الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقرير عن السرقة. . شخصية منشطرة وأنداد لا مرئيون

عدنان حسين أحمد

2019 / 12 / 25
الادب والفن


صدرت عن دار "شهريار" في البصرة رواية "تقرير عن السرقة" لعبدالهادي سعدون وهي رواية بوليسية ونفسية متداخلة. ولو تأملنا شخصية الراوي الذي يسرد حكايته بضمير المتكلّم لوجدناها منشطرة بين الأنا الغامض، ونظيرهُ المُتواري، وهي لا تحمل اسمًا على مدار النص السردي الشائق الذي لا يبعث على الملل لتنوّع أحداثه، وكثرة مفاجآته، وغنى شخصيته الرئيسة المُستغلَقة التي لا تتكشف إلاّ في الصفحات الأخيرة من هذه الرواية المُبهَمة.
يضعنا الروائي في جملته الاستهلالية بصُلب الحدث ويُخبرنا بأنّ اللصوص كسروا بُوابة بيته حينما كانوا خارج المنزل ولم يسرقوا منه سوى حاسوبه المحمول. وبما أن الشخصية الرئيسة معقدة جدًا فلابد من تتبِّعها وتسليط الضوء عليها من جميع الجهات علّنا نُمسك ببعض العناصر التي تساهم في حلّ لُغزها العسير، فقبل زواجه تعرّف إلى نساء عديدات لكنه لم يرتبط بأي واحدة منهن، أما آليسيا فقد أحبّها بعمق وارتبط بها فأنجبت له طفلاً أسمته عيسى تيمّنًا باسم الشاعر الياباني Isa غير أنّ السرقة أربكت حياة الأسرة الصغيرة وروّعتها لأن الشرطة لم تستطع أن تفعل شيئًا وظلت بانتظار تقرير الشرطة الجنائية، وتقرير شركة التأمين. وبما أنّ اللصوص قد أصبحوا أكثر ذكاءً من الشرطة فإنهم بالضرورة لم يتركوا بصمة نظيفة تقود إلى اللص الحقيقي. أما شركة التأمين فقد دفعت لهم نصف ثمن البوّابة، وغضّوا الطرف عن الحاسوب القديم ومحتوياته وأغلقوا الملف. يعمل الراوي مُترجمًا في دائرة المعلومات والهجرة ولم يبدر منه شيء طوال مدة عمله لكن زوجته انتبهت إلى أنه بدأ يستعمل كلمات نابية، ويعاني في منامه من أحلام وكوابيس مليئة بالسُباب والشتائم لكنه حينما يستيقظ لا يتذكر أي شيء من هلاوسه وأضغاث أحلامه، ويستغرب عندما تُخبره بأنه كان يصرخ بوجه شخص ويتهمهُ بالخيانة! يفقد الراوي عمله بسبب إجراءآت داخلية كما يدّعي المدير إغناثيو. ثم يلتقي به لاحقًا ويُخبره بأنّ البلدية تنوي إعادة فتح الدائرة وقد فكر، هو والمدير العام، أن يستأنسا برأيه بشأن شبهات لفتت انتباهه مؤخرًا غير أن الراوي يستاء ويخبره بأنه كان موظفًا بسيطًا لكن إغناثيو يتمادى ويسأله مستفسرًا إن كان قد تعرّض هو أو محل سكنه لحادث ما وكأنه هو المذنب وليس الضحية مُعتمدًا في ذلك على المعلومات التي تصلهم إلى الدائرة الأمنية، فيتساءل الراوي في سرّه:"هل كنتُ أعمل في شيء آخر غير الترجمة؟". ركّب الضحية بوابة مدرّعة لبيته لكن ظل يستلم العشرات من نسخ الإعلان عن محل كومبيوتر. ومما زاد الطين بلّة أن زوجته تلقّت رسالة مشفّرة فيها العديد من صُورهِ مع فتيات وسيدات أُلتُقِطت في سفرات مختلفة فأقنعها بأنّ هذه الصور قديمة وتعود لمرحلة ما قبل الزواج. ثمة معلومة مبكرة في الرواية تشير إلى أنّ قرينه متورط في هذه العملية المريبة:"كانت هناك رسائل تأتيني من داخل بريدي السرّي" وهي أشياء لا يعرفها أحد سواه، ولم يفشِها لأحد، كما أنه بلا أصدقاء في وطنه الأول وفي بلده الجديد. أما المعلومة الثانية التي تسلّط الضوء على هذا اللُغز فتكمن في قوله:"اكتشفتُ في الآونة الأخيرة مهارات مجهولة لديّ" الأمر الذي يُبعد الشكوك عن الآخرين الذين يتجسسون عليه، وينبشون أخباره المنسيّة. وبسبب هذا اللص، والمؤرشف للوقائع ارتبكت الحياة العائلية للراوي خاصة حينما وصلت زوجته صورًا قديمة مُنتزعة من صحيفة عربية يبدو فيها كإرهابي. تتفاقم الأمور حينما يبعث له القرين صورًا وفيديوهات وأوراق توثيقية يجمعها ويذهب لمقابلة المفتش العام لكنه يجد نفسه أمام مديره السابق إغناثيو الذي يأخذه إلى خِزانة كبيرة تحمل اسم "تقرير عن السرقة" ويخبره قائلاً:"ماجئت به شيء ضئيل قياسًا لما يصلنا كل يوم عنك وعن عائلتك وماضيك"، ثم يعزّز كلامه بالقول:"إنكَ وحيد في هذه المتاهة" ويمكنك أن تعتبر هذا اللقاء لا وجود له.
لا غرابة أن تطلب آليسيا الانفصال بعد هذا الكم الهائل من الصور والفيديوهات والرسائل النصية التي كانت تصلها كل يوم ولعل ما أرعبها حقًا هي صورته التي ظهر فيها بملابس عسكرية، ولحية سوداء حاملاً بندقية كلاشنكوف، وأمامه رؤوس بشرية مقطوعة، أما الفيديو الأكثر مرارة فهو ظهوره عاريًا إلى جانب فتاة تطلب منه أن يقول لها: "إنني أحبك وإننا سنعيش معًا إلى الأبد". عندها فقط بدأ يشك بأنه "شخصان في جسد واحد!" ولكل واحد منهما له مسار مغاير للآخر. تتكرر الأوهام البصرية فيعتقد بوجود صاحب القبعة المكسيكية الذي يلّوح له من الطابق السابع في بناية مقابلة له لكن الحارس يخبره بأن الطابق كله فارغ ولا وجود لشخص يرتدي قبعة مكسيكية في العمارة كلها. يحاول أن يفتح بوابة البيت فيخذله المفتاح مما يضطر للمبيت خارج المنزل بعد محاولات عديدة لإقناع العاملين في محلات الأقفال بالذهاب معه إلى البيت فلم يجد بُدًا من الذهاب إلى المتنزه حيث يلتقي هناك بكاتب قصص وروايات فيشرح له ما مرّ به نهارًا من مشكلات وأوهام حتى انتهى به المطاف إلى هذا المتنزّه المهجور. وما إن ينتهي الرواي من سرد حكايته حتى يشرع الكاتب، وهو طبيب نفسي، بسرد قصة تعرّفه إلى خواكين، الرسام الذي فشل في الترويج لنفسه فاستمع لنداء عائلته واشتغل معهم في معمل الخياطة حتى أصبح مديرًا للمعمل في غضون سنتين لكن الكائنات اللامرئية لم تتركه لوحده وأوشكت أن تقضي عليه. وحينما غادر الكاتبُ التقى الراوي بأناس آخرين أمضى الليل معهم، وفي الصباح لم يرَ أثرًا لهم، فيتوجّه إلى محل أقفال ويذهب معه رجل بعمره لم يرتدِ البدلة الزرقاء وطلب منه أن يضع الرقم السري في لوحة البوابة الخارجية فلمعَ الضوء الأخضر، ثم ضرب باب المنزل بقبضة مضمومة فانفتح هو الآخر، ثم نام طويلاً وحلم، وما إن استفاق حتى تذكّر الحلم بالكامل، وشاهد صاحب القبعة المكسيكية، وكاتب الروايات، وصور المشردين جميعهم. ولما التفت إلى جواره شاهد حاسوبه المحمول بملفاته الثلاثة مضافًا إليها ملف "الكاميرا الخفية". تطلبْ آليسيا الطلاق حينما ترى على سريره امرأة عارية وتأمره بمغادرة البيت فيحزم حقيبته، ويحمل حاسوبه ويتجه صوب قرية "وادي الخنازير" في أقصى الجنوب الإسباني، وبينما هو جالس في عربة القطار يسمع شخصًا يتكلم مع حبيبته بالهاتف ويخبرها بأن تأخذ هذه القصة التي تفيدها في أبحاثها وقد سمعها من رجل "صاحب قصص وروايات" يقول فيها:"أنني وقبل أن أتحول إلى الكتابة كنت أشتغل طبيبًا في عيادتي النفسية وكنت ناجحًا في عملي لكن ما جرى مع صديق لي هو الذي جعلني أترك كل شيء وأمضي للبحث عن حياتي في مكان آخر". وأخيرًا يقرر الراوي أن ينزل مع الشاب ويكون ظلاً له مع أن قريته تبعد ساعتين عن هذه المحطة. وما إن يدخل الشابُ النفقَ ويتوغلّ فيه حتى ينهال الراوي عليه لكمًا ولم يتوقف عن ضربه حتى يرآه هامدًا على الأرض بلا حركة عندها يترك قرينه والحقيبة والحاسوب ويركض في الاتجاه المعاكس متحررًا من كل شيء قبل أن يسقط في العتمة والظلام الدامس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟