الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقاحة سياسية

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2019 / 12 / 18
السياسة والعلاقات الدولية


في الوقت الذي تقترب فيه مظاهرات الرفض العراقي، للطبقة السياسية، من شهرها الثالث، نلاحظ أن هذه الطبقة تزيد من إنهماكها في البحث عن مرشح لرئاسة الوزراء، ينقذها من الكنس من مواقعها السلطوية.
ومنذ إستقالة عادل عبدالمهدي، إعتكف رؤساء كتل سياسو الصدفة، الذين جاءت بهم إدارة الإحتلال، لإختيار خليفة لعادل عبد المهدي، ترضى عنه إيران ويرضون عنه، وكأن إستقالة عبدالمهدي كانت شأناً داخلياً بينهم، ولم تأت تحت ضغط تظاهرات الشباب الغاضب في ساحات الإعتصام.
ورغم أن هذه الطبقة كانت قد سربت عدة أسماء إلى ساحة التحرير، لقراءة رد فعلها عليها، ولم تسمع بمقابلها غير الرفض التام لتلك الأسماء جميعاً، بصفتهم أركاناً للنظام القائم، وليس الحكومة وحسب، إلا أن هذه الطبقة مازالت تراهن على خداع المتظاهرين وتفكر بهم على إنهم مجموعة من المراهقين المغرر بهم، وسيكون بمقدورها في النهاية، إعادتهم إلى منازلهم، لأنهم، وكما وصفهم أحد المرشحين لخلافة عبد المهدي، عزة الشابندر، في فديو له، سرب أخيراً (إنهم قطاع طرق سفلة، خمارة، قمارة، لواطة، وإن السلطة منحنية لهم). وغني عن القول أن نذكر هنا، أن هذا رأي معظم عناصر الطبقة السياسية في المتظاهرين، وقد صرح أغلبهم بمثل هذه النعوت بحق المتظاهرين، متناسين أن هؤلاء المتظاهرين هم شريحة الشباب، وهم الشريحة الأكبر بين سكان العراق، والأهم من هذا، إنهم يمثلون الشعب، بعد أن أبدى أغلب الشعب، خارج الطبقة السياسية، تأييدهم ومساندتهم لشباب الإنتفاضة، ووفروا لهم كل أشكال الدعم اللوجستي والمعنوي والإعلامي.
لعل من نافلة القول أن نذكر هنا أن هذه التوصيفات غير اللائقة التي عبر عنها الشابندر، هي رؤية أغلب الطيف السياسي الذي يتقاسم السلطة وخزينة الدولة في العراق؛ وهي وقاحة سياسية سافرة تعبر عن عدم إحترام الشعب، عبر عدم إحترام شريحته الأوسع، الشباب، الذين يمثلون أكثر من نصف تعداد سكان العراق، وهم لم يفعلوا أكثر من التظاهر السلمي، إحتجاجاً على الأوضاع الشاذة التي يعيشها بلدهم، في ظل حالة فساد وتبعية لإيران وتبديد للمال العام، لم يشهدها العراق طوال حقبة تأسيس دولته الحديثة عام ١٩٢١، وضمن حقوق التعبير والتظاهر السلمي اللذين كفلهما لهم الدستور الذي كتبته الطبقة السياسية ذاتها.
الغريب ان تصريحات الشابندر، وهو شخصية تقلبت بين أطياف الكتل السياسية بطريقة ملفتة للنظر، من أقصى الليبرالية العلمانية، التي دخل منها إلى البرلمان، عبر تجمع قائمة أياد علاوي، إلى أقصى يمينية الثيوقراط، الذي تمثله أحزاب الإسلام السياسي، وحزب الدعوة، الموالي لإيران، على وجه الخصوص، هذه التصريحات الإنفعالية تأتي في أدق مرحلة من عمر الطبقة السياسية التي دأب مؤخراً على إنتقادها، وهي إنما تعبر عن طارئية الطبقة السياسية وسطحيتها من جهة، إضافة إلى كونها لا تهتم لغير مصالحها وإمتيازاتها الخاصة، من جهة ثانية، وهذا ما يؤكد على أشخاصها توصيف سياسو الصدفة، الذي صار التوصيف الدارج على لسان العراقيين، خلال الفترة الأخيرة على وجه الخصوص.
تصريحات الشابندر، والتي ختمها بأنه لا يشرفه أن يكون رئيساً لمجموعة من القرود الذين يمارسون الزنى ليل نهار، إنما تعبر عن يأس الطبقة السياسية ككل، وشعورها بالهزيمة، وإن راعيتها إيران، التي تفانت على خدمتها وتمكينها من مفاصل الدولة العراقية ووارداتها، لم تعد قادرة على حمايتها وإبقائها في الحكم وإمتيازاته ورخائه. كما إنها تعبر عن المناخ العام الذي تفكر فيه الطبقة السياسية، تجاه الشعب العراقي، الذي لا تراه أكثر من مجموعة من الرعاع المنفلتين الذين يتجرؤون على أسيادهم ويجب أن يردعوا بأي طريقة، وخاصة بعمليات التصفية الجسدية، وهذا ما لجأت إليه مؤخراً، مليشيات أحزاب السلطة، والحرس الثوري الإيراني، وكانت نتيجته مذبحتي جسر السنك وساحة الخلاني المروعتين، والتي راح ضحيتهما العشرات، بين شهيد وجريح.
الطريف في الأمر، وهو ما يعكس تخبط عزة الشابندر وتخبط الطبقة السياسية التي يمثلها، هو شتمه، في نهاية تصريحاته، للطبقة السياسية وإنحائه باللائمة عليها، فيما وصل إليه الحال، لعجزها عن ردع المتظاهرين أو تصفيتهم، لتجرؤهم على الطبقة السياسية، وهيكلية النظام، التي يراها أكبر وأهم من الشعب كله، وبرأيه هذا فإنه يؤكد أن تقاعس الحكومة عن ردع (القرود السفلة التي تتعاطى المخدرات واللواطة والزنى في المطعم التركي) هو الفساد الوحيد والخطأ الأكبر الذي إرتكبته، وهذا هو رأي أغلب عناصر الطبقة السياسية وحكومتها وزعماء مليشات أحزابها، وهذا ما حاولت بعض المليشيات تصحيحه، من خلال هجماتها المتكررة على المتظاهرين وقتلهم بالمسدسات المكتومة الصوت، او عن طريق طعنهم بالسكاكين، من اجل ترويعهم وإجبارهم على ترك ساحات التظاهر، وهو الإجراء الذي لم ير فيه الشابندر حلاً كافياً طبعاً، لأنه لم يقض على المتظاهرين قضاء تاماً، لأنهم مازالوا يزعجون نرجسيته عبر الصورة التي يرفعوها له، مع أربعة مرشحين أخر، بعد شطبها بكروس رفضهم لها ولمن رشحها، لأن شعار المتظاهرين الذي دوخ السياسيين وأوصلهم حافة اليأس مازال هو ذاته: إسقاط النظام كاملاً مع طبقته السياسية، وليس إستبدال الحمار بالبغل، مع إرجاع ثمن العلف، كما تندرت إحدى يافطات المطعم التركي، مركز إدارة تظاهرات ساحة التحرير، التي تتوسط مدينة بغداد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ