الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سارة في توراة السفح: الفصل الثامن/ 2

دلور ميقري

2019 / 12 / 25
الادب والفن


" بوكا عرب "ـ أي العروس العربية، مثلما عُرفت على لسان أقارب وجيران رجلها ـ عليها كان أن تختبرَ خلقَهَ بشأن موضوع الخمار الأسود، وذلك في مناسبة تهيؤها لزيارة نسائية صُحبة شملكان. المنزل المُزمع زيارته، كان يقع في الزقاق المجاور، من ناحية الشرق. كان في الوسع الوصول إلى ذلك الزقاق عبرَ دخلة عريضة، تقع مباشرةً بأسفل منزل آل الحاج حسين؛ ثمة أينَ تتهتك الجدران الطينية وتتداعى رويداً، فلا توحي بالحدود الفاصلة بين منازل الجيران. سارة، سارت إذن مع قريبة رجلها، ملتحفة بملاءة سوداء تغطي كامل جسدها اعتباراً من قمة الرأس وإلى الكاحلين. بينما المرافقة، بقيت كمألوف العادة بملابسها الكردية الزاهية. هكذا تنافر، لحظت مثيله العروسُ الأشبه بطفلة، مع دخولها إلى منزل أولئك الأقارب: على نقيض منزل أسرة الزوج، الأشبه بالخرابة، كان هذا المنزل أقرب إلى دار جدها لأمها في جسر النحاس، سواءً بعمارته الأنيقة أو بأرض دياره وحديقته مع أشجارهما المثمرة وظلالها العذبة تحت شمس الربيع المتأخر.
" ليلى "، وكانت حينئذٍ تكنّس أرضَ الديار، هبت لاستقبال الضيفة الغريبة مع عبق جسدها، المعطّر كما لو أنه مستمدٌ من طيب الأزهار، النامية في الأحواض والأواني الفخارية. المنزل، هوَ بالأساس ملكٌ للمرحوم والد ليلى، " موسي "، الذي سبقَ واستضاف شملكان وزوجها، بعيدَ قدومهما من الموطن الأول، ثم أضحيا من ساكنيه. لقد رزق الزوجان مؤخراً بصبيّ، عقبَ نصف دزينة من الأولاد، رحلوا في سن مبكرة بأمراض الطفولة. قبلاً، وقتما كانت سارة في مرحلة الخطبة، علمتْ دَهِشَةً أنّ عمة ليلى، المرحومة فاتي، كانت الزوجة الثانية لطراد آغا؛ الوجيه المعروف، الممتلك مزرعة في الزبداني، وكان واسطة السيّدة أديبة في قضية الطلاق. كذلك جرى لعلم الضيفة ( وهذه المرة على لسان شملكان )، أنّ المضيفة المقاربة لها في السنّ، تعد خطيبة لأحد أولاد عمومة الأب، وهوَ يعمل مع زوج الأولى، المدعو " أوسمان ". في حقيقة الحال، أنّ سارة شاهدت ذكور العائلة جميعاً، في أوان الاحتفال بليلة النيروز في إيوان منزل زوجها، وكانت آنذاك مع غيرها من نسوة الأقارب، تطلّ من فوق سطح حجرة المضافة، المشرف على المكان: هذا كان تقليداً سنوياً، يحرص الحاج حسن على إقامته في الإيوان على أنغام موسيقى المنشد ومواويله، المنطوقة بالكردية. نهار اليوم التالي للأمسية الحافلة، قضاه جميع أفراد آل الحاج حسين، ذكوراً وإناثاً، في بستان المرحوم موسي. هناك تناولوا الغداء من قدور ضخمة موضوعة على النار، بعضها تصاعد منه رائحة اللحم الضأن بينما أخرى خُصصت لسلق القمح أو غلي الشنينة: ذلك، وفق ملاحظة العروس الغريبة، كان من مفارقات طبع رجلها، المتشدد في المحافظة والتدين حد التزمت.

***
كون السيد نيّو أقرب أصدقاء رجلها، كان من واجب سارة التعرف على كلا زوجتيه، المقيمتين في داره، يفصل بينهما جدرانٌ من الكراهية والضغينة ـ شأن الكثير من الضرائر. مع دخولها لأول مرة ذلكَ المنزل، استعادت العروسُ الغريبة ما كان من حكاية الحقد القديمة، المستعرّة اللظى بين السيّدة أديبة وأرملة أبيها حتى يوم اختفاء هذه الأخيرة مع حبيبها المسيحيّ. حقّ لسارة، ابنة المرأة ذات المكانة الكبيرة في الزبداني، أن تراها في شخص امرأة نيّو الأولى. هذه، كانت أيضاً من أسرة كردية، وكان رأسها قد انتقلَ إلى الريف بحُكم خدمته بسلاح الدرك؛ وهناك ولدت هيَ وبقية أخوتها: وجه المقارنة هنا، كان بالطبع لناحية المسلك النبيل لا الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية. ولا كذلك، كانت امرأة نيّو الأخرى، التي قيل أنها كانت من الكيد والغيرة حداً أطلقت فيه على ابنها الوحيد نفسَ اسم أخيه الكبير غير الشقيق، " علي "، وذلك كي لا تَفرح الضرّةُ بلقب الزوج؛ " أبي علي "!
عقبَ تعرفها بشكل عام على الحارة، تكهّنت سارة أن عدد البيوت هنا يماثل تقريباً ما في مسقط رأسها. فضلاً عن أوجه شبه أخرى، لناحية السفح المأهول، المهيمنة عليه القممُ الجبلية الجرداء، والبساتين اليانعة الخضرة، المروية من جدول نحيل، ينهل الماء من وادي بردى نفسه؛ أين تتربع على قمته بلدةُ الزبداني. لكنها لحظت ابتساراً في التنوع الدينيّ، وذلك بانفراد المساجد في الاستحواذ على أفق الحي، علاوة على قباب المعاهد الإسلامية الأثرية، المحتفية بأضرحة الأمراء والأولياء والمتصوفة. لما تساءلت مرةً، عن سبب انعدام وجود كنائس في الحارة، بادرت زَري للرد على طريقتها الطريفة في التعبير: " جرسُ الكنيسة حَسْب، بقيَ في كنية أقاربنا من آل زنكَلي! "
" ماذا يعني هذا؟ "، استفهمت سارة بدَورها. هنا، تدخلت حماتها لتوضّح ما غمضَ في عبارة ابنتها: " زنكَلي، تعني بالكردية قارع جرس الكنيسة. وهو لقب فرع من عشيرتنا، كان أفراده قد انتقلوا إلى الإسلام في زمن الأجداد. ومنهم جيراننا، آل سلطانة عرب. غير أنّ غالبيتهم يقيمون في زقاق الوانلية، في رأس الحارة، ويُدْعَون أيضاً بآل لحّو ". ثم استدركت أمّو، ضاحكة: " لكن إياكِ أن تذكري ذلك اللقب أمامَ أحدهم، لأنهم يعتبرونه بمثابة مهانة وشتيمة "
" يُقال، أنّ أم جدتي كانت منهم "، نبرَ صوتُ زَري مجدداً. أجابتها الأم، مع نظرة ملية: " أخبرتك مراراً من قبل، أنّ أم حماتي كانت كذلك، لكن والدها كان من أولاد عمومة جدك "
" لحظتُ وجودَ لوحةٍ في حجرة نومكِ، كأنها تصوّر السيدَ المسيح طفلاً مع أمه العذراء؟ "، سألت سارة حماتها.
" نعم، ولكن لا علاقة لها بآل زنكَلي! "، قالتها أمّو وهيَ تنفجر في قهقهة مديدة. برغم هيبتها وصرامتها، كانت حماة العروس الغريبة امرأةً مرحة ومنطلقة الأسارير.
لو شاءت الحماة الاستطرادَ، ربما لقالت أن وجود اللوحة في المنزل يعود لنفس سنة مولد الابنة زري؛ للعام 1860، الشاهد على طوشة الشام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | شراكة تعد بولادة جديدة للسينما العربية..تفاصيل الم


.. ما هو اكثر شيء يزعج نوال الزغبي ؟??




.. -احذر من صعود المتطرفين-.. الفنان فضيل يتحدث عن الانتخابات ا


.. الفنان فضيل يغني في صباح العربية مقطعا من أحدث أغانيه -مونيك




.. مشروع فني قريب بين الفنان فضيل وديانا حداد وجيبسي كينغ