الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظم الحاكمة والتعامل مع الآخر

فوزي نصر

2006 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


الآخر هو أنا ، وأنا هو الآخر متى سادت نظرية كل إنسان له رأيه وله حقه في إبداء هذا الرأي ، والتعبير عنه ومتى انتهت الأنا الفوقية من قاموس الواقع ، ومفردات اللغة وأصبحت لغة الإحترام ، إحترام الإنسان لنفسه وللغير هي السائدة ، واحترام النظم الحاكمة لآراء الآخرين والمنتقدين يمكن أن نتجاوز الحال الذي نحن فيه إلى حال أحسن ونصل إلى أدبيات التعامل وبداية طريق النهوض 0
فالآخر ليس شخصا فحسب بل رأيا قد يحمل النور والأمل ، وقد يكون مخطئا ، ولكن هذا الرأي يجب أن يطرح على ساحة الحوار ولا يحق لنا تسفيهه ، أو قمعه أو إعتقال هذا الرأي وخنقه في مصدره ، من خلال الرؤية الأمنية ، وإن نظرية الهيمنة على الآخر تجعل الوطن يفقد إحدى مقومات الديموقراطية ، ومحورا هاما من محاور التقدم 00 وكلمة حرة 00 ورؤية مستنيرة لأن العالم لا يمكن أن يسير بنظام واحد وكذلك الدولة لا يمكن لها أن تصنع نظاما وتحرم الآخرين من المشاركة حتى في إبداء آرائهم 0 وإن جميع عربات الدول لا تسير بعجلة واحدة 0
إن رفض الاعتراف بالآخر وإزالته من الوجود وخنقه أو التعتيم عليه يعتبر تفكيرا مريضا أفرزته سنوات الاستبداد العجاف وغياب الديمقراطية وفرضته نظم الحكم القمعية التي لا تمجد سوى ذاتها ، ولا تسمح بالوجود والحياة إلا لنفسها ، فأنتجت نظرية الإقصاء والتهميش وخاصة للمثقفين والعلماء ، مما أفقد الوطن خيرة أبنائه والفئة الواعية منها والفكر المتحرر ، والعقل المتطور النير ، والثقافة المبدعة وغّيب عنه سلوك طريق الحضارة والبناء 0
جميع الأوطان تضم شرائح مختلفة ، وثقافات متنوعة ، وأفكار وقيم وأراء متباينة ، وليس كل الناس لهم نفس التفكير وذات الرأي 0 الذين يحملون أفكارا ورؤى تتجسد ضمن ثقافة واعية وعبر آليات خدمة الوطن ، لكنهم لا يتفقون مع نظام السلطة ، ولا مع الفريق الحاكم ، أو لديهم نظريات إجتماعية أو إقتصادية أو سياسية يقدمونها لخدمة الوطن هؤلاء ليسوا غرباء عن الوطن وليس للنظم تغريبهم ، بل مواطنون يحملون هموم الوطن ويبتغون رفع شأنه وإعلاء كلمته ويهتمون بالشأن العام مثل غيرهم 0
نحن في زمن المعلومات والثورة المعرفية ، وبنوك العلم والمعرفة ، فإن لم نحافظ على العقول النيرة والخبرات المميزة ، والأفكار المتطورة حتى ولو كانت هذه العقول تخالف رأينا فلا بد لنا من الوقوع في مستنقع الجمود والبقاء في رواسب الجهل وقاع التخلف 0
الحوار الهادئ ، والمرونة الفكرية ، وتعميق تعددية الآراء يقودنا الى طريق الحضارة والتقدم ، بينما الإقصاء والتهميش للفرد والمواطن وللرأي ، يقصي عن مجتمعاتنا المعرفة وسلوك طريق العلم 0 والأدهى من ذلك ما تمارسه الأنظمة الفردية والديكتاتورية من ممارسة عملية الإستئصال ، وإقتلاع أصحاب الرأي المخالف وخنق أفكارهم وآرائهم حيث تمارس بكل رد فعل وبأسلوب لا يعرف للحضارة سبيلا 0 إن سلوك طريق التهميش وشل التفكير الصحيح وإبعاد الناس عن استلهام دروسها في عملية البناء سيبقى على التخلف ويقضي على حاضر الأمة ومستقبلها 0
ليس الحل هو سلوك طريق الإقصاء ولا الإستئصال ، بل الحل هو النظر إلى شعوب العالم كيف تعامل مثقفيها وكيف تحاور مواطنيها 0 وكيف تقيم مؤسسات المجتمع المدني التي تنظم المجتمع ومن خلالها يصبح النظام دولة مؤسسات وليس دولة قهر واستبداد 0
إن مبدأ الإختلاف هو أمر لا بد منه فالاختلاف هو الوسيلة لمنح السمة المميزة والهوية الخاصة بكل فرد وإذا كانت الدول القوية تصنع الآخر من أجل فرض نظريتها ، والعمل على تجدد وجودها ، والقول بأنها دول تحترم التعددية ، والإشارة بأنها موجودة طالما أن الآخر موجود لكنها تفرض شروطها وهيمنتها ، وقد أعطت المجال للفكر بأن يبحث عن التعددية ، ويدافع عن الإنتماء والهوية 0لكن ليس له الحق بالبحث عن مبادئ الديموقراطية ، ولا المطالبة بالتعددية أو المشاركة في إتخاذ القرار، لقد أصبحنا محاصرين سواء من القوى الكبرى أو من النظم الحاكمة التي تضيق الخناق على مبادئ التعددية والإختلاف 0
وإذا كان مفهوم الآخر جاء مرتبطا بوجود الحرية ، حرية الفكر والتعبير ، حيث لا وجود له إلا من خلال افكاره ورؤاه ، وفي حال فرض نظرية القمع على هذا الآخر يعني إلغاء الحرية والتعددية ، وسيطرة العنف ومبدأ القمع الإستبدادي 0 واللجوء إلى عملية الإستئصال ، أو العقل الإتهامي التي تنزل بالوطن إلى المنحدر وتلحق به أشد الضرر ، وأفدح الخسارة 0
ولنا عبرة ومثل واضح في بلدنا سورية استلم السيد فارس الخوري رئيسا لمجلس الوزراء ولم يعترض عليه أحد بل العكس كان غيورا على مصالح سوريا ومدافعا عنيدا عن العرب والإسلام 0 وكان استلامه لعدة مناصب مثار أقوال في الغرب بأن سوريا قد وصلت مراحل النضج 0
فهل بعد هذا نعود للتقهقر ، وخلق التوترات بسبب آراء مثقفينا ومفكرينا ، علما بأن جميع دول العالم لا تحاسب على الأفكار ولا على الآراء الثقافية والعلمية 0 بل على العكس تشجع كافة الأفكار لتستخلص منها ما يكون للصالح العام دون عداء أو استهزاء 0
إن تكريس ثقافة الرأي الواحد ما هو إلا تكريس لثقافة الهزيمة ، كفانا هزائم وانكسارات ، كفانا غياب عن مسرح الحضارات ، وإن الهزيمة تنبعث رائحتها من النظم الشمولية لأن الفكر الواحد مهما كان محكوم عليه بالوقوف والتجمد ، إن لم يخضع لمنطق الحوار 0
لذا يمكن لنا أن نقول :
دعوا كل الزهور تتفتح لإن لكل منها عطر ورائحة ، لا تخنقوا أي زهرة في البستان فهي إن لم تعط رائحة فإنها سوف تزيد بتنوع الألوان 0 وإقتلاع أي زهرة يبقى أثر التراب حزينا يندب مكان وجودها حتى أمد طويل 0 لذلك فإن من مساوئ سيطرة الرأي الواحد بالقوة على جميع الآراء بأنها تطفئ أنوار الإبداع ، وتوقف عجلة التقدم . وتجمد تفاعل الأمة مع الحضارة ، فالأمم لا يمكن أن تتلاءم مع عصرها إلا إذا تفاعلت مع حضارته وهذا لا يحدث إلا إذا سمح لمختلف الآراء بأن تملأ الساحة الفكرية، وأن يكون الحوار هو الوسيلة التي نتوصل بواسطتها إلى المعارف والحقائق . لا يمكن أن نتقدم إلا إذا توافر لنا هذان الأمران : ـ أحدهما الانفتاح على مختلف الآراء فلا يسيطر رأي واحد على كل الآراء. ـ والثاني عدم الهيمنة والتسلط وإستئصال الرأي الآخر ومنعه من إبداء وجهة نظره والمشاركة في إدارة مؤسسات وطنه
وهناك أمر ثالث نشير إليه توفر المناخ المناسب لتوالد الأفكار ضمن فضاء الديموقراطية ، وحرية الكلمة والتعبير وقوة أي بلد في منعة حصونه الثقافية ، وليس في قلاعه العسكرية 0
وما أظن أن أحدا يجادل في أن القوة هي التي تتحكم في مسيرة حياتنا السياسية والاجتماعية، وأرجو ألا أكون مخطئا إذا اعتقدت بأن تغيرنا إلى الأفضل لا يحدث إلا إذا فسحنا المجال أولا لمختلف الآراء ، ورفدنا ذلك بفسح المجال أيضا لمختلف العلماء والباحثين بحيث يستطيعون تطبيق ما اكتسبوه من علم في مختلف الجامعات ضمن المساحات الواسعة للإختلاف والمناظرة في جميع القضايا ومنها في قضيا الشأن العام 0 ومن الجدير بالذكر القول بأن هناك تبعية سياسية تؤدي إلى سيطرة البعض على المراكز الحساسة ، وهذه تقود إلى تبعية إقتصادية وإجتماعية تتعلق بمصالح بعض المواطنين الذين يضطرون للموافقة على آراء أصحاب النفوذ حتى لا يخسروا مراكزهم أو مكان عملهم 0 وقد تضطر بعض الفئات إلى شراء بعض الآراء والمفكرين الذين تلحقهم بها للدفاع عنها ، وبذلك نكون قد عملنا على إيقاظ ظاهرة الفساد وتغذيته ونشر اوباء الإستبداد في عالمنا ، وإن أخطر أنواع الأمراض هي التي تصيب الوعي والمعرفة ، ثم تستبيح العقل الإنساني برمته ونظمنا التي نتوخى أن تبقى نظيفة من أي وباء وعالمة بإن محاربة الرأي الآخر هي تشجيع لقوى الفساد وعمل لكسر مبدأ التقدم ، واعتقال للرأي والفكر وطرح نظرية العداء مع الفئات المتنورة والرأي الآخر وبالتالي الدخول في العداء مع الذات 0
أليست نظمنا وجميع العرب نمثل الآخر بالنسبة للولايات المتحدة ، ولنا الحق بالحوار معها على قاعدة الإعتراف بحرية الرأي والديموقراطية ، طالما تزعم بأنها رائدة الديموقراطية ، وسوف تطبقها في العالم ؛ أليس لنا الحق بطرح رؤيتنا وأفكارنا ومناقشتها لكن عندما ندخل سوق السياسة والمصالح تضرب كل القوى الكبرى الرأي الآخر وتمتطي ظهور الدبابات لتحقيق أهدافها وفرض الهيمنة وإسكات جميع الأصوات التي تغرد من أجل الحرية وحقوق المواطن 0 كم نشعر بالظلم حينما تنتهك كل القيم ، وكم نشعر بالضعف حين نراها تكسر أجنحة الوطن وتهشم أضلاعه ( فهذا العراق ـ وهذا السودان ، وهذه سوريا ) وهذا العالم العربي والإسلامي تسعى لتركيعه 0 ولقد قال سمير أمين : " إن الولايات المتحدة تريد ديموقراطية بلا ديموقراطيين 0 كما ان ما تسعى اليه اميركا هو ديموقراطية سياسية من دون تقدم اجتماعي "0 إننا نشعر بالضعف لأننا نفتقر إلى أهم مقومات قوتنا ، فلندع الخارج ونتطلع إلى الداخل لنرى أن قوتنا تكمن في حريتنا ، ومنع إحتكار الرأي وخنق الفكر ومصادرة حقوق المواطنة والديموقراطية 0فدعم الرأي الآخر يمهد لصعود القوى الفكرية إلى منصة الحوار ، ومن خلال ذلك نصل إلى المجتمع الذي ننشده 0أين القمم العربية وأجتماعات الجامعة العربية وميثاق التضامن والدفاع المشترك وو00 الخ ، أليست كلها كلمات في مفردات وأدبيات الضعف والتخاذل 0 إن لغة العالم تتطور وليست نفسها لكن لغتنا وفهمنا للأمور لم يتغير بعد ولم يصل إلى ما تريده الشعوب 0 ولقد ظل الاستبداد والتسلط وانتهاكات حقوق الانسان سمة بارزة من سمات الأنظمة العربية مهما اختلفت اشكالها ومسمياتها، وظلت الدول العربية مقاومة لأي تحول ديموقراطي حداثي ، وممسكة بخناق الحرية والرأي والفكر الحر لأن آلية عمل الأنظمة لا تحتمل الإنفتاح أوالتغيير وتصر على الإمساك بجميع مفاصل الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية 0 الأمر الذي أشاع التخلف وإبقاء حالة الضعف والتدهور وإجهاض عملية التحول الديموقراطي 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟