الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب حزيران في الذاكرة: هزمتنا النسوان

علاء الدين الظاهر
استاذ رياضيات

(Alaaddin Al-dhahir)

2019 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


مساء 4 حزيران 1967 اتصل والدي بنا واخبرنا بأن قطعاته ستتحرك الى الأردن في اليوم التالي وطلب منا ان نذهب الى الحبانية لنجلب سيارته الخاصة. في طريق عودتنا الى بغداد انا واخي صباح اليوم التالي وبعد ان اجتزنا الفلوجة اذاع راديو بغداد خبر اندلاع الحرب. اخي الذي كانت سياقته ضعيفة حاول ان يبحث عن اذاعة أخرى لتأكيد الخبر وهو في حالة متهيجة ففقد السيطرة على السيارة فأنقلبت بنا 3 مرات. لم يصب اخي بشئ بينما اصبت انا في جرح في الظهر والذراع الأيمن وكنت بهذا اول اصابة عراقية بسبب الحرب. في نفس الوقت كانت هناك قطعات عراقية قادمة من الشمال ومتوجهة للالتحاق بقطعات الحبانية فقامت بنقلنا بسرعة بسيارة جيب روسية (غاز قيادة) الى الحبانية بعد ان تعرفت على هويتنا. في الحبانية قام الرائد طبيب كمال حسين عبدالله بتخييط جراحي ووضعوني في سيارة سيارة اسعاف عسكرية اخذتني الى مستشفى الطوارئ. ظهر نفس اليوم تركت المستشفى على عجل لمتابعة اخبار الحرب. تعرضت القطعات العراقية لقصف الطيران الإسرائيلي في الطريق واسقطنا طائرتي ميراج مقابل استشهاد الطيار ملازم اول غالب عبدالحميد من السرب السادس.

كنا قبل الحرب نستمع الى عدة اذاعات مثل صوت العرب والكويت والإذاعة البريطانية وصوت اميركا (الأخيرتين باللغتين العربية والانكليزية) والاذاعة الإسرائيلية. استمرينا في ذلك اثناء الحرب ولم نصدق اخبار الهزائم وتصورناها دعاية كاذبة. الى ان جاء مساء الخميس حيث استمعنا الى خطاب او تمثيلية عبدالناصر في الاستقالة وقراره بسحب القوات المصرية الى الضفة الشرقية. للامانة لم اكن اعرف أولا ماذا يعني هذا الانسحاب الى الضفة الشرقية. كان عندي الاطلس المدرسي وقد طبع في العهد الملكي وما ان نظرت على الخارطة لم اصدق كلام عبدالناصر. قلبت الاطلس رأسا على عقب كي اقنع نفسي بأن ما سمعته كان خطأً. هول الصدمة كان رهيبا.

ما ان تمالكت نفسي وأنا بالمناسبة لم اكن ممن يعبدون عبدالناصر او يصدقون الاعلام المصري فكنت اكتشف اكاذيبه واخطائه عن العراق بسهولة لمعرفتي بالأوضاع ووجودي مع والدي اثناء لقائه كبار المسؤولين ونيابتي عنه اثناء غيابه خارج بغداد وانا في سن صغيرة. ما ان تمالكت نفسي حتى بدأت اسخر من خطاب عبدالناصر الذي ادعى فيه ان الطائرات الإسرائيلية هاجمته من الغرب بدلا من الشرق. قبل عام وانا في الرابعة عشرة من العمر كنت اذهب الى القاعدة الجوية في الحبانية لأعد نفسي مبكرا لدخول كلية الطيران وكان من الواضح لي انه اذا اردت ان تهاجم بالطائرات هدفا وكان في جنوبه مضادات جوية يجب ان تستدير وتهاجمه من الشمال. كما سخرت من ادعاء عبدالناصر بأن الطيران الإسرائيلي قام بطيران منخفض كي يتجنب اكتشاف الرادار. السرب السادس في الحبانية كان يتدرب على تمارين مثل هذه واتذكر ان الطيارين قالوا لي انهم يطيرون على ارتفاع ألف قدم كي يتجنبوا الرادارات المتوفرة حينها. يا ريّس، هل كان على الطيارين الاسرائيليين ان يخبروك بقدومهم ويطلبوا منك ان تحضّر لهم الشاي والقهوة والكيك. كنت اعرف ان عبدالناصر يكذب ويخدع. ولم يكتف بهذا بل ادعى كاذبا مع الملك حسين ان طائرات الاسطول السادس الأميركي والاسطول البريطاني شاركت في العدوان، كذبة اختفت بسرعة من قاموس تبرير الهزيمة ولم يذكرها بعدها دجّاله الأكبر محمد حسنين هيكل. امتلك تسجيلا صوتيا للمكالمة التلفونية بين عبدالناصر والملك حسين والفريق عبدالمنعم رياض والتي تم خلالها تلفيق قصة مشاركة ان طائرات الاسطول السادس الأميركي والاسطول البريطاني في الحرب.

بعد شهر من الهزيمة عاد والدي من الأردن وطلب مني ومن اخي ان نجلس معه في غرفة الطعام وشرح لنا أسباب الهزيمة العسكرية والخطة الإسرائيلية والأسلحة التي استخدمتها وكيف أخفقت الدول العربية في تقدير قوة إسرائيل و و و و. والدي لم يكذب بل انتقد عبدالناصر على تهوره ودخوله الحرب دون استعداد يذكر. والدي لمن يود ان يعرف قومي ناصري النزعة. بالطبع طلب والدي منا ان نحتفظ بتلك المعلومات لانفسنا وعلى حد علمي اخبر بها جارنا كامل الجادرجي كونه سياسي كبير يجب ان يعرف بما حدث وليس فقط من ما يسمعه من الاذاعة وما تذكره الصحف. كما اخبر اثناء لقائه بالصدفة حيث اقام في شارعنا الفريق رفيق عارف رئيس الأركان الأخير في العهد الملكي والذي اعتقل والدي شقيقه يوم ثورة 14 تموز وشهد ضده في محكمة الشعب. سأل رفيق عارف والدي عن الحقيقة في ما حدث وهو يعرف والدي من حرب فلسطين 1948 وشارك هو فيها وكانا رفيقا سلاح قبل اي شئ كما تعدت اخلاق وقيم الضباط القدامى الخلافات السياسية. اجابه والدي بإقتضاب وكنت اسمع الحديث عن بعد.

قبل الحرب ذهب وفد عراقي الى مصر وكان على رأسه وزير الدفاع اللواء الركن شاكر محمود شكري ووزير الخارجية الدكتور عدنان الباججي والتقيا بالرئيس المصري عبدالناصر. قال له الباججي ان اغلاق مضائق تيران بوجه الملاحة الاسرائيلية هو بمثابة اعلان حرب (فهل انت مستعد لها؟). كان جواب عبدالناصر بالايجاب. غادر بعدها الباججي الى الولايات المتحدة حيث التقى ضمن وفد من وزراء الخارجية العرب الرئيس الامريكي جونسن ثم ذهب الى الامم المتحدة. اما اللواء شاكر محمود شكري فذهب في اليوم التالي لزيارة الجبهة في سيناء لكنه عاد هلعا وقابل عبدالناصر على الفور ليخبره بغياب ابسط الاستعدادات للحرب على الجبهة مثل حفر الخنادق وما شابه. رد عليه عبدالناصر بأن المسألة سياسية وستحل دبلوماسيا. لوزير الخارجية العراقي يقول عبدالناصر انه مستعد للحرب ولوزير الدفاع يقول ان الحل دبلوماسي.

التقيت في ايار2003 بعد سقوط نظام صدام بالدكتور الباججي في مقره الاول في سفارة الامارات في بغداد وقلت له باني سأذكر له امر لم ينشر سابقا وانا اعرف به منذ صيف 1967 وقد اخبرني به والدي كما سمعه من وزير الدفاع شاكر محمود شكري وذكرت له ما ورد اعلاه من مقابلته لعبدالناصر. بعد ان سألني الباججي عن والدي وعن شاكر محمود شكري واخبرته بوفاتهما ايّد ما قلته وبحماسة واضاف ان عبدالناصر كان متأكدا من النصر.
للاسف لم يذكر الباججي هذا في (ذاكرته على العصر) وإنما قال انه تم جرْ رجل عبدالناصر الى الحرب. ارسلت رسالة الكترونية الى مقدم البرنامج الاخوانجي احمد منصور طالبا منه تذكير الباججي بحديثي معه في بغداد وارفقت مع الرسالة تسجيلات صوتية لخطب عبدالناصر التوعيدية والتهديدية قبل الحرب والتي توضح بلا ادنى شك بأن عبدالناصر هو الذي جرْ نفسه وجرْ المنطقة الى الحرب. قرأ احمد منصور اسمي خطاَ ولم يذكر فحوى رسالتي واحتفظ بالتسجيلات ولم يستخدمها ولا اعتقد انه سيتخدمها لأنها تفضح الاساليب الكاذبة التي تستخدمها قناته وغيرها من فضائيات العرب. اقول لمن يؤمن بسخافة (جرْ الرجل)، اربطوا أرجل من تعبودون من قادة العرب بأقرب شجرة او عامود للكهرباء كي لا تجرها اسرائيل او اميركا الى حرب.
ذكر وزير النفط السعودي الاسبق احمد زكي يماني في (ذاكرته على العصر) بأنه يوم 5 حزيران كان يحضر اجتماعا لوزراء النفط العرب في بغداد وكان مساء ذاك اليوم مع بقية الوزراء العرب ينتظر الرئيس العراقي عبدالرحمن عارف الذي اقام لهم مأدبة عشاء. تأخر حضور الرئيس عارف وفقا للوزير يماني وكان وجهه متجهما عند وصوله. هذا يوحي بالطبع بأن عبدالرحمن عارف يعرف بأن اخبار الحرب لم تكن سارة.
ما لم يعرفه احمد زكي يماني عن سبب تجهم وجه الرئيس عبدالرحمن عارف اعرفه انا. كان الرئيس عارف يترأس ايضا الوزارة ايضا وكان من ضمن نوابه الاربعة في الوزارة طاهر يحي التكريتي الذي كان يرأس وفدا آخرا في زيارة لمصر. صباح الخامس من حزيران توجه طاهر يحي مع الوفد برفقة حسين الشافعي نائب الرئيس المصري الى مطار الماظة العسكري ليقوما بزيارة الجبهة في سيناء. ما ان استقلا الطائرة حتى بدأ الطيران الاسرائيلي بقصف المطار وتدمير الطائرات والمدرج فترك طاهر يحي وحسين الشافعي وبقية الوفد الطائرة مهرولين وربما استقلا سيارة تاكسي بعد ان تركت السيارات الرسمية المطار. جمع طاهر يحي ما يستطيع من معلومات وارسلها من السفارة العراقية الى بغداد. لم تكن بحاجة الى عبقرية نادرة لتدرك ماذا يعني قصف مطار عسكري في القاهرة. هذا يعني ان كل المطارات العسكرية والرادارات في الطريق قد تم تدميرها وبدون غطاء جوي تصبح القطعات البرية تحت رحمة الطيران الاسرائيلي. ربما كان الرئيس عارف يستمع ايضا الى الاذاعات الخارجية وما تبثه من اخبار او تصله تقارير عن اخبارها. عبدالناصر نفسه كان يستقي معلوماته عن الحرب من الاذاعة البريطانية وليس من اذاعة صوت العرب او وزارة الحربية.
بعد تدمير المطارات المصرية ذهب طاهر يحي ومن معه برا الى ليبيا ومنها استقلوا طائرة الى روما ومن الاخيرة عادوا الى بغداد.

انشغل التلفزيون العراقي حينها بعقد ندوات تلفزيونية اشترك فيها اساتذة جامعيين قديرين مثل اللغوي صفاء خلوصي والفلسفي الشاب ياسين خليل (استوزر سابقا ولاحقا وزيرا للشباب) وكل نقاشات هؤلاء كانت تدور حول تأكيد التبريرات الناصرية للهزيمة. بعد ان قامت الصين بتفجير قنبلتها الهيدروجينية الأولى استبشر الدكتور خلوصي قائلا بأن الحضارة الغربية في أفول وان حضارة الشرق في صعود وان نصرنا وقنابلنا الهيدروجينية قادمة لا محالة. لا اعرف إن كان الدكتور خلوصي الذي من ضمن ادعاءاته ان شكسبير هو شيخ زبير، إن كان متأثرا بكتاب الفيلسوف الألماني اوسكار شبنغلر الذي كتبه اثناء الحرب العالمية الاولى متفائلا بأفول الحضارة الغربية مستبشرا بالثورة البلشفية في روسيا شرقا، ام ان استنتاج خلوصي هذا من عندياته واختراعاته الشيخ زبيرية. كنت لا اصدق ما اسمعه من أساتذة جامعيين محترمين وانا اعرف في الخامسة عشرة من العمر ان خطاب عبدالناصر كذب في كذب.

في نفس الصيف عاد صديقنا الراحل سعدون الصفار من دراسة لم يكملها في السويد وجلب معه سيارة فولكسواغن صغيرة وقام بتهريب عدد مجلة نيوزويك عن الحرب. كنت في العادة اقرأ المجلات الإنكليزية بمعونة القاموس العصري لإلياس إلياس. اعتقد كانت هذه المرة الوحيدة التي لم استخدم فيها القاموس. الصور كانت تكفي. الطائرات المصرية مدمرة ومحترقة بالكامل على أرضية المطارات، قواعد صواريخ سام كاملة بدون ضرر تم الاستيلاء عليه في سيناء، ارتال عسكرية مصرية مدمرة وآلاف الجنود الاسرى المصريين. أسوأ صورة بالنسبة لي كانت لوزير الدفاع الإسرائيلي موشي دايان وهو يزور ابنته وزميلاتها المجندات وهن يقفن على حافة قناة السويس. هزمتنا النسوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جائزة نوبل في الكذب 1
محمد البدري ( 2019 / 12 / 26 - 16:22 )
لو استحق عبد الناصر جائز لكانت نوبل في الكذب لو انهم قرروها كجائزة.
فهو لم يكن مستعدا بل ولم تكن الحرب اساسا في برنامجه او توجهاته.
وصل الرجل الي مازق سياسي حااد بعد حربه في اليمن وانفصام وحدته مع سوريا والاشد مازقه الداخلي الاقتصادي عند تدميره لجميع الاشكال الاقتصادية زراعية وصناعية ومالية فلم تعد كافية لاحتياجات شعب وصل تعداده في ذلك الوقت الي حوالي 30 مليون. اضافة الي ما ادهاه بقطع المعونة الامريكية عنه. كان جيشه مهلهلا ولا يصلح لشئ بقيادات لا تعرف من العسكرية شيئا.
فما الدافع إذن لكل ما حدث؟
عاش الرجل بنظامه في كنف الولايات المتحدة الامريكية منذ توليه السلطة الي لحظه غلقه خليج العقبة ودعمته الولايات المتحده في كل توجهاته بالاحتواء فوافقت علي تاميم القناه بعد ان اوحت له بها تخلصا من الاستعمار القديم وكافئها هو بالقبض وتشتيت كل الشيوعيين في مصر، ، ولم تعارضه في عمليات التأميم التي هي ضد الراسمالية كونها تخريب ممنهج لاقتصاد قوي ورثه من النظام الملكي السابق. زعامته التي اسستها له امريكا بتاميم القناه اراد لها ان تتكرر خروجا من مآزقه التي تسبب هو فيها لهذا اقدم علي عملية غلق ... يستكمل


2 - جائزة نوبل في الكذب 2
محمد البدري ( 2019 / 12 / 26 - 16:22 )
خليج العقبة باعتباره عملا بطوليا امام من يحاول تزعمهم عروبيا في المنطقة وامام شعبه تمويها علي مشاكله الداخلية.
قال عنها كتابه وفلاسفته انها كانت مجرد بلف Bluff ونوه عنها زميله في انقلاب 52 خالد محي الدين.

تحياتي

اخر الافلام

.. عاجل | مظاهرات وأحكام عرفية وإغلاق مبنى البرلمان في كوريا ال


.. فضائح جديدة تلاحق تسلا ومالكها إيلون ماسك.. ما القصة؟




.. قراءة عسكرية.. كمين للقسام في رفح وتقدم للمعارضة السورية تجا


.. سياق | هل انتهى النفوذ الفرنسي في إفريقيا؟




.. ما إجمالي خسائر القطاع الزراعي في قطاع غزة؟