الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لذة الاحتراق

يحيى نوح مجذاب

2019 / 12 / 24
الادب والفن


الكلُّ مُثقلٌ بالأحمال التي لا مناص منها...
لا رحمة في الأرض ولا في السماء.
ملايين الأحياء والموجودات القريبة الملتصقة الضئيلة الخفية، والبعيدة القصّية الماردة اللامتناهية لا تنطلق إلاّ من الذات الضيقة المتقوقعة في نقطة الصفر اللامرئي، وأذرعها الممتدة حتى لملايين الأميال لا تلتقط إلاّ الجزيئات المحملة بفيض الأنا.
أيام ممتلئة بالدمامل التي اتسعت وتنتظر وخزة الدبّوس، وهذا الشيخ الكهل لا يتأمل ويرجو من دنياه الفانية إلاّ هدنة قصيرة يعيد فيها تنظيم ذاته حتى تتضح رؤاه المعتمة قبل أن تنسدل الستارة على فصلِ الختام.
لفّافة تبغ احترقت بين شفتيه حتى العَقِب.
طعم الدُّخان المُلتصق على السبَّابة التي أكلتها الصُّفرة الشاحبة وهي تُشكِّل مع الوسطى طوق أنشوطة حول الكَفَنَ الورقي الأبيض المحشو بالتبغ الأصفر الذاوي حتى الجمرة الأخيرة. وعندما غاص مع بقايا الذاكرة أبحر بأسى إلى سنِّي الشباب حين كان يتلذذ بالاحتراق وهو ينغمر بذاته المتوهجة بين أجسادهن الشامخة في خياله الافتراضي المحلِّق في سماوات الأحلام. لقد كان في جوهره النقي ليس سوى صفحة بيضاء قبل ان يُدرك المعنى الحقيقي لعَبَثيَّة الاستمرار في مسيرة طويلة متواصلة من وجود تتهالك فيه الخلايا والأنسجة والقوى ويضمحل كل شيء ويتهاوى إلى قاعِ الظُلمات.
أيُّ أملٍ يُرتجى والثقوب السوداء قد ابتلعت أكواناً هائلة كانت قد خُلقت من العدم وآلت إلى العدم، حتى تلك التي انبثقت فيها حضارات بأبعاد تجاوزت الزمان والمكان، أو تلك التي خلقتها نظريات نُخَب الموجودات الراقية وتقولَبت في أفكار هائمة حيث يهتز الوجود ويتراقص في هارمونية متناغمة لسمفونية جبارة في هيئة أوتار فائقة في الصغر لا متناهية في الضآلة إلى ما قبل جسيمات البوزونات والفرميونات في أبعاد أحصوها تتجاوز العشرة عدداً حيث يحيط بها هول الزمان في محيط الأبد.
هولا يريد أن يتبحر في المفاهيم العامة الميسّرة لبني آدم إلى لججٍ متلاطمة متشابكة في خضم الخبال والهواجس المنعتقة في الوجود الأهوج حيث اللامعقول سيد العالم، بل هو يعيش ويتفاعل مع المحيط وفق محسوساته وعمق خياله وتجربته بعيداً عن قنبلة الرياضيات ومعادلاتها الخارقة التي اختصرت الوجود كله ومديات خلقه وفسرته بسطر واحد من الأرقام والرموز المطلسمة.
لفافة التبغ تلاشت وسقط رمادها الساخن من بين شفتيه المتشققتين على صفحة الأرض الممتدة. مدّ أصبعه ذو الظفر المدبب صوب الأفق الأرجواني البعيد ورسم في سطح الفضاء أشكال القوى المهيمنة الثقالية والكهرومغناطيسية والنووية بمعادلات الجذور والزوايا والظِلال بأرقام معلومة وأخرى مبهمة وأغمض عينيه وأسبل جفنيه وهو يستلهم وحي الأقدار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو