الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتحار قبل فوات أوان السقوط الحر المتسارع

باسل سليم

2006 / 5 / 28
كتابات ساخرة


سأطلق النار على رأسي ، وتمر الرصاصة الطائشة من بين عظام جمجمتي ممزقة المادة الهشة في دماغي ، لن أسمع بالطبع صوت الطلقة، ربما سأحس بحرارة النار في صدغي ، سيدوي في رأسي صوت انشطار جمجمتي ، وربما سأسمع صوت ارتطام العظم والدم ونثار الدماغ على الحائط اذا ما تبقى لي قليلا من حاسة السمع ، ربما سأسمع سقوط جسدي على الأرض ، لا أعرف إن كنت سأطلق النار على نفسي واقفا أم جالسا على مكتبي ، يعتمد ذلك على الموقف: فإن كنت وزيرا فاسدا ومستقيلا لا أستطيع عندها اطلاق النار وقوفا ، سأقوم بذلك جالسا على مكتبي إجلالا للكرسي الذي خدمته ونكاية بالخدم الذين سينظفون المكتب والحائط من الدم والنثار...

سأقفز من فوق عمارة البرج، سأتردد قليلا ، سأنظر إلى المارة بحجم النمل وإلى السيارات التي بحجم الذباب ، سأستخف بعمان كاملة ، سأنظر إلى شوارع أراها لأول مرة من ذلك العلو الشاهق وسأتحسر قليلا على الشوارع التي لم تتح لي فرصة عبورها، سأنظر إلى الاشارات الضوئية من بعيد وأرمق بائع الجرائد بنظرة تحسر على همومه القزمة ...ثم ماذا ، سأخطو على عتبة السور ، هل يوجد سور اعلى عمارة البرج ؟ ستعيقني الريح قليلا وتدفعني إلى الخلف ، سيختل توازني ، كنت أحتاج لدقيقة تأمل أخرى لحياتي المهدورة ، لكن الريح الخبيثة تدفعني في اللحظة التي لم أرد القفز فيها ، ستمر لحظة صغيرة قبل أن ادرك المفاجئة ، ثم سأتسارع في الهبوط لأدرك أن الرجوع مستحيل ، يا إلهي ، سأحاول استنشاق أكبر قدر من الهواء ، سأحاول أن التقط أكبر قدر من المشاهد العابرة ، ستمر المشاهد بسرعة وتدور الصور وتختلط مع لمحات الذاكرة ، سيتسارع خوفي ويعظم قبل لحظة الارتطام ...سأموت قبل لحظة الارتطام من الرعب أو سأتمنى ذلك على الأغلب ، سأتناثر على الأرض ويهرع المارة ، سيفزع البعض وتبول سيدة من الدهشة، ستسقط أخرى من الرعب وتشل ، ستهرع الشرطة ويهرع رجال الدفاع المدني للملمة أشلائي ، سينظرون إلي بحقد تشوبه الشفقة ، ربما قطعت استراحة غدائهم ، سترتبك المدينة ، ويغلق شارع وادي صقرة ، سيتسائل سائقوا التاكسي عن سبب غبائي ويلعنونني في سرهم ، سيتجادل اثنان آخران عن ما إذا كان مصيري جهنم وما اذا كانت تجوز علي الرحمة ...سيتحسر البعض على أهلي ويقول "الله يعينهم" ...و البعض الآخر سيقول بالتأكيد " الله لا يرده" ...سأكون قد مت طبعا ولا تعنيني كل تلك الترهات ....

ربما سأموت من الكبر ... الخيارات متعددة :... ستسقط أسناني ، وأهرول على نفسي عند شرب الشوربة ، سأنسى أسماء أحفادي الذين بدأوا يدركون أهمية الثروة التي أحوز عليها ، سيتنهد أبنائي وبناتي بالطبع ويقولون " الله يرحمو" ، سيخصصون مساحة عزاء محترمة في الجرائد لإظهار مكانتهم الاجتماعية التي تحصلت من خلال سمعتي البائدة ... قبلها سأكون قد بللت فراشي لمرات عديدة ، وتفوهت بلعنات مخمورة بالخرف ...ستكون زوجتي الثالثة قد ترملت من زوجها الثاني ، ماذا أيضا؟ ربما سأكون قد راقبت احفادي وهم يتحدثون عن اجهزة اتصال تزرع في الدماغ لم تخترع بعد ويسخرون من جهلي بها ، وربما سأكون قد نسيت حتى أسمي وأين ولدت ونسيت كيف كنت أكتب ذات يوم قصة قصيرة عن كيف سأنتحر وعن سيناريوهات موتي ، عندها سأندم لأنني لم اطلق الرصاص على رأسي وهو ما زال يحتفظ ببعض التماسك والكرامة ، ربما عندها سأنسى لمَ لمْ أحلق في فضاء عمان الفسيح وأحظى بفرصة السقوط الحر المتسارع من فوق بناية البرج التي لم أزرها يوماُ ..

.ربما يومها سأندم لأنني لم أولد في مكان آخر أكثر حرية وفيه الكثير من الخضرة والكثير من النساء الفسيحات ...ربما يومها سأندم على أشياء كثيرة لم افعلها في حياتي التي توشك على الانطفاء وهي أشياء قد انساها يومها وما زلت أعرفها الآن ، لأنني أعرف أنني لن أموت في هذه اللحظة ولن أوفق في الصعود أصلا إلى أعلى بناية البرج لأنني أخاف المرتفعات ولن أستطيع الحصول على مسدس مرخص لإطلاق الرصاص على رأسي لأنني لا أملك المال ولن أحظى بالتأكيد بفرصة انتحار لائق قبل الأوان وبسقوط حر متسارع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن