الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة على الله

حسن عجمي

2019 / 12 / 22
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الله هو المُؤسِّس الأول للنظام الديكتاتوري لأنه لا يقبل شريكاً له تماماً كالطاغية. فإن سيطرت أيديولوجية الله سيطرت الأنظمة الديكتاتورية لكونها تُطابِق أيديولوجية الله وذلك من خلال توحيد القدرات والسلطات واختزالها في كينونة واحدة ألا وهي سلطة الطاغية و وحدانيته المُطابِقة لتوحيد واختزال القدرة والخلق وسلطات التشريع والتنفيذ والقضاء في الله و وحدانيته. لذا لا حرية بلا ثورة على الله.

كما أنَّ كل الصراعات والحروب التي نشهدها في العالَم و من ضمنها عالَمنا العربي هي صراعات وحروب بإسم الله. بذلك بالثورة على الله نتحرّر من الفِتَن و الحروب ما يُحقِّق السلام الحقيقي. من هنا بالثورة على الله ينتصر السلام ما يُؤكِّد على أنَّ الثورة على الله تتضمن إيماناً أكبر بالله لأنه من المفترض أن يكون الله هو السلام ومصدره و إلا لم يكن إلهاً خيّراً ما يناقض ماهية الله. هكذا الكفرُ بالله إيمانٌ أكبر به والثورةُ على الله عبادةٌ أسمى له.

في عقيدة الإيمان التقليدي , الله خالق الكون بما هو عليه. وبذلك الله مصدر الأنظمة الديكتاتورية أو هو الذي سمح بوجودها من خلال عدم تدخله في إلغاء إمكانية وجودها. ولذلك , في المجتمعات المؤمنة بالله إيماناً تقليدياً , أية ثورة لتغيير النظام هي ثورة ضدّ الله ما يُحبِط النجاح الحقيقي لأية ثورة فعلية فيُحتِّم استبدال طاغية بآخر إن تمكّنت ثورة من الاستمرار وتحطيم هيمنة الطاغية الحالي. على هذا الأساس لا تنجح ثورة فعلياً سوى بالثورة على الله. فحين نثور على الله نتحرّر من كل حلال وحرام ومُقدَّس و مُدنَّس فيزول تحريم إسقاط الطغاة و أنظمتهم الحاكمة بإسم الله ومقدرته. من هنا فشلت ثورات العرب وتفشل لكونها ليست ثورات على أيديولوجية الله المُطابِقة لأيديولوجية الطغاة. ولذا لا تنجح ثوراتنا العربية سوى بالثورة على الله و ما يُمثِّل من اختزال للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في سلطة مطلقة واحدة مُوحَّدة.

الله مصدر اليقينيات لأنه لا يُخطِىء وبذلك ما يوحي به معارف يقينية غير قابلة للشك والمراجعة والاستبدال. لكن اليقينيات تسجننا بمضامينها لكونها لا تقبل المراجعة والاستبدال فتغتال أية إمكانية لإنتاج معتقدات وعقائد ومعارف جديدة فتقتل بذلك استمرارية البحث المعرفي والعلمي. من هنا الله كمصدر لليقينيات المطلقة قاتل العِلم والمعرفة لأنه لا يستقيم عِلم بلا استمرارية البحث ولا توجد معرفة بلا شك ومراجعة واستبدال لمعتقدات بأخرى. لذلك الثورة على الله ثورة علمية ومعرفية و هي ثورة على اليقينيات التي تُؤسِّس للمعتقدات التي لا تقبل الشك والمراجعة فتؤدي إلى وجود الطاغية ونظامه غير القابل للشك والاستبدال. فالأنظمة الديكتاتورية قائمة على اليقينيات فإن سيطرت المعتقدات اليقينية سيطرت الأنظمة الديكتاتورية بعقائدها اليقينية التي لا تسمح بوجود الآخر والمختلف لتعصبها لِما هو يقيني بالنسبة إليها. هكذا لا حرية بلا ثورة على الله تماماً كما لا يوجد عِلم ولا توجد معرفة بلا ثورة على الله. من هنا معرفة الله تقتضي (إن كانت ممكنة) الثورة على الله وبذلك بالثورة عليه إيمانٌ أسمى به.

الله مصدر الحلال والحرام. لكن الثورة الحقيقية ثورة على ثنائية الحلال والحرام و إلا لا تكون ثورة بالفعل بل مجرّد إعادة صياغة للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي على ما هو عليه. فالثورات الحقيقية ثورات تُحرِّم الحلال و تحلِّل الحرام فتُحرِّرنا من المُحرَّمات التي تسجن الشعوب كما تُحرِّرنا من اليقينيات التي تغتال عقولنا وسلوكياتنا. من هنا الثورة الحقيقية ثورة على الله لكونها تُحرِّم الحلال المُحدَّد سلفاً و تُحلِّل الحرام المُحدَّد مُسبَقاً ما يُحرِّرنا من العقائد والأيديولوجيات والسلوكيات الماضوية. فلا ثورة بلا تحرّر من سيطرة معتقدات وسلوكيات الماضي و إلا سوف نبقى سجناء الماضي بيقينياته المُخادِعة و فِتَنه و حروبه.

فكرة الله فكرة تأليه و بسيادة هذه الفكرة على عقولنا وسلوكنا نؤلِّه الطغاة و أنظمتهم الديكتاتورية ومنظوماتهم العقائدية والفكرية والسلوكية. لذلك لا حرية حقيقية بسيطرة فكرة التأليه كتأليه خالق فتأليه طاغية و أيديولوجيته. بالثورة على الله نُحرِّر الله من سجون يقينياتنا الكاذبة القائمة على تأليه الحاكم الله وتأليه الله الحاكم. فتحويل الله إلى طاغية و تحويل الطاغية إلى إله كفرٌ بالإنسان والله معاً. بذلك الثورة على الله إيمانٌ أعلى بالله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة