الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شاتوبريان

رحيم العراقي

2006 / 5 / 28
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


مؤلف كتاب شاتوبريان، هو الباحث الفرنسي الكبير مارك فومارولي عضو الاكاديمية الفرنسية، ومن اشهر كتبه السابقة نذكر: الخصومة بين القدماء والمحدثين «2000» وعندما كانت اوروبا تتكلم الفرنسية «2001».
وفي هذا الكتاب الجديد والضخم يتناول المؤلف سيرة احد كبار الادباء في تاريخ فرنسا: شاتوبريان، ومعلوم انه عاش بين قرنين هما الثامن عشر والتاسع عشر، وشهد بالتالي الثورة الفرنسية التي اندلعت عام 1789 والتي احترق بحر نارها معظم جيله فقد قتل اثناءها قسم كبير من ابناء عائلته عندما دخلت الثورة في مرحلتها الثانية،
اي ما يدعى بمرحلة الرعب والارهاب، ومن يريد ان يطلع على احداث تلك الفترة العصيبة من تاريخ فرنسا فليقرأ هذا الكتاب ففيه يتحدث المؤلف عن معظم الشخصيات التاريخية التي عاشت آنذاك وليس فقط عن شاتربويان، ولكنه يتحدث عنها من خلال علاقتها بشاتوبريان.
ونلاحظ ان الكتاب ينقسم الى اربعة اجزاء وكل جزء الى عدة فصول، فالجزء الاول مثلا يحمل العنوان التالي: قرن الثورات، وفيه يتحدث المؤلف عن الانوار والانوار المضادة، والمقصود بالاولى كتابات الفلاسفة من امثال ديدرو، وفولتير، ودولباك، ودالامبير، وروسو، وسواهم عديدين.
والمقصود بالثانية التيارات المحافظة المضادة للفلاسفة التنويريين وللثورة الفرنسية في آن معا، ثم يتحدث المؤلف عن علاقة شاتوبريان بوزير نابليون القوي والداهية تاليران، كما ويتحدث عن علاقة شاتوبريان بفكر روسو وكتاباته، وكيف انه كان معجبا جدا به في البداية ثم انقلب عليه بعدئذ.
واما الجزء الثاني من الكتاب فيحمل العنوان التالي: «الآن هي شخص آخر» وهنا يتحدث المؤلف عما يدعوه بشباب الشاعر وشيخوخة العالم، كما ويتحدث عن مرض العصر الذي اصاب الكثيرين من الادباء والشعراء، ويتحدث عن علاقة شاتوبريان بالشاعر الانجليزي الشهير: اللورد بايرون.
واما الجزء الثالث من الكتاب فيحمل العنوان التالي: بواكير المذكرات، المقصود مذكرات شاتوبريان.
هذا في حين ان الجزء الرابع من الكتاب مكرس للمعاصرين الاساسيين لشاتوبريان.
باختصار فان الكتاب مليء بالنوادر والاخبار والتحليلات الخصبة التي تزيد متعة قراءته وتجعل منه احد المراجع الاساسية في المكتبة الفرنسية، والواقع انهم اختاروه كأفضل كتاب لهذا العام عن الموضوع.
منذ البداية يقول البروفيسور مارك فومارولي ما معناه: ما سأقوله هنا سوف يدهش الناس كثيرا، سوف اقول بأن شاتوبريان الذي ولد عام 1768 ومات عام 1848 ما كان ليصبح الكاتب الشهير الذي نعرفه لولا احداث الرعب الاقصى التي حصلت اثناء الثورة الفرنسية.
وبالتالي رب ضارة نافعة وعلى اية حال فإن الاحداث المأساوية هي التي تصنع الرجال، فقد كان ضابطا في الجيش الملكي، وكان بإمكانه ان يعيش كل عمره في ظل النظام الملكي لو لم تحصل الثورة الفرنسية وتدمر كل شيء ولو ان ذلك لم يحصل لما اصبح شاتوبريان كاتبا كبيرا.
لقد شهد شاتوبريان اولى عمليات القتل باسم الحرية ثم هاجر الى لندن بين عامي 1793 ـ 1794 وعرف عندئذ معني الرعب الثوري والانعكاسات التي تنتج عنه، فقد كان منفيا، بلا موارد مادية، مريضا، محكوما عليه بالاعدام من قبل اللجان الثورية.
ثم راح يتابع اخبار الثورة يوما بعد يوم، وسمع بمقتل الملك لويس السادس عشر حيث تدحرجت رأسه تحت المقصلة، كما وسمع بمقتل الملكة ماري انطوانيت، ومقتل اخيه الاكبر وزوجته واخوانه، وعندئذ ولكي يواجه كل هذه المصائب والكوارث فانه قرر ان يعبر عن رحابة صدره، وعلى هذا النحو اصبح شاعرا، او كاتبا كبيرا دون ان يدري او دون ان يحلم بذلك من قبل.
وفي عام 1797 نشر شاتوبريان في لندن كتابه: المقالة التاريخية، والاخلاقية، والسياسية عن الثورات، وهو اول كتاب يشهد على مواهبه الادبية والشعرية والفلسفية، انه صادر من اعماق الذات.
ثم يضيف المؤلف قائلا: ولكن الرعب الارهابي الذي حصل بين عام 1792 ـ 1794 لم يكتف بالقضاء على الكثير من البشر او قطع رؤوسهم تحت المقصلة وانما وضع حدا للتفاؤل الاخلاقي والتاريخي للأنوار الفرنسية، فمن المعلوم ان فلاسفة التنوير الذي سبقوا الثورة الفرنسية مباشرة ومهدوا لها الطريق كانوا يتوقعون انتصار العقل والعلم والنظام بعد سقوط العهد الملكي القديم، وكانوا متفائلين بمستقبل الجنس البشري بعد انهيار الاصولية المسيحية والتعصب الديني.
ولكن ما كانوا يتوقعون ان يستخدم تلامذتهم من الثوار الفرنسيين اساليب الارهاب باسم العقل! ما كانوا يتوقعون ان تؤدي الثورة التي قامت باسم الانوار الى كل هذه المجازر، وهنا حصلت مشكلة رهيبة هنا حصل تناقض يصعب حله، فهل يمكن للعقل ان يؤدي الى التعصب والقتل الجنوني؟ وهل ارتدت الانوار على نفسها وادت الى عكسها؟
هذا هو السؤال الذي طرحه شاتوبريان على نفسه، ولكنه لم يكن الوحيد.
ثم ينتقل المؤلف بعدئذ للتحدث عن علاقة شاتوبريان بجان جاك روسو ويقول بما معناه: لقد قرأ شاتوبريان روسو منذ بداية شبابه واعتبره استاذه ومعلمه وظل يفكر فيه وفي افكاره عن الحياة والسياسة والتربية والدين طيلة حياته كلها، وقال مرة: ان كتب روسو هي التي شكلت وعيي وجعلت مني ما أنا عليه الان،
والواقع انه فهم الفكرة الاساسية لروسو اكثر من اي شخص اخر، فروسو كان يعتقد بأنه يوجد تناقض مطلق بين انسان الطبيعة وانسان المجتمع الفاسد المليء بالنفاق والتصنع والازدواجية، لقد فقد الانسان براءته وصدقه بعد ان دخل الحياة الاجتماعية، واضطر الى الكذب والمساومة رغما عنه.
أضاف الى ذلك ان شاتوبريان تعلم من روسو معنى الحياة، وحبها، ومعنى المساواة والعدالة، وتعاطفه مع كل اولئك الذين يتألمون ويتعذبون، كل هذا تعلمه منه واكثر.
فقد علمه روسو ايضا معنى الكتابة المولهة والرومانطيقية، معنى الاسلوب الرائع في الكتابة، وقد اعتمد على روسو لمحاربة فلاسفة التنوير المضادين للمسيحية.
نقول ذلك ونحن نعلم ان روسو «اعاد للعاطفة الدينية السامية صفاءها وعظمتها وعمقها على الرغم من ان كل الاصوليين المسيحيين تألبوا عليه وضايقوه.
لقد كان روسو رسول الديمقراطية الطبيعية، وقد حارب كل تقدم مادي لايرافقه تقدم روحي او اخلاقي، وهنا تكمن عظمته وفرادته بالقياس الى فلاسفة التنوير الاخرين كفولتير وديدرو، وجماعة الموسوعيين بشكل عام.
لقد استبق روسو على انحرافات الحداثة، والتنوير قبل ان تحصل هذه الانحرافات بزمن طويل، لقد انتقد الحداثة قبل ان تتشكل وتنتظر كنظام سياسي وفكري باختصار: لقد رأى الى البعيد البعيد.
واعتقد شاتوبريان بأن روسو ليس مسئولا عن فترة الرعب التي سقطت فيها الثورة الفرنسية التي كانت وليدة افكاره بشكل ما، فروسو حنون وعطوف ولا يمكن ان تنتج عن فكره شهوة القتل والذبح.
من المعلوم ان فلاسفة التنوير كانوا يحلمون بتدمير العالم السابق، وانشاء عالم جديد على انقاضه، وهذا الحلم الذي دمر كل العقائد هو الذي ادى الى الارهاب والرعب الثوري في رأي شاتوبريان وللأسف فان جان جاك روسو ليس بعيدا عن هذا الحلم، ولهذا السبب فان شاتوبريان تخلى عن روسو المفكر وبقي متعلقا فقط بروسو الاديب او الشاعر، فروسو في رأيه خلق لغة جديدة في عز القرن الثامن عشر، لغة ما كانت معروفة من قبل، لغة تذهب الى اعماق القلب وتهز الانسان في عمق كينونته هزا.
ربما لم يحب احد روسو مثلما احبه هو لدرين، ربما لم يفهمه احد مثلما فهمه، ولكن تحت هذا العنوان الشعري الرائع «شباب الشاعر وشيخوخة العالم يكتب البروفيسور مارك فومارولي قائلا: قبل ميلفيل ورامبو وكونراد كان شاتوبريان قد اعاد أيام الشباب في «مذكرات ما وراء القبر» والواقع ان ربيع الحياة البشرية، وفصول الحب، كانت دائما لها شعراؤها.
ثم يكرس المؤلف فصلا رائعا ايضا لموضوع: مرض العصر، ولكل عصر مشكلته، او مرضه، او علته، يقول المؤلف في فقرة بعنوان: في قلب الظلمات، لقد تفاقم الصراع بين القدماء والمحدثين في القرن الثامن عشر في فرنسا، وهو صراع موروث عن القرن السابع عشر، واندلعت المعارك بين الكهنة المسيحيين وبين الفلاسفة، واستخدمت فيها كل الاسلحة من خفيفة او ثقيلة، وكان الفلاسفة يتهمون الكنهة بالتعصب والاصولية الجامدة والظلامية، وكان الكهنة يتهمون الفلاسفة بالالحاد والكفر والنزعة المادية.
وحدة جان جاك روسو كان ضد الطرفين بعد ان شق طريقا ثالثا قادرا على المصالحة بين الايمان والعقل، او بين القلب والعقل، ولذلك اعجب به شاتوبريان على الرغم من اختلافه معه فيما بعد.
والواقع ان روسو هو الذي استطاع ان يتنبأ بما سيحصل من احداث لاحقا، لقد عرف بأن الثورة سوف تحصل عما قريب في فرنسا، وكتب عن ذلك قبل حصوله بعشرين سنة، كان روسو يتمتع بحدس خلاق، برادار داخلي يجعله يرى ما لايرى بالعين المجردة، وهذه هي سمة المفكرين الكبار في التاريخ.
ولذلك فان شاتوبريان راح يبجله في كتابه الاول عن الثورات وراح يرى فيه هيراقليط المحدثين او حتى افلاطون وبالاضافة الى عبقريته الفكرية كان روسو يتمتع بموهبة خارقة في الكتابة وبأسلوب لا يضاهى ولا يمكن ان تنجو من جاذبيته او تأثيره مهما فعلت، وبما ان شاتوبريان كان يريد ان يصبح كاتبا لكي يعبر عن مآسيه وآلامه فانه لم يجد رفيقا افضل من جان جاك روسو، ولهذا السبب فانه يستشهد به بلا انقطاع تقريبا في كتابه عن الثورات، وهو الكتاب الذي الفه وعمره ثلاثون عاما فقط.
وقد كان يعرف كل كتبه حرفا حرفا واحيانا عن ظهر قلب، واذا كان قد تنكر له فيما بعد كمفكر سياسي فانه ظل مخلصا له كأديب وفنان.
ثم يردف المؤلف قائلا مهما كانت الزلزلة التي احدثها نيتشه في اواخر القرن التاسع عشر ضخمة فلا يمكن ان نقارنها بالزلزلة التي احدثها روسو قبل قرن من ذلك التاريخ ففكر نيتشه لم يصل الا الى النخبة العالمية، اما فكر روسو فقد وصل الى اعماق الشعب.
لكن متى قرأ شاتوبريان كتب روسو لاول مرة؟ على هذا السؤال يجيب المؤلف قائلا: بين عامي 1784 ـ 1785 عندما كان عمره ستة عشر عاما وبعد موت روسو بست سنوات فقط، ومعلوم ان اعترافات روسو التي ظهرت بعد مماته عام 1781 و 1789 اصبحت كالانجيل بالنسبة لجيل شاتوبريان فقد راحوا جميعهم يلتهمونها التهاما، لقد كانت رائعة الاداب الفرنسية في تلك الفترة.
ويمكن القول بأن شاتوبريان قلده عندما كتب مذكراته هو الاخر تحت عنوان: مذكرات ما وراء القبر! وهي اشهر كتاب له ولا تقل عن اعترافات روسو روعة في بعض الاحيان.
واخيرا فان مارك فومارولي يقول بما معناه: ان كتابي هذا ليس عبارة عن قصة حياة شاتوبريان، فهناك آخرون قبلي ممن كتبوا سيرة حياته بشكل ممتاز، وانما هو عبارة عن تحليل لكتابة الشهير «مذكرات ما وراء القبر» والظروف التاريخية التي عاش فيها وكتب هذا الكتاب.
والواقع ان شاتوبريان بلغ الشهرة وهو في الرابعة والثلاثين عندما ألف كتابه «عبقرية المسيحية» عام 1802 فقد اوصله هذا الكتاب الى المجد مثلما وصل اليه فولتير وروسو في القرن الماضي عندما كتب: قرن لويس الرابع عشر بالنسبة للاول، او خطاب عن العلوم والفنون وهيلويز الجديدة بالنسبة للثاني.
وقد اتيح لشاتوبريان ان يتعرف على نابليون وهو في اوج صعوده ومجده، وكان مقربا منه في البداية ثم غضب عليه الامبراطور وأبعده.
وعندئذ التجأ الى منطقة خارج باريس تدعى «شاتني مالبري» وفي منطقة رائعة الجمال تدعى «وادي الذئاب» راح يعيش متوحدا بعد ان غضبت عليه السلطة، ولكن هذا الغضب لم يكن كله سلبيا فقد أتاح له ان يكتب كثيرا، ولايزال بيته هناك محجة للزائرين بعد ان تحول الى متحف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ..هل يستجيب نتنياهو لدعوة غانتس تحديد رؤية واضحة للحرب و


.. وزارة الدفاع الروسية: الجيش يواصل تقدمه ويسيطر على بلدة ستار




.. -الناس جعانة-.. وسط الدمار وتحت وابل القصف.. فلسطيني يصنع ال


.. لقاء أميركي إيراني غير مباشر لتجنب التصعيد.. فهل يمكن إقناع




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - نحو 40 شهيدا في قصف إسرائيلي على غ