الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليمهلنا الموت

علي شايع

2003 / 4 / 9
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


     

قبل ايام،ومثل مقتل البريكان، كادت البصرة تـُقتل، بقصد السرقة.
البريكان الذي مرّت ذكراه قبل ايام في زحمة الآلم العاشورائي الهائل، وتهاوى من قافلة الحزن،منهمراً، انهمار الرضيع من الركب، بعد ان انشغلتْ من هول اليوم، المرضعة عن ما ارضعت، وكان لي  من انشغالها ما جعلني غير مصدق، افرح دامع القلب، وابكي بكاء الضرير، اتابع نشرات الاخبار وفرح اهل البصرة الوجل، وانا عاجز عن تفسير المصير بالشعر، احياناً حضور الفقد مع الدبابات، او حضور الفرح مع الحزن الآخر........ما الذي ذكّرني الان بالبريكان،ربما حزن شاعر آخر بإنتظار القتل ،او الموت غريباً. ذكـّرني به، وهو يحدثني بمدمع من الشعر عن شاعر آخر لم يقتل بعد ولم يمت، بل مات والده غريباً اليوم في دمشق. ..... في لجـّة الحرب واخبارها اخبرني الشاعر كمال سبتي عن وفاة والد الصديق الشاعر عبد الحميد الصائح........ لم يمهله العمر اطلالة اخيرة على ناصريته الأثيرة، رحل وفي نفسه من لوعة الشعراء ما ابكى لوركا:
آه ليمهلني الموت‏
حتى أصير في قرطبة‏
قرطبة‏
البعيدة، الوحيدة.

انها لوعة ونبوءة مثل التي بكيت لها وانا اقرأ منذ ايام الشاعر عبد الحميد الصائح يرثي البريكان،أَوَ كل هذا مصادفة؟...
 هل كان يرثي البريكان حقاً قبل ان يقتله اللص بست سنوات؟!،
 الشاعر الذي لم يأخذه صمته الى النسيان:
 "والنسيان دليل على ذلك... دليل على ان ساقا واحدة من سيقان اللص نفذت الجريمة... والاخرى حقه في الحياة، واننا اطعمة في دهليز الوقت، لان موت الشاعر او شلل موسيقى اشارة الهية ٌحمراء واكلُ لحوم ِالطيور كوميديا دينية، وماء نار على الكتب"*.
ترى كيف انسفح الشاعر ناراً من دم على كتابه؟،  ترى هل ترك لنا البريكان ماتركه لنا خليل حاوي من نبوءات قصيدته «العازر»؟،عن الدخول الفادح الى مدينته الفاضلة ،دنياه، ومنتبذ امانية العسيرة، ترى اي القصائد لم يكملها حين اكمل حياته؟،
 اخي ،ايها الصائح :
ليست كافية ...
المدن التي لا تجيب
والقارات التي حبلت
والمقابر الملونة
بكاؤنا السرّي
وشعوبنا التي تحاذر الفيضان مثل دموع جافة
الخلود كذلك
حيث يشوى الشعراء على الأسئلة
ليست كافية .. انهار الله وتوابيته. **

اتعزّى ببردى الذابل فراتاً، اتعزى بالعراق الى غرباء الوادي في الشام، اتعزى بفراته الى ابيه، والى رأس قتيله،وأميل على الجانب الشرقي من جامعها بالانين، اتعزّى بك اليه، وبي اليّ ، عزاء الغريب ،واحسد ناظم حكمت ، السعيد بميتة المدينة، بأزقتها وألفة جيرانها، ووداعها الاخير ،وهو يكتب  «مراسم الجنازة» :
جنازتي
هل ستخرج من باحة الدار ؟
و كيف ستنزلوني من الطابق الثالث
فالمصعد لا يسع التابوت
و الدرج ضيق ؟
ربما كانت الشمس تغمر الباحة....و الحمام , فيها , كثير.....و ربما كان الثلج يتساقط....و الأطفال يهللون ...و قد يكون المطر مدراراً.....على الأسفلت المبلل و في باحة الدار....صناديق القمامة...كما كل يوم..وإذا ما حمل جثماني , حسب العادة..مكشوف الوجه فوق شاحنة..فقد يسقط على شيء من الحمام الطائر...فيكون ذلك بشارة خير..و سواء جاءت الموسيقى أم لا....فالأطفال سيأتون ...إنهم مولعون بالجنازات
   و حين يمضون بي
سترنو إلى نافذة المطبخ من وراء
و من الشرفات
حيث الغسيل
ستودعني النساء
لقد عشت سعيداً في هذه الباحة
إلى درجة لا تتصورونها
فيا جيراني
أتمنى لكم , من بعدي
طول البقاء.

آه....يا أخي، ايها الصائح :
المسافة تبعد كلما اختصرت
وتعلو كلما حملتْ الى السماوات روحا
وأيقظتِ النارَ في غيرِ المباحِ من الرثاء.***


انه الموت العراقي وعلينا ان نحمل ارثه ملياً،  ترى هل آمن ان المه سيبقى مديحاً في نبضنا واننا سنحمله في المنافي كصليب السياب:
.....لو أنهض، لو أحيا 
لو أسقى .... آهٍ لو أسقى.
جيكور ستولد من جرحي،
من غصة موتي من ناري.


وها جيكور تولد من جراحاته... بعد حين من الغزو ..ترى من نفـّذ في حضرة موته وصية لوركا...من ترك النوافذ لاتساعها؟

كم سيحتاج الموت من الفعل "كان" ليطمئن الى ابديته فينا؟، كم، لنحزن "كان"
مكتملاً في ارضه، وذكراه؟، والى م نجدّد طالع الغربات مع مالك بن الريب يرثي نفسه؟: 
                                   
ألا ليـت شعــري هــل أبيتـن ليلـة 
                           بجنب الغضـى أزجـي القلاص النواجيا
فليــت الغضـى لم يقطـع الركـب عرضـه
                             وليـت الغضـى ماشـى الركــاب ليـاليا
لـقد كـان في أهـل الغضـى (لو دنـا الغضـا)
                                   مـرار ولكـن الغـضى ليـس دانيـا
فلله درّي يـوم أتـرك طـائعـاً 
                                      بنيّ بـأعلى الرقمتيـن ومـالـيـا
ودرّ الظـبـاء السانحات عشية  
                                    يخبِّـرن أني هـالـك مـن ورائـيـا
تذكرت من يبكي عليّ فلم أجد   
                                 سوى السيف والرمح الردينيّ باكيا
وأشقـر خنذيـذ يجرَّ عنانـه        
                                  إلى الماء لم يترك له الدهر ساقيـا
ولما تراءت عند مرو منـيّـتـي           
                                  وخلَّ بها جسمـي وحـانت وفـاتـيـا
أقـول لأصحـابي: ارفعوني فإنني       
                                       يقـرّ لعينـي أن سُهيـلٌ بـدا ليـا
فيا صاحبي رحلي دنا الموتُ فانزلا
                                        برابيـة ؛ إني مـقـيـم لـيـالـيـا
أقيما علي اليـوم أو بعض ليلـة          
                                   ولا تعجـلاني؛ وقـد تبيـّن مـا بيـا
خـذاني فجـراني ببُردي إليكمـا                
                                  فقد كنت قبل اليـوم صعبـاً قيـاديـا
إذا مـت فاعتادي القبـور فسلمي     
                                  على الرّيم أسقيتِ الغمام الغواديـا
فيا راكبا إما عَرَضتَ فبلّغن
                                      بني مالك والريب أن لا تلاقيـا

*
**
*** من نصوص للشاعر عبد الحميد الصائح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الشرق الأوسط لدفع مساعي الهدنة وإسرائيل تواصل عملي


.. إيران تعلن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية الم




.. واشنطن والرياض.. معاهدة أمنية والعين على التطبيع | #ملف_اليو


.. الحكومة الإسرائيلية تضطر لدفع فوائد أعلى على أدوات الديون بس




.. صور أقمار صناعية.. اتساع مساحة الدمار وتوغل آليات الاحتلال ف