الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشهيد عمر بن جلون.. والعود الأبدي لفكرة اليسار

عبد الإله إصباح

2019 / 12 / 18
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الشهيد عمر بن جلون... والعود الأبدي لفكرة اليسار
كلما جاء شهر دجنبر؛ تطفو من أعماق روحك وتملأ الأمكنة بحضورك الأزلي ضد من أرادوا من اغتيالك أن يكون محوا لفكرة وقتلا لمشروع. تعود كل عام في شهر دجنبر لتذكر القتلة بانك هنا منغرس في التربة؛ وفكرك يغوص عميقا منشئا له جذور مفعمة بالأبدية لآن الخلود هو مصير الأبطال.
عودك الأبدي هو عود لليسار في وضوحه؛ أنت الذي كنت تحارب التضليل والغموض. عودك هوعود للسياسة في نبلها من حيث هي انتماء لمشروع ولرؤية تتغيى تحقيق العدل ومناصرة المقهورين والمستغلين. وفي سبيل هذا الوضوح خضت السجالات ورافعت في افتتاحيات المحرر وفي لجنة صياغة التقرير الإيديولوجي؛ لم تكن تهادن الالتباس وكنت مدركا طبيعة التناقضات الفكرية والإديولوجية بين اعضاء اللجنة؛ ولذك اعتبرت الصياغة النهائية للتقرير مكسبا بالنظر إلى السياق العام الذي انعقد في ظله المؤتمر الاستثنائي.
نعم يأتي دجنبر من كل سنة كاستئناف دائم للفكرة اليسارية وهي تصارع واقعا موبوء بالظلامية والتطرف. تحاول أن تفسح لها كوة من نور في مشهد الرداءة والظلام الدامس؛ الظي تم التهييء لهيمنته في دهاليز الاستخبارات؛ وكانت لحظة تدشينه قد تمت بتصفيتك على اساس الحقد والكراهية لكل ماهو يساري وتقدمي وإنساني.
كنت أول ضحية لإرهاب الأصولية والظلامية في المغرب والعالم العربي. أمام قوة الفكرة وصلابتها؛ لم يجد الرجعيون والظلاميون إلا التصفية الجسدية عجزا منهم عن مقارعة الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة. ذلك كان دأبهم معك ومع زمرة من المفكرين؛ حسين مروة؛ مهدي عامل؛ فرج فودة. مفكرين جمعك بهم الفكر والانتماء لمشروع يناهض الاستبداد والظلامية ويتطلع إلى إرساء مجتمع يسوده العدل والإنصاف والديمقراطية.
أنت من القلائل في القدرة على الجمع بين التنظير والممارسة؛ كنت قائدا فذا منذ مطلع شبابك؛ وكنت منظرا لتيار سياسي، منشغلا بالتنظيم. ومشروعك في المذكرة التنظيمية يشهد على قدراتك في هذا المجال، تلك المذكرة التي لم يستطيع اليسار أن يتجاوزها؛ وبقيت هي المرجع في التعاطي مع الشأن التنظيمي من منطلق يساري حقيقي.
تجسدت في شخصيتك الأبعاد الفكرية والتنظيمية؛ وكنت دائما تبادر بمت هو جديد في الساحة السياسية المغربية. وما تأسيسك لجريدة فلسطين إلا إحدى العلامات الدالة على توهجك الفكري والنضالي؛ أنت الأممي والقومي في آن واحد دون أي مفارقة أو تناقض. مزجت بينهما في شخصيتك مزجا خلاقا. جعلت القومي في خدمة الأممي؛ والأممي سندا لما هو قومي. فكان احتضان القضية الفلسطينية منسجما مع مناهضتك للإمبريالية والصهيونية؛ باعتبار فلسطين بؤرة أساسية ضمن بؤر حركات التحرر الوطني على الصعيد العربي والعالمي. ولذلك كانت فلسطين بالنسبة لك قضية وطنية؛ إذ كنت تدرك في العمق تداخل البعد الوطني وتقاطعه مع ما هو قومي وأممي؛ فلا يمكن القضاء على الرجعية إلا بنضال ينطلق باستحضار التحالف والتداخل العضوي بين ماهو رجعي وصهيوني وامبريالي.
دجنبر إذن يعود ويعود معه طيفك، ليحثنا على تجديد السؤال حول ماهية اليسار اليوم. نعم تجديد السؤال هو الشرط الضروري للانفلات من الدغمائية القاتلة، وأنت كنت تنبه كثيرا إلى مخاطرها، لأنها تسجن الفكر في قوالب جامدة وتجعله غير قادر على مواكبة مستجدات الواقع. كنت تعتير الماركسية منهجا للتحليل وليست عقيدة تعتنق، لأن الفكر عندما يتحول إلى عقيدة يصبح جمودا وانغلاقا واستقرارا في يقين يغيب معه العقل كسؤال يتجدد، وكشك منهجي يسائل المنطلقات على ضوء المتغيرات، ويغنيها بعمق التحليل الملموس للواقع الملموس. هكذا كنت في الفكر مخلصا للواقع بما هو حقيقة تتجدد باستمرار، حقيقة نسبية وليست مطلقة، وهاهنا يكمن سر الإبداع والتجديد الخلاق.
أكيد أن هذه الخصال والصفات هي التي أرعبت النظام وجعلته يخطط لاغتيالك، لأنه كان يدرك قدراتك ونفوذك السياسي، وأثر ذلك على ميزان القوى القائم داخل الجزب أو في علاقة الحزب بالسلطة، لآن نفوذك داخل التنظيم من شأنه أن يعيق مخططات النظام في تعاطيه مع واقع تلك المرحلة في أواسط السبعينيات. وها دجنبر يعود ليذكرنا بفظاعة اغتيال سياسي كنت ضحيته لأنك رفضت الخضوع والاستسلام، رفضت مقايضة الفكرة والمبدأ، انت الذي بدأت حياتك المهنية كموظف سام، لم تعر حياة البدخ والرفاهية التي كانت في متناولك أي اهتمام. ضحيت بكل ذلك في سبيل أن ينتصر المبدأ وينجح مشروع التحرر والانعتاق من الطغيان والاستبداد. تآلفت مع المحاكمات والسجون والمعتقلات السرية. تحملت كل ذلك لأنك كنت تحوز طاقة نادرة هي طاقة المناضل الذي يصبح النضال بالنسبة إليه هو ما يعطي للحياة معنى، ويجعلها ذات غاية وهدف، مفعمة بالآمال و التفاؤل، جديرو فعلا بأن تعاش.
كانت حياتك قصيرة، ولكنك باستشهادك جعلتها تعانق الأبدية، وتجعل اسمك خالدا بين الأبطال والعظماء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح