الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-مدرسة المشاغبين- ثمرة عصر الارتجال

عادل صوما

2019 / 12 / 20
الادب والفن


تابعت برنامج "حوش عيسى" على "يوتيوب"، وتأملت كلمات الاستاذ ابراهيم عيسى وهو يؤرخ فيه للمسرح المصري، ويعتبر مسرحية "مدرسة المشاغبين" نقطة فاصلة يُمكن القول عنها: ما قبل وما بعد "مدرسة المشاغبين"، وحسب ما قال تُعبّر المسرحية عن نهاية عصر جمال عبد الناصر حيث الرأي الواحد والزعيم الأوحد والفشل الكبير، الذي لخصّه يونس شلبي بقوله "أبويا اتحرق ياجدعان"، ومن ثمة بدأ عصر مختلف تماماً، عصر المجموعة.
اختلف تماماً مع الاستاذ عيسى لأن فكرة المسرحية وحتى فيلم "مُدرستي الحسناء" الذي عُرض قبل المسرحية بأقل من سنة المقتبسين من الفيلم البريطاني “to sir with love” لا يرقيا اطلاقاً مع الاسف إلى عظمة فيلم سيدني بواتييه والنجوم الذين شاركوه.
قضية وفوضى
"إلى أستاذي مع حبي" عالج وضعاً اجتماعياً وقضية العنصرية في مدينة بريطانية داخلية، بشكل جعل التلامذة المتمردين على وضعهم الخائفين من الفشل ومواجهة الحياة المفصولين من مدارس أخرى، يتقبلون فكرة وجود أستاذ أسوّد مهاجر في مجتمعهم ويحترموه في نهاية المطاف، لأنهم اكتشفوا يوماً بعد يوم قيمة ما يقدمه ويمثله الاستاذ، الذي رفض عرض وظيفة في مجال تخصصه الاساسي، بعدما رأي تربية النشء قضية أعظم من وظيفة مهندس التي طالما انتظرها.
ما الذي عالجته المسرحية والفيلم؟ لم يعالجا أي قضية جوهرية في مجتمع تلامذة مصر آنذاك. مجرد اقتباس هزيل بلا معنى ولا مضمون، فيه كلمات مُفرغة من معانيها، رغم الهالة الاعلامية الكبيرة التي صاحبت المسرحية التي كانت تعبيراً صادقاً عن عصر الخروج عن نص الاعراف الديبلوماسية الذي مارسه عبد الناصر وسب فيه الرؤساء والملوك العرب على الهواء وسط تصفيق المشاهدين وطلب المزيد، وعسر الارتجال الناصري في مواجهة الوقائع ، الذي فسّر به عبد الناصر نفسه التخبط الذي أوقع الشرق الاوسط للأبد فيه: "انتظرناهم من الشرق فجاؤونا من الغرب". ببساطة انتظر جيش عبد الناصر بناء على أوامره الجيش الاسرائيلي من الشرق فجاء من الغرب، وهو أسخف تفسير قيل عن هزيمة عسكرية في التاريخ، وسط تهليل وتكبير الجماهير وشعار "حنحارب"، ويلخص عصر الفوضى الناصرية بشكل يثير الشفقة.
الضحك بالارتجال
نص مسرحية "مدرسة المشاغبين" لم يُقدم أو يُعالج أي قيمة سوى ما قالته الاستاذة في نهاية المسرحية عن الحق والخير والجمال، وجاء كأنه رقعة على ثوب مهلهل، لأن المشاهد لم ير اطلاقاً ما يُمهد لهذه الجملة، التي جاءت بعد استعراض عضلات جميع الممثلين في الارتجال والخروج عن النص لإضحاك الجمهور لمدة ثلاث ساعات.
أسست هذه المسرحية حسب ما أرى عصر الخروج عن النص في المسرح المصري، والضجة غير المحتملة وصراخ ونبرة أصوات الممثلين اللامبالية، عوضاً عن فنون الإلقاء لتوصيل مغزى الجملة، علاوة على الاستهتار بكل قيم المجتمع المصري حتى هذا الوقت، فلا احترام للأستاذ أو الأب أو مدير المدرسة ولا حتى المُدرسة التي تحرشوا بها، ناهيك عن أكل المشاهدين أثناء العرض لتكتمل الفوضى على خشبة المسرح وبين الجمهور.
أفسدت هذه المسرحية سلوكيات عدة أجيال في المدارس، وجعلت الفوضى والاستهتار واللامبالاة تدب في الفصول الدراسية، وبدأ المدرسون يرون نُسخاً من عادل إمام ويونس شلبي وسعيد صالح في فصولهم. نسخ تخرج عن النص المطلوب منها وهو طلب العلم إلى إضحاك بعضهم بعضاً والسخرية من الاساتذة والعلم، وتحولت مدارس ثانوية مصرية عريقة إلى ما يشبه إصلاحيات الاحداث، يلعب فيها مدير المدرسة والاساتذة أدوار الضباط والمصلحين الاجتماعيين والسجانين.
وكانت الفكرة الأخطر التي وردت في فيلم "مدرستي الحسناء"، الذي قال عنه الاستاذ عيسى إنه فاشل مقارنة بالمسرحية، هي تحرش التلاميذ بمُدرستهم ليس لفظياً بل جنسياً والتخطيط لاغتصابها، وبلغت وقاحتهم حتى في اقتحام خصوصياتها، وتصويرهم لها وهي تجلس مع أستاذ آخر في كازينو لمناقشة طلبه الزواج من أختها قبل الحضور رسميا إلى منزلهم، بينما كانت المُعلمة في مصر حتى هذا الفيلم تابوه غير قابل للمس.
تسونامي الأول
"مدرسة المشاغبين" كانت أول تسونامي ضرب وأفرغ عقول تلامذة عصر عبد الناصر 1954-1970 من كل القيم والجدية التي تميّز بها جيل ما قبل 1952، وهو الامر الذي دفع عبد المنعم مدبولي إلى الاعتذار عن دور مدير المدرسة بعد بضعة أسابيع من العمل بالمسرحية، وكان اعتذاره يعبّر تماماً عن الهوة التي تفصل جيلين، أحدهما ملتزم وجدّي والآخر فوضوي وغير مبال، ما مهد الطريق تماماً إلى التسونامي الثاني وهو بدء انتشار التيار المتزمت في مصر ، الذي قاد البلد إلى ضياع هويتها.
كان جيل ما قبل 1952 الذي أثر في الحياة المصرية حتى أواخر الستينات يقول عن أي متزمت "يا عمي ده حنبلي سيبك منه"، ثم تحول الحنابلة شيئاً فشيئا إلى تماثيل غير قابلة للمس بها أو حتى إبداء الرأي، وكانت نهاية المطاف انفصام الشخصية الذي نراه؛ مُنقبة تلعن الاخوان المسلمين، رغم أنها تحمل ظاهرياً هويتهم، ورغم أنها ثمار تعاليمهم.
*هامش صغير:
شاهد أيها القارىء أي مسرحية لعادل خيري أو فؤاد المهندس أو أبو بكر عزت، وقارن بينها وبين الضجة والخروج عن النص واللامبالاة في نبرات الممثلين في معظم مسرحيات ما بعد "مدرسة المشاغبين". أمّا أكل المشاهدين أثناء المسرحية الذي أكمل صورة الفوضى، فقد كان ممنوعاً إدخال الطعام إلى المسرح المصري وما كان مسموحاً به المياه الغازية والحلويات الخفيفة والسجائر فقط، وهناك واقعة مشهورة طرد فيها يوسف وهبي أحد المشاهدين من المسرح لأنه كان يأكل طعاماً، ولم يستأنف يوسف وهبي والممثلين الذين معه المسرحية، سوى بعد خروج المشاهد من صالة العرض وسط استهجان باقي المشاهدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بداية التحلل و الإنحلال
هاني شاكر ( 2019 / 12 / 20 - 15:09 )

بداية التحلل و الإنحلال
__________

مسرحية مدرسة المشاغبين هى العلامة التى تعلن للمصريين بدء سباق التحلل و الإنحلال ... لتتدفق جماهير المصريين عبر بوابة تدمير الأمة بالكامل .. و هذا فعلا ما نجحنا فى الوصول إليه حيث تحتل مصر الآن قاع الترتيب الدولى فى كل شيئ

التحلل و الإنحلال الفعلى ( Clinical ) إبتدأ فى 1952 ، و لكن عبد الناصر كان بارعا فى إخفائه حتى 1967

احييك استاذنا على التحليل و المقال

...

اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان