الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقامة الفرشازية

ميمون الواليدي

2019 / 12 / 27
الادب والفن


حدثنا علال بن قادوس قال :
"قصدت طنجة هربا من الفقر والبطالة، رغبة في ركوب الأمواج العاتية، بحثا عن النجدة والإغاثة، في بلاد الأندلس والفرنجة. تقطعت بي السبل أياما عديدة، فاستحلت صديقا للقطط الشريدة، نديما للكلاب الطريدة، أنام مفترشا الأرض وأوراق جريدة، وأطوف على المطاعم البعيدة، مفتشا عن بقايا البصارة والعصيدة.
بينما كنت يوما تائها في الدروب والأزقة، ماشيا تحت أشعة الشمس الحارقة، مثيرا للشفقة، طالبا للصدقة، شاكيا الفاقة، مستجيرا بذوي النوايا الصادقة، ومستعينا بالقلوب الرقيقة. لمحت رجلا مبيض اللحية، أنيق الملبس، طويل القامة، عريض المنكبين، يمد رجله ليشير لسمك معروض للبيع . أثار سلوكه اشمئزازي، وأشعل تصرفه غضبي. ولأشفي غليلي، وأشبع فضولي، بادرت البائع بالسؤال :
من يكون هذا الوقح المتكبر الذي يدوس الأسماك بحذائه بينما يبحث الكثيرون من بني جلدته عن الأكل في حاويات القمامة ؟
قال: هذا هو الشيخ الفرشازي، الإمام الطنجي، والعالم الرباني. خطيب المسجد الأعظم يوم الجمعة، سليل علماء أهل السنة والجماعة، ومحتقر الفقراء والمتسولين والباعة.
قلت : ويحك يا هذا، أيكون عالم بهذه الوقاحة ؟ وخطيب بهذه الصفاقة ؟
بنبرة ساخرة، وابتسامة خبيثة، رد بائع السمك : أنت لا تعرف لماذا سمي بالفرشازي ؟ لأن الفرشة عند أهل الغرب تعني الفضيحة. وفضائح الفرشازي لا يختلف حولها اثنان، ولا يتناطح حولها كبشان. فضائح سارت بذكرها الركبان، ونقل أخبارها تجار العنبر واللوبان، عبر الصحاري والخلجان، من مراكش إلى السودان، ومن مصر إلى إيران، من أرض طنجيس إلى جزر المرجان، ومن بلاد الأمازيغ إلى بلاد العربان . الفرشازي استعاض عن الكتابة بالقلم بالفتوحات بالقلم، واستعاض عن قول الحق بسب أهل الحق، واستعاض عن الوقار والحياء بالفضاضة وقلة الحياء. منذ أن ذاق ألم القوارير لم يعد له أي رفق بالقوارير. ففاخذ الصغيرات، ورضع من الكبيرات، وتزوج بالقاصرات، وملك المطلقات. أحب ضرب المؤخرات الكبيرة، وعصر الأثداء المنتصبة، ومص الشفاه المنتفخة. قد ينكح كل ما يمشي على الأرض باستثناء السيارات والشاحنات، وينكح كل ما يمشي في البحر ما عدا السفن والفرقاطات، ويطأ كل ما يطير دون الصواريخ والطائرات. وكل ذلك، باسم الرقية في السر، والاستمتاع بربيع العمر، وطرد العفاريت من الدبر."
قال علال بن قادوس : " تبعت الشيخ حتى أدركته، أمسكت ذراعه وأوقفته، نظرت إليه وخاطبته: ألا تستحيي لتمشي في الأرض مزهوا، وقد بلغت من العمر عتيا، ومن العلم مراتبا ؟ كيف تضع حذائك فوق نعمة من النعم وأنت الشيخ الجليل، والخطيب الفضيل ؟ تأملني لبرهة ثم قهقه وقال: لابد أنك وبش انفصالي، أومرتزق علماني، أو زنديق يساري، أو كافر شيوعي. أنت تتطاول على شيخ العلماء وعالم الشيوخ، سيف الإسلام المهيب، وعالم الدين النجيب، وقلم الأمة المنتصب . فلتسمع جوابي الشافي الحاسم، إن لم تبتعد أيها المتشرد الباسم، سأذيقك ما ذاقته أتان سيدي قاسم."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع