الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 2

دلور ميقري

2020 / 1 / 1
الادب والفن


جزعت أمّو لما أصابَ ابنتها، بالأخص لما تكررت في تالي الأيام نوبات الصرع. كلّ من المعنيين بالأمر، من أفراد العائلة، كان له رأي في حالة زَري المسكينة. الحاج حسن، بطريقة كلامه المُسبغ عليها نبرة اليقين المبرم، قال أنّ اللعنة حلت على شقيقته لأن الدراويش سفّهوا بأفعالهم الشنيعة بركةً المقام وجعلوا الشفاعة مستحيلة والحالة كذلك. فيما سارة، من ناحيتها، أسرّت للأم الملولة بالحاجة إلى وصفات شملكان، على الأقل للتخفيف من أثر النوبات أو للتقليل من عددها ما أمكن. أمّو، علقت على رأي الكنّة، بالقول متنهدة في حسرة وكرب: " لو أن وصفات شملكان ناجعة، لما اضطر المرحوم أوسمان لطلب الشفاء عند الأطباء النصارى ". ثم أردفت بنبرة سوداوية: " طالما أنّ مولانا، قدّس سرّه، رفضَ مد يد العون لابنتي، فلا يُرجى أملٌ عند غيره. حالتها كمن سُقيَ سماً، وينتظر الترياقَ ممن سمّمه! "
" لكنننا نعلمُ ألا سم هنا، ولا سحر حتى. لقد مُنعت زَري عمن أراده قلبها، بدون أن يكون لها رأي في الأمر. هذا هوَ السبب الوحيد لمرضها. وما ذلك المشهد في التكية سوى القطرة، التي جعلت كأسها يطفح "
" الآن، أغلق بابُ الأمل من هذه الناحية أيضاً. خبرُ إصابتها بعلّة الصرع، قد انتشرَ بعدما شهد النوبة الأولى عددٌ من نسوة الحارة، ولا بد قد وصل لسمع والدة عمر "، نطقتها أمّو بنبرة اليقين وكأنما انتقلت إليها عدوى طريقة ابنها في الكلام.

***
كانت الأيام تمر بطيئة، رتيبة ومملة، وكذلك الأشهر والأعوام. في الأثناء، صارَ انشغال سارة بأمور البيت يأخذ معظم وقتها، بسبب حالة ابنة حميها. حقاً أن نوبة الصرع صارت قلما تأتي، وبصورة متباعدة، لكن كانت تترك صاحبتها على الأثر خائرة القوى لا تكاد تتمكن من الحركة. كانت زَري تمنع خصوصاً من مسّ الماء، خشيَةَ أن تدهمها النوبة عند انهماكها بطست الجلي أو وقوفها أمام البئر. في المقابل، تلوح أحسن حالاً مع أولاد شقيقها الثلاثة، وكانت الصغيرة فيهم، عائشة، محط رعايتها ومحبتها بشكل ملفت. أما في شأن القلب، وكان مثلما علمنا أساس علّتها، فإن زَري أدهشت والدة الأولاد حينَ أفضت لها ذات يوم بواقعة كانت ذات دلالة كبيرة على مدى تحسّن حالتها النفسية قياساً ببداية النوبات.
في صباح العيد الكبير، كانت زَري تقفُ أمام باب الدار تراقب ابنة أخيها وهيَ تلهو بثيابها الجديدة مع صديقاتها، لما فُتح باب منزل جيرانهم، آل كُرّي عيشة، على القامة الفارعة لحبيب الزمن الآفل. اتفاقاً ولا شك، أنهما كانا قد وجدا نفسيهما لأول مرة وجهاً لوجه في مناسبة العيد الكبير أيضاً؛ وكان مضى على ذلك ثلاث سنوات. أحست الآنَ بالحرج تلقاء نظراته الثابتة، ما دعاها للتشاغل بمناداة عائشة الصغيرة كي تدخل إلى البيت. كون الزقاق خالٍ وقتئذٍ إلا من هؤلاء الأطفال، لم يكن من عمر إلا أن خطى باتجاهها في جرأة ليهمس في حرارة، " لو شئتِ، سأرسل والدتي مجدداً للتكلم مع أهلك في شأن عرض الزواج؟ ". رد الفتاة المسكينة الأوليّ، كان انفجار دموعها. ثم قالت له بصوت خفيض، مرتعش، قبل أن تتوارى وراء الباب، " لا أرجوك، لا تفعل ذلك. لقد قبلتُ بنصيبي، وما عليك إلا أن تبحث عن نصيبك في مكان آخر ".
زَري، كانت ما تفتأ تملك الكرامة كي ترفضَ عرضَ زواجٍ قائماً على شعور الشفقة، ولو أنه صادرٌ عن الحبيب.

***
عقبَ علم سارة بخبر رفض ابنة حميها لعرض الزواج ببضعة أيام، جاءتها السيدة أديبة في إحدى زياراتها، التي كادت أن تصبح نادرة. قالت لابنتها بطريقتها المباشرة في الكلام، " لم أرغب بالمجيء في العيد، وذلك كي لا أضطر لرؤية زوجك! ". كانت ما تنفك على حيويتها، ولو أن بشرتها أضحت أكثر خشونة تحت سماء البلدة الجبلية. أعربت سارة عن ضيقها من قلة زيارات أمها، وأنها لا تكاد تطل عليها مرتين في العام.
" كان يجب أن تلومي رجلك، لأنك لا تزورينني حتى مرةً في العام "، ردت الأم ساخطة وهيَ تلوح بيدها كأنما تطرد صورة الرجل المجسّمة في خيالها.
" هذا طبعه، وأنا أعتدت عليه مثل المقدور "، قالت سارة بنبرة تسليم.
" على الأقل، أطلبي منه أن يقبل حضورك عرس خالك رمضان، الذي سيُحتفل به أول الصيف "
" مبارك عليكم، أماه، وبإذن الله تفرحي بذريته أيضاً "، قالتها الابنة مبتسمة ثم استدركت: " أما بخصوص الدعوة، فلا أضمنُ موافقة الحاج حسن "
" لعله ينتظر خبرَ موتي، ليتفضّل عليكِ بالإذن لزيارة الزبداني؟ "، تساءلت السيدة أديبة وكانت تغلي حنقاً. طوقتها عندئذٍ سارة بيديها، قائلة، " بعيد الشر عنكِ، إن شاء الله يكون الموت نصيبَ أعدائك "
" لم يعُد لي أعداء، يا ابنتي، ولله الحمد ". وكادت أن تكمل الجملة، للقول: " اللهم إلا لو كان الحاج حسن يعتبرني خصماً! ".
في عشية اليوم نفسه، وكانت الأم قد غادرت رافضةً المبيت ولو ليلة واحدة، فاتحت سارة رجلها في شان دعوة الزواج. هز رأسه بحركة متوالية، دلالة على الشعور بالضيق، قبل أن يرد بالقول: " أظن السيدة والدتك، بنفسها، لديها مشروع زواج جديد؟ "
" رباه، ماذا تقول يا حاج؟ "، هتفت سارة مستاءةً ومصدومة في آنٍ واحد. أجاب، مشفقاً نوعاً: " كذلك نمّ إليّ من مصدر ثقة، وأن الأمر يتعلق أيضاً بشاب يصغر السيدة أديبة كثيراً في السن. لو أنني أضمن سماعها كلامك بالعدول عن المشروع الجنونيّ، لأرسلتك منذ الغد إلى الزبداني كي تبقين فيها أسبوعاً لو شئتِ ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | شراكة تعد بولادة جديدة للسينما العربية..تفاصيل الم


.. ما هو اكثر شيء يزعج نوال الزغبي ؟??




.. -احذر من صعود المتطرفين-.. الفنان فضيل يتحدث عن الانتخابات ا


.. الفنان فضيل يغني في صباح العربية مقطعا من أحدث أغانيه -مونيك




.. مشروع فني قريب بين الفنان فضيل وديانا حداد وجيبسي كينغ