليأس ، وسيكون عليهم أن يبتكروا وسائل جديدة للتواصل مع الجماهير المشوشة، المصابة برهاب الأجانب ، و الاستعداد للمعركة القادمة، معركة مستقبل الجنس البشري . ذلك أنَّ الرأسمالية في ظل العولمة تعمل على تدمير البيئة والحياة ، ونهب البلدان الفقيرة، ، وتعمم الفقر على نطاق عالمي ، وتقوض الاستقرار ، و دفع العالم نحو البربرية ، وعلى الإنسانية أنْ تختار بين البربرية والاشتراكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الناخبون يبحثون عن الوضوح
د. ليث نعمان ( 2019 / 12 / 18 - 08:41 )
لو سألت الانكليز ماذا يعني بوريس جونسون الجواب سيكون كلمة واحدة بريكست Brexit. اذا سألتهم عن جيمي كوربن فستحتاج الى نصف صفحة لشرحه. عفوا الاشتراكية منتصرة اين؟

اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ