الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هموم مصرية - لماذا جرى ما جرى؟

خالد الكيلاني

2006 / 5 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


في مقاله الأخير بجريدة الأهرام ( الثلاثاء 23مايو ) والمعنون " قراءة تجريدية لربيع مصر الساخن " وبعد أن استعرض الكاتب الكبير فهمي هويدي ثلاثة أحداث مصرية ألهبت أجواء مصر في أبريل الفائت هي مشكلة القضاء، وأحداث الفتنة الطائفية في الإسكندرية، وتفجيرات سيناء محاولاَ إيجاد قواسم مشتركة بينها ختم مقاله بسؤال هام تأخر كثيراَ ( السؤال وجوابه ) هو لماذا جرى ما جرى؟ وهو سؤال رغم بساطته ربما يحتاج للعديد من مراكز الأبحاث والمحللين في علوم السياسة والاجتماع والقانون.
والإجابة على هذا السؤال في بساطته لا تحمل فقط تشخيصاَ للحالة المصرية الراهنة ولكن ربما يكمن فيها – بقليل من التجرد والموضوعية – جوهر الحل لحالة الاختناق السياسي والاجتماعي بل والاقتصادي التي يعاني منها المصريون في السنوات الأخيرة، وللإنصاف فإن هذه الحالة ليست فقط وليدة الشهور أو السنوات الأخيرة المنقضية ولكنها محصلة تراكمات عدة عقود مضت دون الإشارة إلى أحد بعينه، أو إدانة أحد بعينه.
ولأن السؤال يرتبط بالماضي، والإجابة عليه تؤسس للمستقبل فإنه يتحتم علينا تشخيص الواقع بكل انتكاساته و إحباطاته... ومراراته، وهو واقع ليس مريحاَ على الإطلاق فمصر لم تعد مصر، والمصريون ليسوا كما كانوا رغم كل مظاهر التقدم والتطور التي قد تبدو للناظرين إلا أنها تظل في إطار " المظاهر " لأن التراجعات التي تمت في الجوهر أخطر بكثير مما نتصور، والجوهر الذي أعنيه هنا هما العقل والفكر المحركان الحقيقيان لكل تقدم وتطور، والحارسان الحقيقيان لقيم الحرية والعدالة والمساواة، والراعيان الرئيسيان لمثلث الحق والخير والجمال، فأي تقدم لا يعتمد على العقل والفكر أو يتم بمعزل عن هذه القيم لا يمكن له أن يحقق شيئاَ للمجتمعات ولا يمكن له حتى أن يستمر لأنه قائم على غير أساس. وأعتقد أن الكثيرين يتفقون معي في أن جوهر التقدم أصبح غائباَ أو مغيباَ – فالأمر سيان – ومنظومة القيم التي تؤسس لهذا التقدم قد ديست بالأقدام من الناس والسلطة معاَ.
وتشخيص الحالة المصرية اعتماداَ على ما سبق يؤكد أننا أمام أزمة بكل المقاييس وهنا يبرز السؤال الأزلي هل هي أزمة سلطة ؟ أم أزمة نخبة ؟ أم أزمة مجتمع ؟ البعض يحاول – وهذا جزء من الأزمة – أن يصور لنا الأمر على أنه أزمة سلطة وهذا تلخيص مخل غالباَ ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة لا إلى حلها لأن ما نعيشه ونراه هو أزمة مجتمع بنخبته وسلطته بدئاَ بمثقفيه، وأعتقد أن عدة مظاهر للأزمة لا يمكن أن تخطئها العين يمكن تلخيصها هنا في نقاط مختصرة دون الخوض في التفاصيل، ودون مصادرة على ما قد يراه آخرون.
1 – دور الدين في المجتمع والخلط المريب بين الدين والسياسة والدين والعلم والدين وحركة المجتمع وبالطبع أنا لا اقصد بالدين هنا العقيدة وما تفرع منها إنما أقصد سوء التأويل والتفسير الذي يصب في مصلحة جماعات أو فئات بعينها في المجتمع تتخذ من الدين ستاراَ لفرض سطوتها، وتحقيق مصالحها، وتأميم الوطن في إطار فكر شمولي يروع مخالفيه بنظرية الحق الإلهي والقانون السماوي - رغم صياغته من لدن بشر يعيشون بين ظهرانينا – والأخطر من كل ذلك هو انتشار ما يمكن أن نطلق عليه " فقه الفتنة " بديلاَ عن فقه المصلحة.
2 – الغياب التام لقيمة العدالة بمعناها الضيق وهو الحرص على تطبيق القانون بحسبان أنه الضمانة الأساسية لاستمرار التوازن في المجتمع بين الحق والقوة، والغريب أن أكثر الناس في هذا الوطن احتياجاَ لسياج القانون ولحصن العدالة هم الأكثر حرصاَ على تكسير هذا السياج بل وتفخيخه بحيث أصبح تجاوز القانون وإهداره وخرق قواعد العدالة زاداَ يومياَ للحاكم والمحكوم على حد سواء.
3 – الغياب الأكبر لقيمة العدل بمعناها الواسع الذي يتجاوز المحاكم – رغم غيابه أيضاَ في المحاكم في كثير من الحالات – العدل في توزيع الثروة والعدل في تداول السلطة مما أدى بالجميع من أبناء هذا الوطن من كل الفئات والمستويات إلى الشعور بالظلم والاضطهاد والغريب في الأمر أن حضارة مصر القديمة التي ما زلنا نفخر بأمجادها قامت على فكرة العدل رغم وجود الفرعون الإله، وأول مدونة مكتوبة على ورق البردي احتفظت لنا بها تلك الحضارة هي شكاوى الفلاح الفصيح .
4 – غياب أو انعدام أو خلل – سمها ما شئت – المعايير التي تحكم الكثير من الأمور في مصر، بل ربما يصل الأمر في بعض الحالات إلى انقلاب تلك المعايير بما يؤدي إلى سوء الاختيارات الذي يؤدي بدوره إلى تزايد الشعور بالظلم ، فضلاَ عما نلاحظه في كل مكان من انعدام الكفاءة والاحترافية والمهنية في أبسط صورها خاصة كلما تعلق الأمر بالمراكز العليا في المؤسسات أو المناصب ذات البريق الإعلامي.
5 – وأخيراَ وليس أخراَ حالة الشخصنة التي يعاني منها المجتمع المصري والتي تحولت إلى نوع من المرض يحتاج المصريون إلى العلاج منه وهي حالة ناتجة عن طول غياب لدولة المؤسسات وطول بقاء للحكم الفردي ومؤدية إليها في ذات الوقت – أي للغياب وطول البقاء - فكل شيء في أي مكان في مصر لابد أن يتعلق بشخص ما، وكل مؤسسة لابد أن يرتبط وجودها بوجود شخص ما، ولا يحتاج المرء إلى أدنى جهد للتدليل على ذلك.
ربما تكون هذه بعض مظاهر الحالة المصرية في الوقت الراهن، ولكنها بالطبع ليست كل مظاهر الأزمة، وربما يكون في الاعتراف بها وعلاجها مدخلاَ للحل... وإجابة على السؤال المطروح بقوة على الساحة لماذا جرى ما جرى ؟

خالد الكيلاني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30