الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شفرة أرسانى (1)

كريم عرفان

2019 / 12 / 21
الادب والفن


منذ فترة ليست بالقصيرة دعيت إلى عرض مسرحى غير تقليدى فهو ينتمى بشكل كبير إلى ما اصطلح بتسميته مسرح "الجسد " وقد كتبت عن هذا المسرح قبل ذلك من خلال تناولى لصمويل بيكيت ورائعته الأيام السعيدة وأيضا من خلال رؤيتى لبعض ما قام به رائد هذا المسرح "بيتر بروك " وغيرهما من رواد هذا المسرح غير التقليدى .هذا العرض قد قامت بتقديمه فرقة رحالة للفنون البصرية والأدائية للمخرجان أرسانى عبيد وأحمد عثمان ؛ بعنوان "مش حلم " وتم تحت رعاية "السفينة للفنون والثقافة Elsafina for "Art and Culture ..
وقد اتصف العرض "مش حلم" برؤيته الحداثية إذا اعتمد على المزاوجة بين الصورة البصرية من خلال الشاشة والأداء التعبيرى الحركى الذى قام به الثلاثى .. أحمد عثمان - هدير ناشد - ياسر فوزي ؛ وأيضا اتسم العرض بالتفاعل الحى مع الجمهور وقد اكتسب العرض خصوصيته من أنه احتوى على قصص لأحلام حقيقية لفريق العرض ذاته أو من خلال أحلام تخص الجمهور نفسه أو عبر الإنترنت ؛ كما تميزت هذه التجربة بكونها تجربة متطورة إذ أنها تقبل الإضافات من الجمهور ليس من خلال المشاهدة فقط بل من خلال الأداء والكتابة والمشاركة ؛ فهى محاولة جريئة من أرسانى وعثمان ورفاقهما ..أن يضعوا اللامحدود واللامتناهى "عالم الأحلام" في بوتقة المحدود والمتناهى وهو "عالم العرض"

هناك عدة شفرات قد بثها أرسانى في ذلك العرض " الحلم " تظهر من خلال المؤثرات البصرية والصوتية ومن خلال الحركات التعبيرية والمليئة بالرموز التي قام بها الثلاثى ومن معهم بقيادة أحمد عثمان ؛ فالحلم ليس هو الغرض وإنما هو مجرد باب ووسيلة تفضى إلى عوالم أخرى مجهولة تتجسد فيها المخاوف والطموحات وبعض الرهبة.
ونستطيع أن نقول عن هذه التجربة أنها تجربة "راديكالية" إذ أنها تحررت كثيرا من القيود التي تتحكم بالمسرح التقليدي مثل : الزمن والحبكة والسياق المسرحى المعروف ؛ وقد استعارت تلك التجربة حريتها من عالم الأحلام الفانتازى الذى لا يقيم وزنا للواقع بل يعمل على صياغة عالم خاص مفارق للعالم الواقعى .
وهذا العرض يحتاج إلى الكثير من البحث والتعمق ولكن هناك خمسة عناصر يجب أن نتناولها بشىء من التفصيل وهى :-
التواصل – المساحة – الإيقاع – الثلاثى ومن معهم – الجمهور ) )
التواصل : الأصل الأولى في العرض هو أنه قيام جماعة من الناس ( الفنانون والمؤدون ) بعمل "تواصل " مع جماعة أخرى من الناس هم (الجمهور أو المتلقين ) وقد اختار أرسانى وعثمان ورفاقهما أن يتواصلوا مع الجمهور ولكن عبر لغتهم الخاصة – وهذا ليس مجازا – فقد ابتكروا لغة خاصة بهم بدت كتمتمات غير مفهومة في البداية ولكن مالبث الجمهور أن شعر بها وتفاعل معها ..كما أنه في بداية العرض مضت فترة زمنية غير قصيرة اعتمد فيها الثلاثى الذى يقوم بالتجسيد على اللغة الحركية والتعبيرات الرمزية وأثناء رحلتهم مع أنفسهم ومع الجمهور كانوا يتواصلون عبر الحركة والإيماءة وهو ما أحس به الجمهور وتجاوب معه .
المساحة المكانية : كانت مقتصرة على الركن الصغير الذى في زاوية الغرفة وقد تعامل معه الثلاثى وكأنه عالم فسيح يتسع ليشمل الكون وأحيانا أخرى يضيق حتى لا يتسع لفرد واحد ؛ ولكن المدهش عندما فاجأ الأبطال الجمهور بامتداد المساحة المكانية للعرض لتشمل الغرفة بأكملها وانتشر الثلاثى في أرجاء الغرفة ذهابا وإيابا انتشارا وإن بدا تلقائيا إلا أنه ممنهج .
الإيقاع : العرض المسرحى التقليدي غالبا ما يكون قريبا من الإيقاع الحياتى من السهل أن تمسك به وتشعر به ولكن في هذا العرض "الحلم " بدا الإيقاع غير اعتيادى على الإطلاق ..فهو إيقاع الأحلام المفاجئ والمرتعش الذى يصعد ويهبط على نحو مفاجئ فلا يستطيع المتلقى إلأ أن يتعاطى معه وفقا لمفردات العرض .
الثلاثى : كان الثلاثى متوحدا لأقصى درجة حتى في بعض التحاماتهم واتحادهم تشعر وكأنهم جسد واحد ؛ لم يتسرب إليهم الإنفصال عن روح العرض ولو للحظات ..يمسكون بمفاتيح الشخصيات جيدا يعلمون تماما أنهم في عرض خاضع للغة الأحلام وللغة إخراجية وتمثيلية خاصة جدا .
أجاد كل منهم بمفرده التعبير الحركى والرمزى واستطاع أن يوصل للجمهور كمية متدفقة من المعانى لا حصر لها ؛ فكل حركة ولفتة وايماءة لم تكن عفوا بل كانت تحمل معنى ومغزى ؛ واستطاعوا جميعا أن يتوحدوا مع العرض وأيضا مع المساحة المكانية المخصصة للعرض وأجادوا التعامل مع المساحة المكانية الكبيرة التي تتمثل في الغرفة بالكامل ..
تعاملوا مع الجمهور بأريحية وسلاسة دون أن يكسروا حاجز الغموض الذى يميز
عالم الأحلام . . عدم وجود حوار تقليدى ألقى علي الثلاثى عبئا جسيما إذ كان عليهم أن يقوموا بالتعبير بكل حركاتهم وسكناتهم وخلجاتهم وهو ما أجادوه تماما
وكان لكل من الثلاثى المؤدى : أحمد عثمان - هدير ناشد - ياسر فوزي شخصية مميزة جزئية ..تميز كل على حدة ؛وشخصية كلية تجمع ثلاثتهم .
مرت الشخصية التي جسدها أحمد عثمان ببراعة وذلك يعود إلى مهارته الأدائية وأيضا إلى حسه الإخراجى المتميز فهو قد شارك في صياغة هذا العرض تمثيلا وإخراجا وقد مرت الشخصية التي يجسدها عثمان بكثير من بكثير من الإنفعالات إلا أنها اتسمت بالحضور المميز وليس مصادفة أن الكلمات التي قيلت بشكل مفهوم جاءت على لسان الشخصية التي جسدها عثمان ..استطاع عثمان التواصل مع الشخصيات بشكل متنوع وأيضا أجاد التعامل مع الجمهور واستطاع أن يكون رمانة الميزان بين الفريق التمثيلى والجمهور . .
أما الشخصية التي جسدتها هدير ناشد فمرت بكثير من الأحاسيس وأحسنت التعبير بوجهها مع لمسة تمرد تخبو أحيانا وتظهر أحيانا أخرى على ملامحها ..وأيضا صراع الشخصية مع جسدها وانكسارها وهزيمتها كان أداء مميزا
وبالنسبة للشخصية التي جسدها ياسر فوزى فمع مرورها بكثير من الإنفعالات أيضا إلا أنها تميزت بنوع من السلبية -أحسن ياسر أداءها - ظهرت في أكثر من لقطة لعل أبرزها صراعها مع الزمن ثم تفوق الزمن عليها واستسلامها له .
الجمهور : في البداية وقع الجمهور في متاهة وضعت بشكل متعمد وأصبح يسأل نفسه " من أين أبدأ ؟" و "ماذا يحدث ؟".. ثم مع مضى الوقت قام الفريق ببناء علاقة درامية جديدة مع الجمهور ..علاقة بعيدة عن المعتاد والمكرر فقد كانوا يبحثون عن أرض مشتركة مع الجمهور( أرض الأحلام )فأشركوا معهم الجمهور الذى تفاجأ وشعر بشىء من الدهشة والتعجب مع الرهبة أيضا فالجمهور كان بطلا وكان له دورا إيجابيا ولم يكن مجرد متلقى سلبى فهذا العرض قد تعامل مع المتلقين وكأنهم فنانين وحالمين أيضا .
وجد الجمهور نفسه أمام عرض يداهمه ويقتحمه تماما ثم ما لبث أمام ذلك الحشد المتدفق من الإبداع والترميز أن ألقى كل أسلحته ووجد العرض يستغرقه ويسلب حواسه فغرق معه في عالم الأحلام .
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسرحية -شو يا قشطة- تصور واقع مؤلم لظاهرة التحرش في لبنان |


.. تزوج الممثلة التونسية يسرا الجديدى.. أمير طعيمة ينشر صورًا




.. آسر ياسين يروج لشخصيته في فيلم ولاد رزق


.. -أنا كويسة وربنا معايا-.. المخرجة منال الصيفي عن وفاة أشرف م




.. حوار من المسافة صفر | المخرجة والكاتبة المسرحيّة لينا خوري |