الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق ذهنية المحاصصة

مالوم ابو رغيف

2019 / 12 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كما يبدو من مجريات الوضع السياسي في العراق، اكان في بغداد او في بقية المحافظات، ان العملية السياسية وكذلك عملية الاحتجاج الجماهيرية ، كلاهما في مأزق يصعب الخروج منه.
وعندما نتحدث عن العملية السياسية، فنحن لا نقصد بها فقط العملية المتمثلة في سيطرة الاحزاب على السلطة وفق نسب المحاصصة طائفية وقومية او وفق التوافقات الحزبيية-الطائفية-القومية في توزيع مناصب الدولة العليا، بل نعني بها ايضا ذهنية الناس العامة، على اختلاف انتماءاتهم، فهي على ما يبدو لا تستطيع تخطي هذا التقسيم.
فخلال 16 سنة من الحكم وفق اسلوب المحاصصة نمت وقوت ثقافة طائفية شعبية اجتماعية عامة، ثقافة تعتمد على الانتماءات الدينية والطائفية والقومية كمعايير لمقاييس الرفض والقبول ومنح او حجب الثقة.
وفق هذه الذهنية اشترك الناس بالانتخابات ووفقها اعطوا اصواتهم ووفقها ايضا يعربون عن ارآئهم في مختلف وسائل السويشل ميديا.
حتى في هذه التي في اولها كانت انتفاضة ثم تحولت الى مظاهرات احتجاجية، كان ثقافة المحاصصة ماثلة في اذهان المتظاهرين رغم رفضهم لها، ذلك ان الناس غالبا ما تستمد ارائها من الواقع المعاش وتستند عليه في تصوراتها المستقبلية واعطاء احكامها، فالترشيح لمنصب رئيس الوزراء لم يخرج عن اطار ثقافة المحاصصة، وبقي الامر محصورا في حدود الانتماء الطائفي الشيعي حتى عند المتظاهرين بينما في لبنان لم يتجاوز حدود الطائفة السنية.
ان المشكلة الاساسية التي خلقتها العملية السياسية هي ذهنية المحاصصة والتي لا يمكن القضاء عليها دون تبني علمانية الدولة، ليس فقط بعزل الدين عن السياسة انما بعلمنة الحياة، اي علمنة العلاقات الاجتماعية بين الناس وتهديم الحواجز الطائفية التي بنتها المؤسسات الدينية والسياسية خلال سنين طويلة من الحكم الطائفي الفاسد وكذلك علمنة المؤسسات التربوية والثقافية والاجتماعية. اذ لا يمكن ان تكون الدولة ناجحة او مستقرة اذا كان الناس تسير حياتها وارتباطاتها وفق مقتضيات ومتطلبات الدين، ان ذلك يخلق تناقضا يجد تعبيرا عنه في اعتقاد الناس بان الدين هو الحل لمشكلة العدالة الاجتماعية عندما تفشل الاحزاب السياسية لفسادها او لاي لسبب او اخر في تنفيذ برامجها الانتخابية المعلنة كما حدث في مصر، حيث روج الاخوان المسلمون الا ان الفشل في ادارة الدولة كان لابتعاد الدولة عن الدين وان الاسلام هو الحل.
في لبنان مثلا، الدولة علمانية ولا دين رسمي لها، لكن النظام طائفي، اي انه مثل النظام في العراق قائم على تقسيم الشعب الى مكونات طائفية تختار نوابها وفق ذهنية المحاصصة المتجذرة في ميول الانتماء الطائفي. ان هذا التقسيم يحمل في بواطنه خطر الحرب الاهلية عند حدوث ازمات سياسية او نزاعات طائفية-سياسية كما حدث في لبنان او في العراق، واذا ما حدثت الحرب الاهلية فان المستفيد الوحيد منها هم السياسيون الطائفيون اللذين سينظر اليهم بانهم الممثلون الحقيقيون لمصلحة طوائفهم كما سيعلو دور رجال الدين ويصبحون نجوما مشهورين تفوق نجوميتهم نجومية مشاهير السينما. ان ذلك يعني ان علمانية الدولة لا تعني شيئا اذا ما كانت القاعدة الشعبية تنقسم وفق ما يسمى بالمكونات، اذ ان تقسيم الشعب الى مكونات لا يعني سوى تأسيسا للطائفية.
ان تعبير دولة المواطنة التي يرفع شعارها المتظاهرون يفقد معناه اذا بقيت الدولة تسير شؤونها وفق متطلبات الدين وترفض ما يتناقض معه كما ينص الدستور العراقي الذي يجب تغيير كثير من بندوه بما يسنجم ومتطلبات علمانية الدولة حيث الانتماء الوحيد يكون للدولة بصفتها الممثل الوحيد لكافة الناس وعندها فقط ستذوي الانتماءات الاخرى وتغدو مجرد ميول شخصية ليس لها ما يسندها قانونيا الا بما يضمن الحقوق في حرية الاعتقاد بما لا يمس حرية الاخرين.
ان المأزق الكبير الذي يجد العراقيون انفسهم فيهم، هي انهم، ولحد هذه اللحظة لم يتحرروا من ارهاصات الدين ولا من انتماءاتهم المذهبية، فليست الاحزاب السياسية وحدها التي تسمع بانتباه الى خطاب يوم الجمعة الديني وتترجى من مرجعية النجف الدينية الدعم والمساندة، انما ايضا يتابع المتظاهرن ما تقوله وما تصرح به ، وغالبا ما يُذكرون اسم المرجعية الدينية في الاحاديث التلفزيونية والصحفية او عند استطلاع اراء الناس.
هذا يعني ان الطائفية السياسية موجودة في الذهنية الشعبية، فالانتماء الديني هو بحد ذاته انتماء طائفي ايضا، وعندما نشارك الاراء والفتاوى الدينية في السياسة فاننا عندها نشرك الدين بالسياسة.
وكما يبدو، بعد استقالة عبد المهدي من رئاسة الوزراء، ان المتظاهرين ليس لهم تصورا واضحا عن شكل الدولة التي يريدونها، فهم لا يريدون اكثر من انتخابات مبكرة سيضع برلمان المحاصصة نظامها الانتخابي ويعين المفوضية الانتخابية لها. لكن ذلك لن يغير شيئا، اذ ان فكرة دولة المكونات ستبقى كما هي، قاعدة الطائفية والانتماءات المذهبية، كما ان ليس من السهل التغلب على احزاب الاسلامي السياسي المدعومة دينيا وماليا واقليميا والمتمرسة في الخداع والتزوير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السهل الممتنع
بارباروسا آكيم ( 2019 / 12 / 22 - 19:42 )
في الحقيقة أخي العزيز

أنا سبق أن قلت بأن الحل في العراق سهل و صعب في آن واحد

أخي العزيز هذه جمهورية ألمانيا الإتحادية
و هذه جمهورية سويسرا الفيدرالية

أي نموذج يعجبكم أنتم المثقفين
سنقوم على الفور بترجمة دساتيرهم
و تقومون أنتم هنا في الحوار كتاب و مثقفين بتوجيه دعوة للسياسيين العراقيين بالأطلاع على هذه الدساتير و ارسال خبراء من هاتين الدولتين لتعليمنا طريقة إدارة الدولة

و من وجهة نظري هذان النموذجين هما الأفضل
و كان الله يحب المحسنين

تحياتي و تقديري


2 - تأثير العقل الجمعى
كامل حرب ( 2019 / 12 / 23 - 05:04 )
الاستاذ المحترم مالوم ابو رغيف , من المؤكد ان مايحدث فى العراق شئ يبعث على الاسى والحزن , هذه اكيد مشكله ثقافه المجتمع والعقل الجمعى العروبى , يوجد خلل فى عقول البشر فى هذه المنطقه الموبؤه , دعنى اقول مايدعم فكرتى , فى اربعينات وخمسينات القرن الماضى كانت مصر دوله تحت الحكم الملكى , كانت علمانيه وبها برلمان مدنى وصحف معارضه ودستور والناس كانوا يمارسوا حياتهم السياسيه بشكل طبيعى وكانت مصر مركز اشعاع ثقافى وفكرى وفنى لكل دول المنطقه , لم يستمر الحال مع الاسف فقد قامت عصابه من صغار الضباط الرعاع والذين كانوا ينتمون الى فيصل الاخوان الاجرامى بقلب نظام الحكم على الملك , حدثت الطامه الكبرى وكارثه مروعه لحال مصر , فى خلال السبعين عام الاخيره تغير الحال فى مصر الى الاسوا والدرك الاسفل فى كل شئ , لقد تغيرت الخريطه الثقافيه والفكريه والسياسيه والاقتصاديه تماما من جراء حكم الجهله الاوغاد الرعاع , من الممكن جدا ان تتغير طريقه الفكر بحكم القائمين الفاسدين على الحكم


3 - الزميل العزيز بارباروسا آكيم مع التحية
مالوم ابو رغيف ( 2019 / 12 / 23 - 13:23 )
بارباروسا آكيم
تحياتي صديقي العزيز وشكرا لك على الاقتراحات بترجمة دستوري المانيا وسويسرا الى العربية
ليطلع الناس على الدساتير العالمية للدول الديمقراطية المتقدمة في مجال العيش المشترك واحترام حقوق الانسان واحترام كرامته.ـ
المشكلة الاساسية في العراق هي عدم احترام الطبقة السياسية الناشئة للانسان واهماله كما تهمل القطط السائبة، يمرض، يعرى، يجوع، يتشرد، يعطش، يُعذب او يموت لايهم، المهم عندهم كما قال وكيل السيستاني في احد خطب الجمعة بان سيرتاح بالجنة اذا دخلها بالطبع.ـ
هذه الطبقة الناشئة التي ولدت في مخاضات جهود تكوين دولة تحت الوصاية الامريكية، اعتمدت على عاملين اثنين في تثبيت سيطرتها وتقوية مراكز نفوذها هما
سياسية التجهيل وذلك باثارة الاحقاد الطائفية واحياء الصراعات التاريخية
والحرمنة والتهريب وتشجيع الفساد
فانتشر الدين بشكله الببغاوي واصبح هو ثقافة المجتمع
وانتشر الفساد وسقطت القيم
ان المهمة الحالية هي ابعاد هذه الطبقة السياسية واسقاطها وانهاء نفوذها


4 - الصديق العزيز كامل حرب مع التحية
مالوم ابو رغيف ( 2019 / 12 / 23 - 13:35 )
كامل حرب
تحياتي صديقي العزيز
بالنسبة للعراق، فقد كانت ايضا تحكمنا ملكية مستوردة من اصل سعودي، لكن هذه الشريحة الملكية ليست مثل ملوك مصر، انها فئة ملوكية مرتبطة بالتراث البدوي المبني على المشيخة وتقسيم الناس الى طبقات لا يختلف عن التقسيم الهندي للطبقات او ما يعرف بـ الـ
Cast
طبقة عليا تسيطرة على كل شيء على المال والسلطة
وطبقة ثرية او متوسطة تستحق الاهتمام والرعاية والاحترام
وطبقة مهملة، امية، تعيش في الارياف وعلى اطراف المدن وتموت حتى من الزكام وتموت الاطفال في الحصبة او من سوء التغذية.ـ
ما حدث في العراق ان ثورة 14 تموز قلبت الموازين، فازالت الطبقة المسيطرة وابقت على الاهتمام بالطبقة المتوسطة ورفعت من شان الطبقة المهملة وبنت لهم المدارس والمستشفيات ووزعت عليهم الاراضي الزراعية والبيوت السكنية واشاعت ثقافة علمانية وحررت المرأة من سيطرة الرجل واعترفت بحقوقها وشرعت قانون الاسرة التقدمي.ـ
لكن الطبقة الدينية والقوميين ومنهم جمال عبد الناس وكذلك امراء الخليج تأمروا على عبد الكريم واسسوا لثقافة الاهمال مرة اخرى.ـ
تحياتي

اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ