الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«مصائر- كونشرتو الهولوكوست والنكبة: فلسطين في حقائب المنافي وتجذّر الانتماء»

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2019 / 12 / 20
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


هذه فلسطين، الذاكرة المأساوية الممزوجة بالقتل والجرح النازف منذ أكثر من مئة عام، التي أفرزت وعياً متناقضاً بين مآسي الحزن واللجوء والتشرد اليومي للفلسطينيين الموزّعين داخل فلسطين وخارجها في كافة أنحاء العالم، إثر هزيمة الأنظمة العربية، وليس الشعب العربي، في 1948 و1967، لأن الشعوب لا تنهزم، والهزيمة من فوق، وليست المقاتلين، وتمت تسمية الهزيمتين بالنكبة والنكسة في محاولة من الأنظمة العربية لستر عوراتهم وتخاذلهم، وجاءت حرب 1973 لتهيئة الظروف للمصالحة مع إسرائيل، في مصر والأردن، كما عبر عن ذلك غسان كنفاني في روايتيه «رجال في الشمس» و»أرض البرتقال الحزين»، والحزن الذي رسمه حول الهجرة، والرجال الذين يموتون خنقاً في صهاريج التهريب. وبيّن أيضاً، حق العودة والتحرير الكامل، وهي شعارات منظمة التحرير، التي انتهت ليس بتحقيق الشعارات، إنما بـ»المصالحة التاريخية» مع إسرائيل، وإقامة سلطة لا تختلف بالجوهر عن الأنظمة العربية.
والرواية الفلسطينية الأولى التي حازت البوكر العالمية عام 2016، هي رواية «مصائر» للروائي الفلسطيني ربعي المدهون، المعمولة وفق الذاكرة الفلسطينية حول مآسي الهزيمة – وليست النكبة كما يسميها الروائي- وحق العودة المشرفة للاجئين الفلسطينيين. وقالت أمينة ذيبان رئيسة لجنة التحكيم، بأن الرواية «تبتدع نسيجاً روائياً فنياً جديداً، يصور تحولات المسألة الفلسطينية، وتثير أسئلة الهوية وتستند إلى رؤية إنسانية للصراع. وإنها رواية ذات طابع بوليفوني مأساوي يستعير رمز الكونشرتو لتجسيد تعدد المصائر».
ويُقصد بالبوليفونية لغة تعدد الأصوات، وتم نقله من عالم الموسيقى إلى حقل الأدب والنقد. وتمتاز الرواية البوليفونية، التي يفضلها ميخائيل باختين، بتعدد الأصوات، والأجناس والأبنية، وأساليب لغوية مختلفة، بين الحوار الداخلي والوصف والحوار الخالص، والسرد بكل أنواعه، وهي ديمقراطية بحيث تترك القارئ يختار الموقف الذي يلائم بنيته الفكرية والذهنية، وبذلك تختلف عن الرواية المنولوجية ذات الصوت الواحد واللغة الواحدة، بحيث يتسم بالرتابة والتكرار والفرادة الأسلوبية، وأحادية السارد المطلق، وسيطرته على شخصيات الرواية كما يشاء.
ورواية «مصائر» تم عرضها بأسلوب سردي أدبي خاص، على شكل كونشرتو، لتذوق عمل أدبي يستعير لبنائه شكلاً موسيقياً، تنتظم حكاياته على إيقاعاته الحسية، خارجة من التجريد الموسيقي إلى فضاء السرد البسيط الواضح. يتألف من أربع حركات، وفي كل حركة شخصيتان، حيث يلتقي الجميع في الحركة الرابعة حول أسئلة الهزيمة/النكبة، والهولوكست الذي يفعله الإسرائيلي بالفلسطيني، وحق العودة.
وأولى الشخصيات الأرمنية الفلسطينية المولد «إيفانا»، التي تم تهجيرها من بيتها خلال الهزيمة، وباب شقتها مرسوم على صفحة الرواية الأولى، وهي مقيمة في لندن، وأوصت أن تُحرق جثتها ويُنثر جزء من رمادها في نهر التايمز، والجزء الآخر في عكا، عروس الكرمل، فهي تريد أن توزع وفاتها بين الـ»هنا» أي لندن، «توفيت هنا، توفيت هناك»، وهناك في مكان مولدها وإقامتها. وقد تم نثر حفنة من رمادها في النهر، وتوزع غباراً على مياه المحيط، على أنغام «Mon Amour»، وهي الحركة الثانية من الكونشرتو.
ووليد الدهمان الذي تزوج «جولي»، وهي ابنة «إيفانا»، وكانت رحلة وليد وجولي من لندن إلى فلسطين مشرقة بالذكرى والحنين، لكنها تبعث على الحزن، بعد فراق دام عقوداً من السنين. حيث زارا عكا والبيت القديم لإيفانا، وتم طرد جولي منه وانكسرت زجاجة الرماد، حيث تم استبدالها بقارورة أخرى وتم إيداعها لدى إحدى العائلات.

الحبكة في الرواية تنقلنا من الهزيمة وما ترتب عليها من تهجير وتشريد الشعب الفلسطيني، واعتبار ما تبقى منهم كمواطنين إسرائيليين من الدرجة الثانية ضمن الخط الأخضر، وحق العودة للاجئين، الذي ما زال الشعب الفلسطيني يقاتل من أجله

وجنين الدهمان، وزوجها باسم، اللذان جاءا من أمريكا، وأرادا أن «يكونا نخلتين على شواطئ يافا، وموجتين تملآن السباحة إلى شواطئها، ويرقص لهما السمك، ويزغرد لهما الصيادون» إلا أن باسم بجوازه الأمريكي محروم من العمل، حتى في «كناسة الشوارع»، ولا يتمتع بأي شكل من أشكال الضمان الصحي والإقامة، حيث أراد العودة إلى أمريكا لكن جنين رفضت ذلك «لأن كل منفى هو مخيم جميل للاجئين الذين يتوهمون أنه وطن»، وهو لم يكن أكثر من موقع إلكتروني يمكن للسلطة أن تمسحه في أي زمان، ما يضطر للذهاب إلى بيت لحم، ويبقي متزوجاً بالمراسلة، حيث تتأوه جنين «بأن الغربة تجمعنا، والوطن يفرقنا». والرواية مهداة إلى «باقي هناك.. وكل من بقي هناك»، التي تكتب روايته جنين، بعنوان «فلسطيني تيس»، وكانت ابنة بطل الرواية محمود الدهمان، وهو الرجل الذي رفض الهجرة، «وإذا خبط رجليه بيصحي اللد والرملة، وإذا صرّخ بوقف الموج فـ عرض البحر»، وشارك في الأحزاب السياسية الإسرائيلية، وعايش اليهود وكان محبوباً بينهم. وبعد أن أصبحت جريدته «الاتحاد» كمكب للنفايات، بقي ثورياً، حين ذهب إلى ميدان رابين، باحتفالات اليمين المتطرف وحمل يافطتين «واحدة من مذابح دير ياسين، والثانية من مذابح جرت لليهود في كييف»، حيث استشهد برصاص اليمين المتوحش، وهو يردد النشيد الأممي. لكنه لم يمت، واستمر يروي البرتقال الحزين، ويغني نشيده «بجموع قوية/هبوا لاح الظفر. غدُ الأممية/يوحد البشر».
وكانت رحلة وليد الذي «زرع فلسطين في خلاياه، وجعلها أحواضاً للنعناع»، وجولي مليئة بالمفاجآت بدءاً من وصولهم ورؤيتهم لإشعارات ملصقة أمام البيوت، «دار للبيع»، وبالمقابل «بيتي مش للبيع»، حيث العكاوية الأصليون لا يبيعون بيوتهم لليهود، «ولماذا العرب لا يأتون إلى هنا لشراء البيوت؟ وهم يخافون على أموالهم منا. وفاطمة التي قبلت وليد بأن «بوسة من بنت بلدك بتحبسك في عكا العمر كله»، لكنها أكملت بكآبة اللي «تغربوا وما نفعهم كل البوس اللي باسوه». وكلمة «باقي هناك»، «إن هاجرتو مابترجعوش»، و «المجنون هو اللي بدشر بلاده ويهاجر»، وتذوقوا كعك القدس والكنافة والزعتر. وفي رد على ربعي المدهون وحديثه عن أن الحمص والزعتر ملك للفلسطينيين بالقول: «اليهود أخذوا البلاد كلها بلا حمص بلا كنافة، حل عن سمانا يا نكبة». وفي زيارتهم لدير ياسين التي قتل فيها أهل البلدة على يد منظمة الأورغون، والتي لم يبق فيها سوى بعض الحجارة، حيث تم إعمار «متحف الذاكرة الفلسطينية» في أعقاب المصالحة التاريخية مع السلطة الفلسطينية، وضمت أسماء الشهداء القادة الفلسطينيين مثل عرفات وغيره، حيث استمتعت جولي برحلتها في فلسطين وعبّرت عن رغبتها بالسكن في فلسطين، فكان الرد من وليد، بأنه غير قادر على العيش فيها غريباً، وأنه سيناقش الموضوع في ما بعد.
والحبكة في الرواية تنقلنا من الهزيمة وما ترتب عليها من تهجير وتشريد الشعب الفلسطيني، واعتبار ما تبقى منهم كمواطنين إسرائيليين من الدرجة الثانية ضمن الخط الأخضر، وحق العودة للاجئين، الذي ما زال الشعب الفلسطيني يقاتل من أجله، ويعتبر من المحرمات عند الصهاينة، الذين يمارسون «الهولوكوست» ضد الفلسطينيين، علماً بأن «باقي هناك» استشهد وهو يرفع راية ضد مذابح كييف لليهود، وأن الشعب الفلسطيني والعربي عموماً لم يمارسوا «الهولوكست» ضد اليهود، ووقفوا ضد «الهولوكوست» الذي مارسه النازيين ضد اليهود. وصولاً إلى الانتماء الفلسطيني وحق الإقامة والعمل وفق حقوق المواطنة، وحقوق الإنسان.
والسرد البوليفوني المتقطع جعلنا نتعرف إلى الشخصيات المتعددة ومواقفهم. مثل جنين المترسخة في الأرض، وجميل، وفاطمة، والــ»باقي هناك» المتجذر بالأرض. كذلك عدم وجود الشعرية الروائية تجعلنا نقول مع بساطة السرد إلى عدم معرفتنا بفلسطين المحتلة، وزيتونها، وبرتقالها الحزين، أفضل من ذكر «حارة الجواريش» حيث يقتل فيها الرجال الفلسطينيون نساءهم بدافع جرائم الشرف البغيضة. كنا نتمنى أن يصدح مع صباحيات فيروز «لأجلك يا مدينة الصلاة.. أصلي.. يا قدس»، ومحمود درويش حين يغني لفلسطين ويجعلنا كأننا نعيش في ظل الزيتون الدائم الخضرة والأمل.
ثم إن الحزام الأخضر يتمدد عبر المستوطنات التي تنتشر عبر الضفة الغربية، والإسرائيلي يعتقل ويقتل يومياً العديد من الفلسطينيين. أين الموقف من السلطة الفلسطينية بعد «المصالحة التاريخية»، التي دمرت آثار دير ياسين، وأقامت متحفاً لأسماء الشهداء القادة، الذين أقاموا سلطة لا تختلف في بنيتها عن الأنظمة العربية، وتحولت منظمة التحرير، إلى منظمة متصالحة مع الاحتلال، بعد الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني الذي دمّر آمال الشعب الفلسطيني.
من: القدس العربي -١٨ ديسمبر-٢٠١٩








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عن الشعب الفلسطيني
أكرم ( 2019 / 12 / 20 - 17:21 )
(وقفوا ضد «الهولوكوست» الذي مارسه النازيين ضد اليهود.)

كم هو مسكين الشعب الفلسطيني وكم هو عجيب أن يأمل أن يتحرر يوما ونخبه تعتنق كل أكاذيب مستعمريه:
1- الأديان البدوية الثلاثة.
2- هوية الجلاد الأول: العروبة.
3- الأكذوبة التي على اثرها تأسست دولة الجلاد الحديث: «الهولوكوست».

اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات