الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى السنوية لصدور الدستور العراقي المحكمة الاتحادية العليا ملاذنا الدستوري

سالم روضان الموسوي

2019 / 12 / 20
دراسات وابحاث قانونية


في الذكرى السنوية لصدور الدستور العراقي
المحكمة الاتحادية العليا ملاذنا الدستوري
بعد أيام قليلة ستمر ذكرى صدور دستور العراق الدائم لعام 2005 حيث تم نشره في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) العدد 4012 في 28/12/2005 وانأ استذكر يوم صدوره كنت اقلب في صفحات الذاكرة المعاصرة وصفحات الدستور فوجدت إن طريقه لم يكن معبداً بالورود بل انه أتى بولادة عسيرة ونهض من ركام الاختلاف وسار بطريق وعر ملؤها التسقيط والتوهين، وارى انه سيبقى يعاني حتى آخر لحظة من حياته التشريعية، لان في إعادة تقويمه وفي مرحلة تقييمه اختلفوا فيه، واعتبره البعض كأنها ابن سفاح أتى من فراش غير شرعي فأفتى بعدم شرعيته، والآخر ازدراه ولم يمتثل لأحكامه، وهم يدركون بأنه مثل أي تشريع لابد من تطويره ليواكب مستجدات العصر لان الدستور مثل الإنسان له عمر ينتهي به وخلال فترة حياته لابد إعادة تقييمه بين الحين و الآخر ويشير القاضي الانكليزي كردوزو وهو من كبار القضاة في القرن التاسع عشر (القانون كالمسافر يجب أن يكون مستعداً للغد ويجب أن يحمل بذرة التطور في ذاته) ، كما لاحظت إن الغالبية لم تلتفت إلى يوم ولادته وحتى مجلس النواب لم يهتدي إلى ذكراه يوماً ولو باحتفال بسيط، وكأنما الكل يأنف عنه، وحاولوا بكل قوتهم الالتفاف على أحكامه في التشريع والتنفيذ والتطبيق، ولان نظام الحكم في العراق هو نظام الدولة المتدخلة في شؤون الحياة العامة وليس بنظام الدولة الحارسة، فان أهمية الرقابة على أداء مؤسساتها أصبح أكثر أهمية، وتمخض عن ذلك وجود القضاء الدستوري ممثلا بالمحكمة الاتحادية العليا، ويذكر القاضي الدكتور عبدالعزيز سالمان وهو احد قضاة المحكمة الدستورية العليا في مصر بان القضاء الدستوري ليس مجرد قضاءً تطبيقياً يقوم بإنزال حكم الدستور بشكل آلي أو مجرد على الواقعات المعروضة عليه، وإنما يتحتم عليه دوماً أن يحاول التوفيق والموازنة بين الشرعية الدستورية وإعلاء حكم الدستور، وبين المحافظة على الاستقرار داخل الدولة وتحقيقه وهو إذ يحاول إقامة هذا التوازن فإنه يبتكر من الحلول التي تحقق الاعتبارين معاً ويأخذ بالتأويلات والتفسيرات التي توصله إلى هدفه ولو كان بعضها يخالف ظاهر ما يؤدي إليه النص الدستوري، تلك المهمة ينفتح معها الباب لدور إنشائي وإبداعي كبير يقوم به القضاء الدستوري مكنته من القيام به النصوص الدستورية ذاتها وما تحمله من عمومية وسعة في خطابها ومرونة في تفسيرها تلك التفسيرات التي لا يمكن أن تنفصل عن الرؤية الخاصة للقاضي الدستوري في كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يتعرض لها في حكمه ولهذا السبب نؤيد بحق من قال إن العدالة الدستورية ليست أبداً عدالة معصوبة العينين والرقابة على دستورية القوانين ليست عملية حسابية أو آلية يوضع بها نص القانون في مواجهة نص الدستور فتظهر على الفور مدى التطابق بينهما أو مدى مخالفة القانون لنصوص الدستور، ونتيجة للحال الذي عليه الدستور كان الصراع على أشده لتطويع أحكامه إلى جانب مصالح المتصارعين والخلاف بينهم مستحكم ، وكان للمحكمة الاتحادية العليا في العراق الدور البارز والحاسم في الفصل في كل ما يعتري طريق الدستور من خلافات واختلافات، وشكلت لنا الملاذ الدستوري الآمن الذي نلوذ به عند الأزمات إذا ما اشتد آوارها، وكانت تمنحنا الاطمئنان وتعود بنا إلى الاستقرار، والأمثلة كثيرة على ذلك، لأنها أصدرت عشرات القرارات التفسيرية لنصوص الدستور النافذ والتي اختلف فيها أطراف الصراع السياسي، كما أصدرت مئات الأحكام التي بموجبها عدلت من مسار الانحراف التشريعي، عندما قضت بعدم دستورية بعض التشريعات لأنها صدرت على خلاف غاية الدستور ومراميه، كما أسهمت بشكل كبير في ترسيخ نظام الحكم الديمقراطي عبر قراراتها الحاسمة ، ومازال عطائها دائم ويتفاعل مع الأحداث بحيوية الشباب الفكري وحكمة الشيخ الحكيم وهذه الحكمة هي حالة أو صفة يتم من خلالها التمييز ما بين المقبول وغير المقبول، مقترناً بحكم عادل وبصيرة، وتشمل الحكمة القدرة على التعلّم والتلفّظ بأقوال حكيمة والتصرف بحكمة وموعظة، فضلاً عن ذلك الحكمة تعبر عن المعرفة التي يكتسبها الفرد بسبب التجارب والخبرات التي مرّ بها، لذلك كان الجميع يختلف مع المحكمة الاتحادية العليا، إلا إنهم جميعاً يعودون إلى حكمائها لإيجاد المخرج الدستوري للازمة التي هم أنفسهم خلقوها عبر خلافهم على المغانم وليس اختلافهم في المكارم، وبهذه المناسبة وهي الذكرى الرابعة عشر لصدور الدستور العراقي لابد من استذكار رجال المحكمة الاتحادية العليا وبيان حجم انجازهم ودورهم الكبير في إطفاء حرائق السياسيين التي كادت أن تحرق البلاد ، فكان لأعضاء المحكمة الاتحادية العليا دورهم في إعطاء خبرتهم الحياتية وحكمتهم وتجاربهم عبر سنين حياتهم ، من اجل النهوض بالعراق والسير به نحو الأمان والاستقرار، وهذا ليس بغريب لان من ابرز فرسان العدالة الدستورية هو من يقف على رأس الهرم فيها معالي القاضي مدحت المحمود وهو الفقيه الذي عرفه الأصدقاء والأشقاء مثلما هو الخبير في القضاء والفقه القانوني عبر مؤلفاته القيمة والتي ما زالت تدرس حتى الآن في مدارس القانون ومعاهد القضاء، وكذلك أعضاء المحكمة الاتحادية العليا كأنهم كما وصفهم الشاعر جبران خليل جبران بقوله الذي انقله تصرفاً
(وهم الفيصل الذي تؤخذ الحكمة ..... عنهم وتؤثر الأحكامُ)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح المجاعة في غزة


.. تشييد مراكز احتجاز المهاجرين في ألبانيا على وشك الانتهاء كجز




.. الأونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة حرموا من التعليم بسبب ا


.. حملة اعتقالات إسرائيلية خلال اقتحام بلدة برقة شمال غربي نابل




.. بريطانيا.. تفاصيل خطة حكومة سوناك للتخلص من أزمة المهاجرين