الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل مكتوب على وجهي بأني لص

حمزة الذهبي
كاتب وباحث

(Hamza Dahbi)

2019 / 12 / 31
سيرة ذاتية


كان المساء في أوله، عندما وضعت النادلة على الطاولة التي أجلس إليها، كأس قهوة بالحليب وقطعتي سكر ، وملعقة صغيرة . شكرتها، ثم راقبتها وهي تمشي نحو طاولة أخرى ـ
ولأني كنت في المقهى وحدي ، في انتظار صديق لم يأتي بعد، فإني أخذت أسترق السمع إلى شاب، في العشرينات من عمره، لفحت وجهه أشعة الشمس ، يتحدث بعصبية وبغضب واضح ، مع صديقه قائلا ( إعادة صياغة الحديث من عندي ) :
" قمت بإكمال العمل وقررت أن أستقل عربة (الطرامواي) إلى المنزل، بدل ركوب الحافلة هربا من الزحام الذي لا يحتمل . اتجهت صوب محطة (الطرامواي) في شارع فرنسا في حي أكدال بالرباط ، كي أركب من هناك ، كانوا خمس فتيات ، جالسات على تلك المقاعد الموضوعة في المحطة ليجلس عليها الركاب في انتظار وصول العربة ، يتجاذبن أطراف الحديث ، لما رأوني قادما، قاموا بإخفاء هواتفهن، وبدئوا ينظرون إلي بتوجس ، تخيل ، جعلوني أحس بأني لص ، تألمت ، أحسست بأني لا أساوي أي شيء ، فأن تمر بجانب شخص ويرتعد منك لأنك غير متأنق انطلاقا من وجهة نظره أو أن لباسك يشير إلى انتمائك لطبقة معينة ، الأمر يجعلك تطلب من الله أن تنفتح الأرض وتبتلعك، لهذا اتجهت نحوهن وأنا أرتجف، وقلت لهن :( هل مكتوب على وجهي بأني لص ) ، وبدل الركوب في عربة (الطرامواي)، اتجهت صوب الحافلة ، وأنا أستشيط غضبا ، هنا استوقفني شرطيان وبدأ يحققان معي، بطاقة الهوية ، خذ ، أنت ابن سلا ، نعم ، ماذا تفعل هنا. كنت أعمل، أين ، قرب شارع فرنسا ، ثم بدأ يفتشان جيوبي الأمامية والخلفية ، ومحفظتي التي أحملها على الظهر ، بحثا عن شيء غير قانوني وعندما لم يجدا شيء ، تركاني أذهب في حال سبيلي، تخيل، تهرب من وضع سيء فتسقط في وضع أسوء منه."
وأنا أستمع للشاب ، فكرت : أن لا يستطيع إنسان ، ابن هذا الوطن ، الذهاب إلى بعض الأماكن لأنه لا يلبس جيدا كي يتحاشى ويتجنب تلك النظرات المُرتابة والتخوفات والشكوك . ألا يجعله هذا سجينا في سجن من نوع آخر. أي أن يكون محكوم عليك بالبقاء في مجال معين وإذا ما تجاوزت ذلك المجال دون أن تغير جلدك – أقصد ثيابك - فإنك ستعاقب. والعقاب هنا هو إحساسك بأنك لست ذا شأن . أي أنك أقل قيمة من الجميع .. إحساسك بأن مكانك ليس هنا.
أي في استبعادك من اللعب لأنك لم تنصاع للقواعد.
لكن من يضع القواعد . من يحدد أن هذا لباس مشبوه وأن هذا لباس غير مشبوه ؟ الناس . لكن أيُ ناس ؟ الناس الآخرين الذين لا يشبهوننا . لكن ماذا عنا نحن ؟ ألسنا من الناس ؟
الإجابة : لا ونعم . الأمر مُرتبط بموقع من يرى ، ففي نظرهم نحن لسنا من الناس ، نحن كلاب لا يجب أن تخرج من جحورها . وفي نظرنا ، نحن لا نختلف عن الناس ، لكن هل فعلا ننظر إلى أنفسنا باعتبارنا لا نختلف عنهم في شيء . ألسنا أحيانا بل وغالبا ما نتبنى وجهة نظرهم وننظر إلى أنفسنا مثلما يروننا . أي ننظر إلى أنفسنا ككلاب يجب أن لا تخرج من جحورها وإلا كيف يمكن تفسير أننا لا نتجاوز جحورنا إلا في حالات نادرة ، وفي هذا الحالات النادرة التي نخرج فيها يتم طردنا شر طردة .
انتشلتني النادلة من الغرق فيما كنت أفكر فيه، وطلبت مني أن أدفع ثمن المشروب ، لأنه قد حان وقت ذهابها لتحل نادلة أخرى في مكانها ، وضعت يدي في جيبي وأخرجت النقود ، مددتها لها ، وطلبت منها أن تحتفظ بالصرف . انتظرت ربع ساعة أخرى في المقهى ولما لم يأتي الصديق - جعلني مثل شخصيات صامويل بيكيت التي تنتظر جودو الذي لا يأتي - خرجت ، وتزحلقت نحو المنزل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في