الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوارية : (( بلا ممنوع )) / مع الاديبة العراقية شهباء شهاب # 2

منير الكلداني

2019 / 12 / 25
مقابلات و حوارات


ثالثاً: لطالما كان الجنس شغل العقل العراقي، حتى فيما نراه في أغلب ما يحدث، فإلى أي شيء تعزين هذا الأمر؟

إنّ المجتمع الذي ينشغل افراده بالتفكير الجنسي بشكل مبالغ فيه، يصل الى حد الهوس لا يولد من فراغ. هذا المجتمع هو نتاج عوامل كثيرة منها إنّ هذا المجتمع يتعامل مع الغريزة الجنسية التي تحركها الهرمونات الجسدية، والحاجات النفسية التي فطر الانسان عليها بالإنكار، والمكابرة، أو بالاستخفاف، والسخرية، بدلا من الإقرار بوجودها، والاعتراف بسطوتها، وتقبلها، والاذعان لها، واحترامها. فهذا المجتمع بدلا من ان يحاول ان ينظر لهذه الحاجات على انها نوازع طبيعية لابد أن يتم التعامل معها تعاملاً ينطوي على تفهم، وتعاطف، ورحمة، واحترام، تماماً كما يتم التعامل مع الحاجات الجسدية الأخرى، كالحاجة للطعام، والماء، والمأوى، والدفء، وغيرها نرى أنّ هذا المجتمع يقوم بدلاً من ذلك بإنكار هذه الحاجات، لا بل ويسخر منها، ويستخف بها، ويعمد الى كبتها، وقمعها، وخنقها.
والأكثر من ذلك، فإنّ هذا المجتمع يتبنى ثقافة القصاص الذي قد يكون أحياناً قصاصاً ظالماً ووحشياً من كل ممن يفكر أن يُنَّفِس عن هذه الحاجات بطريقة أخرى، غير تلك الطرق التي يتبناها المجتمع ويُشرِّعها. فيجد الفرد نفسه وهو يعيش في مجتمع تسوده التناقضات العارمة، فهو من جهة معرض لكل ما من شأنه إثارة غريزته الجنسية من أفلام تعُّج بمشاهد الرغبة، والحب، والغرام، الى أغاني لا يكون موضوعها، الا العشق، والوله، والشوق، إلى صحفٍ، ومجلاتٍ، ملئ بصورٍ لنساء ورجال يشعون جمالاً، ووسامة، ورونقاً، يسرقون بفتنتهم الألباب، والمطلوب منه أن يكون حجارة صلدة لا تحس، ولا تبالي، ولا تشعر ليحصل على رضى المجتمع ومديحه. المجتمعات الغربية كانت أكثر ذكاء في التعامل مع الغريزة الجنسية للإنسان لأنها تعترف بوجودها، وقوتها، وسطوتها دون إنكارٍ، أو تجاهلٍ متعمد ومقصود، ودون قمعٍ، وكبت لن يساهما بإخماد نارها وأوارها. فهذه المجتمعات سعت لأن تمنح الفرد الحرية الكافية، والمساحة اللازمة لكي يجد متنفساً مناسباً لهذه الغريزة الملتهبة، العارمة بما يحفظ المجتمع من حالات التحرش والاغتصاب.
إنّ التحرشات ومحاولات الاغتصاب التي تتعرض لها المرأة من محارمها، مثلا، وما تتعرض له المرأة في الدول الغربية والتي يقف وراءها مهاجرون عرب، وكذلك التحرشات ومحاولات الاغتصاب الجماعي التي حصلت، مثلا، في ميدان التحرير في القاهرة، أبان ثورة يناير في مصر، أو الحالات التي حصلت وتحصل في أية تجمعات بشرية أخرى في دول عربية أخرى هي مؤشر خطير على مستوى الكبت الجنسي العارم الذي يعاني منه الشباب العربي. فنرى المجتمع بدلاً من أن يحاول إيجاد الأسباب الحقيقية وراء ظواهر التحرش، ومحاولات الاغتصاب فإنه يحاول أن يقمع النتائج التي نجمت عنها. هذه الحالات تجعل المرأة قلقة، خائفة، ومرعوبة من أن تتعرض لما تعرضت له أخريات. وهذا يجعلها تلجأ لحماية نفسها بأية طريقة ممكنة عن طريق تغيير ملبسها المعتاد، والاتجاه نحو ارتداء أزياء غريبة عن شخصيتها، وثقافتها، وبيئتها، كارتداء غطاء للرأس، أو ارتداء العباءة، أو البرقع، أو الإحجام عن وضع مساحيق التجميل، وطلاء الأظافر، والعطور، وارتداء الأحذية ذات الكعوب العالية. وقد تفشل كل هذه الآليات في حماية المرأة من نيران الكبت الجنسي المتشظيّة في دماء الرجال من حولها.
القيم الريفية التي اجتاحت المجتمع العراقي اجتياحا كاسحا، والتي جاءت بها الطبقة السياسية الحاكمة هي التي جعلت الرجل العراقي عموماً، لا ينظر للمرأة كمخلوق مساوٍ له، كما جاء في الإسلام والأديان السماوية الأخرى، وإنما كججسد يثير شهوته، وغريزته، حتى لو كان ملتحفاً باسمك الأغطية والجلاليب. فالمشكلة ليست في جسد المرأة، وإنما في ذهنية الرجل العربي التي لابد أن تُصحح، بدلاً من إجبار المرأة على الظهور بمظهر لا يعبر عن شخصيتها وكنهها. القيم الريفية التي تسيَّدت المشهد في العراق، والتي قامت بمحاربة القيم المدنية، وملاحقتها هي التي جعلت الرجل العراقي مهووساً بالعذرية الجسدية للمرأة، وبالعزل القسري والصارم بين الجنسين، وبإنكار سطوة الغريزة الجنسية. فحتى وإن كان هذا الرجل قد حصل على أعلى الشهادات، وحتى وإن كان قد اعتلى أرفع المناصب ستبقى عقليته محكومة بما تربى عليه في مجتمعه، وبما ورثه من أهله وعشيرته.
فعلاقة المجتمع العربي والعراقي بالمرأة علاقة مريضة. ومما يثير السخرية، أنّ الكثير من قليلي الوعي والثقافة، أو ممن يدّعون التدين يلقون ما آلت اليه أوضاع المجتمع من حروب، أو مجاعات، أو شحة في الموارد، أو تفشي للأوبئة والكوارث، أو تردي في الاقتصاد على عاتق المرأة. ويظن هؤلاء أنّ المرأة هي من تزرع بذور الشر، بينما لا يدور في خلدهم، ولو للحظة واحدة، أن الشر الذي خيَّم على المجتمع لم يأت، إلاّ كنتيجة طبيعية للسياسات الرعناء والفاشلة للطبقة السياسية، التي يشكِّل الرجل فيها نسبة تسعة وتسعين بالمائة..

رابعاً: يقول متابعيك أنك عندما تتحدثين عن الجنس فأنت محرومة جنسياً، فبماذا تردين عليهم؟

هذه ليست تهمة جديدة، بل هي تهمة تتعرض لها المرأة الكاتبة كل يوم. فكل امرأة كاتبة تتحدث عن الجنس، وعن العلاقة مع الرجل يتصور القارئ أنها من غير بُدٍ تتحدث عن نفسها، وعن تجاربها الخاصة. فإذا تحدثت الكاتبة، مثلاً، عن السُكرِ، والعُهر، والفسق، والخيانة، والموبقات، والعلاقات الجنسية المنحرفة، أو المحرّمة، أو العنف الأسري، أو الحرمان الجنسي، فإنَّ أول ما يقفز إلى ذهن القارئ هو أنَّ هذه الكاتبة لابد أنّها تعاني، وتكابد من مثل هذه المشاكل والاضطرابات في حياتها الخاصة، ولذلك هي تتحدث عنها. بينما لا ترد في ذهن القارئ نفس هذه الظنون، عندما تتحدث الكاتبة عن أمور مثل العنف الطائفي، أو المعتقلين في السجون السرية، أو الإتجار بالبشر، أو البشر الذين يأكلون من النفايات ويعيشون فيها، أو المرأة التي تضطر لأن تبيع نفسها لتعيل أسرتها، أو الأب الذي يبيع أبنائه لأنه غير قادر على إعالتهم، أو الأطفال الذين يهجرون مدارسهم ويسكنون الشارع. كل هذه المشاكل والمعضلات الاجتماعية لا يرى القارئ أنها قد تنطبق على الحياة الشخصية للكاتبة بأي حال من الأحوال. ولكن عندما يتحول الحديث إلى العلاقة بين المرأة والرجل وما يكتنفها من جنسٍ، وعنفٍ، وحبٍ، وبغضٍ، وصدٍ، وهجرٍ، وعنادٍ، فالقارئ يرى أنّ الكاتبة بالضرورة تتحدث عن حياتها الخاصة. وهذا فخ كبير يقع فيه القارئ الذي لا يستطيع أن يفصل بين شخصيتين متواريتين خلف الكلمات، وهما شخصية الكاتبة كراوية، وناقلة للأحداث، وناقدة، ومحللة لها، وبين الكاتبة الإنسانة التي لها حياتها الخاصة البعيدة كل البعد عما تكتب، وتحلّل، وتنقد، وتقدم لقرائها. فالكاتبة الإنسانة منفصلة عن الكاتبة الراوية، كشخصية معنوية، التي تروي الأحداث، وتنقلها، وتقدمها للقارئ بصدقٍ قد يبلغ ذروته ليجعل القارئ يظنّ أن الكاتبة تتحدث عن نفسها، وعن حياتها الخاصة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير