الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحث في أعماق الزمن عن زعامات نظيفة اليد

ليث الحمداني
(Laith AL Hamdani)

2003 / 4 / 9
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



 / كندا

لأننا نعيش في عصر تزاوجت فيه (السياسة) مع (التجارة)، أصبح من (النادر) أن نرى زعيما سياسيا لا يمارس التجارة خلال ممارسته للسياسة، سواء بشكل مباشر عبر الأبناء والأقرباء والأنسباء والحاشية،أو بشكل غير مباشر عبر وسطاء معروفين في كل زمان، وأحيانا يتصنع هذا الزعيم أو الملك أو الأمير (النزاهة)، بينما تتكفل الحاشية والأقرباء بالعمل علنا، وبذريعة أن التجارة عمل شريف – وهي كذلك فعلا إذا لم تستثمر فيها السياسة، وتوظف فيها القرابة (للزعيم) أو (للقائد) لتمشية الأمور!! والشعوب المغلوبة على أمرها لا تملك إلا أن تراقب وتلعن في سرها أنظمة (خنوع) و (هزيمة)، وفوق ذلك كله (لصوصية).. وتتجه إلى التاريخ تبحث في أعماق الزمن عن زعامات قد تكون دكتاتورية ولكنها عاشت وماتت نظيفة اليد.
والذين تابعوا مواقع الإنترنت والصحافة العراقية في المهجر خلال شهر شباط (فبراير) الماضي، خاصة من الذين لم يقرأوا تاريخ العراق بهتوا لذلك الاهتمام الذي أبدته هذه القنوات الإعلامية بذكرى إعدام الزعيم الوطني الراحل عبد الكريم قاسم.
هذا الاهتمام لا يعرفه سوى العراقيين الذين عاشوا مرحلة حكم الزعيم أو قرأوا عنها قراءات نزيهة وموضوعية، شخصيا لست مع الذين حاولوا أن يصوروا الزعيم الراحل رجلا ديمقراطيا، فهو لم يكن كذلك، وهذا لا يعيبه أبدا، ولا ينتقص من دوره كزعيم وطني. أما اللجوء إلى مقارنته بمن لحقه من الحكام، والاستنتاج بديمقراطيته استنادا لتلك المقارنة، فهو نوع من الغلواء في الحب. عبد الكريم قاسم زعيم وطني لا يمكن مقارنته بمن حكم بعده وخاصة بالرئيس العراقي الحالي الذي لا تؤهله خصاله لتلك المقارنة. كان عبد الكريم قاسم متسامحا إلى أبعد الحدود مع خصومه إذا ما أخذنا بالاعتبار تربيته العسكرية وتأثره بأجواء الانقلابات التي شهدتها المنطقة. بينما اقترنت فترة حكم الأخير بدموية لم يعرفها تاريخ العراق المعاصر. كان عبد الكريم قاسم يسعى ليكون زعيما لشعب لا رئيسا لحزب يحكم الشعب، وهذه وحدها تجعل أية مقارنة تفضي إلى استنتاج لصالح الزعيم، لا تخدم الزعيم نفسه. الذين خرجوا صبيحة 8 شباط (فبراير) الأسود للدفاع عبد الكريم قاسم، بعضهم كان قد تضرر من سياساته في سنواته الأخيرة، وبعضهم لم يكن مسيّسا أصلا، جمع بينهم إيمانهم بأن الرجل يسعى لإنصاف الفقراء، وأنه ظل حتى الساعات الأخيرة ملتزما بمواقفه. طالبوه بالسلاح للدفاع عن نظامه، فمنعته طبيعته التسامحية السلمية من تسليمهم السلاح خوفا من صراع يمتد بين أبناء الشعب الواحد. لفقوا له أحاديث وروايات في محاكمة كانوا فيها (الخصم والحكم)، والشهود الحياديون يؤكدون بأنه كان شجاعا حتى لحظة إطلاق النار عليه، ورحل الرجل نظيف اليد وفشلت كل محاولات تشويه صورته في أذهان الناس، وظلت الأنظمة المتعاقبة تخافه رغم أنه لم يحظ حتى بقبر يزوره فيه محبوه. أذكر هنا أن الزميل الصحفي طارق إبراهيم شريف زارني في الثمانينات قادما من أربيل برفقة شيخ وقور عرفني عليه هو هادي الجاوشلي، وكان الرجل يحمل مسودات كتاب عن عبد الكريم قاسم مدعم بوثائق شخصية بسيطة، فقد كان الرجل يعمل مديرا عاما في وزارة الداخلية، وكان على علاقة بالزعيم الراحل الذي كان قد كلفه بتسديد الإيجار الشهري للدار المتواضعة التي كان يشغلها، والعائدة للدولة، والتي تقع في شارع متفرع من شارع السعدون ببغداد، وهو الشارع الذي ما زال معروفا بين عامة الناس بــ (شارع الزعيم). وقد احتفظ الجاوشلي بإيصالات تسديد الإيجارات الحكومية وقدمها ضمن وثائق الكتاب..
قدمنا الكتاب للرقابة وانتظرنا أسبوعا وأسبوعين وثلاثة دون أن نتسلم أي رد رغم المراجعات.. وأخيرا (تكرم) الرقيب، وهو زميل صحفي سابق، بإبلاغي لمراجعته في مكتبه، وإذا به يطلب مني باعتباري مسؤولا عن دار النشر أن أوافق على حذف صفحات، وعلى إلغاء نشر الوثائق المرفقة بما فيها إيصالات تسديد إيجار الدار، فأبلغته باستحالة ذلك. ورفض الكتاب، وحمله الشيخ الوفي معه إلى أربيل، وعلمت فيما بعد بأنه طبع هناك بعد أن أصبحت المنطقة خارج سلطة الحكومة العراقية. المهم أن (الرقيب العتيد) علق وهو يسلمني النسخة المرفوضة: "يمعوّد هي الناس للآت تحكي على نظافة الزعيم ليل نهار، وهالمرة تنشر لها كتاب بيه هذا الحكي والوثائق راح يسووله مرقد ويزوروه مثل الأولياء"، وقد يحصل هذا في يوم ما.
من المفارقات أن الزعيم يجتمع مع خصمه اللدود عربيا بتلك الصفة، فالراحل جمال عبد الناصر أجمع أغلب خصومه على نظافة يده، أولئك الخصوم الذين خرجوا من سجونه عام 1956 ليلتحقوا بمقاومة العدوان الثلاثي، بعض الإخوان المسلمين وأغلب الشيوعيين كتبوا بموضوعية عن نزاهته ونظافة يده، وانتقدوا أخطاء نظامه. أما الذين لا يرون سوى الجانب المشرق في مرحلة حكمه فقد (شتموا) وما زالوا (يشتمون). قلّ من قال عنه إنه كان (دكتاتورا).
لا تنقص دكتاتورية قاسم أو ناصر من دورهما الوطني، لأنهما لم يكدسا الثروات في البنوك الخارجية. صحيح أنهما تمسكا بالسلطة فتحملت الشعوب ثمن أخطائهما فيما بعد، ولكنهما – وللتاريخ – تمسكا بالسلطة كعمل سياسي وليس كوسيلة للإثراء لهما أو لأقربائهما. أما الزعامات التي أصبحت تحتل قوائم مجلة (فوربس) سنويا فلن يتذكرها أحد ساعة تغادر هذه الدنيا، ولن تجد من (يحيي) ذكراها أو (تاريخها)، بل ستجد من يبحث في ذلك التاريخ عن المزيد من الأسرار حول حجم تلك الثروات!!

عن جريدة (البلاد) – لندن، أنتاريو - كندا

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصام لطلاب جامعة غنت غربي بلجيكا لمطالبة إدارة الجامعة بقط


.. كسيوس عن مصدرين: الجيش الإسرائيلي يعتزم السيطرة على معبر رفح




.. أهالي غزة ومسلسل النزوح المستمر


.. كاملا هاريس تتجاهل أسئلة الصحفيين حول قبول حماس لاتفاق وقف إ




.. قاض في نيويورك يحذر ترمب بحبسه إذا كرر انتقاداته العلنية للش