الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 3

دلور ميقري

2020 / 1 / 2
الادب والفن


والدة سارة، مرّت بظروف صعبة غبَّ افتراقها عن الزوج الثاني بطريقةٍ لا تقل امتهاناً لكرامتها عما جرى مع سلفه. لكن الحالة في هذه المرة لم تكن تتعلق بعشيقة، بل بما هوَ أسوأ؛ وذلك لو تذكّرنا أن السيدة أديبة، هيَ امرأةُ أعمال في المقام الأول: محمد أفندي، ما اكتفى بنهب ما أمكنه من مال الزوجة، المعدّة من كبار الملاكين، وإنما رفض أيضاً طلبها الطلاق عقبَ افتضاح أمره.. أو لنكن أكثر دقة، أنه وضع شرطاً قاسٍ للطلاق؛ وهو أن تتنازل له السيدة أديبة عن أحسن قطعة أرض تمتلكها في البلدة. لم تعُد تضمن أن يقف في صفها رجلٌ ذو نفوذ، مثلما كان الأمر مع المرحوم طراد آغا. هكذا وبعد طول ممانعة، اضطرت للتسليم بما طلبه الرجل الجشع كي يكون في وسعها التحرر ومن ثم النظر في أمر القلب، المشغول برجل آخر: كان مُحقاً، الحاج حسن، لما أخبر امرأته بكون أمها على استعداد للزواج للمرة الثالثة. بيد أنه لم يهتم بالموضوع، قدرَ انزعاجه من حقيقة، أن أولاده سيكبرون وينم لعلمهم كيفَ كانت جدتهم لأمهم من أغنى نساء الحي ثم بددت ثروتها وأملاكها على أزواجها، الواحد تلوَ الآخر.
في مبتدأ الصيف من ذلك العام، المختتم فيه القرن التاسع عشر، احتُفل في البلدة بزواج الشاب رمضان من إحدى قريبات أبيه. السيدة أديبة، كانت قد انتزعت بعضَ حقوق الشاب من أولاد عمه، وأصلاً مشروع الزواج كان من سياق الاتفاق بينها وبينهم. سارة، التي حضرت العُرس، علّقت على الأمر بقولها للأم: " كل شيء يتغيّر، سوى أمثال هذه العادة السيئة "
" زواج المصلحة، سنّة نبوية لو تعلمين يا فتاة! "، ردت السيدة أديبة بنبرة رصينة. تضاحكت سارة ثم قالت: " تذكرينني بالحاج حسن، لناحية قلبه الحقائق لصالح وجهة نظره بمبررات دينية ". بقيت الأم تتأمل ابنتها الجميلة، وكانت هذه تتألق في كامل زينتها وأناقتها بمناسبة الحفل. ما مسّ شغاف قلبها، وجعلها تستنكف عن المجادلة. ربما اغتبطت السيدة أديبة، فوق كل شيء، لواقع الوفاق بين سارة والحاج حسن، قياساً بحالتها هي؛ السيئة الحظ مع الرجال، بحيث أن زيجاتها كانت أشبه بالصفقات بين شركاء رأس مال.. وكانت دائماً الخاسرة فيها!

***
حكاية الزواج الجديد، اعتُبرت أشبه بفضيحة في البلدة الجبلية وكانت ملائمة لفصل الشتاء الطويل كي يتم في لياليه سرد تفاصيلها مع مزيدٍ من البهارات المناسبة. لقد أعيد هنا ذكرُ الأستاذ عدنان، بطل الفضيحة المتعلقة بابنة البلدة، حوريّة، الهاربة من أحضانه إلى أحضان صديقه النصرانيّ، وبعدئذٍ ما كان من اختفائها مع هذا الأخير، أبداً. ولكن، كيفَ قبلت السيدة أديبة الارتباط مع الأستاذ، وكانت كما علمنا تحتقره بسبب تلاعبه بعواطف مَن كانت غريمتها ومن ثم صارت تشفق عليها حدّ الإفضاء لها بحقيقته؟
باختصار، أنّ المرأة الثرية، وكانت تُصيب العلقم يومياً في حياتها مع الزوج الجشع، انفتحَ قلبها للأستاذ وذلك على أثر محادثة جرت بينهما، وكان من المفترض أن يكون موضوعها دراسة ابنها إبراهيم. مضى نحو عشر سنين على ابتداء الابن للدراسة، وكان يرغب في المزيد من العلم لولا أنّ ذلك متعذرٌ في البلدة. عندئذٍ أرادت السيدة أديبة الاستئناس برأي معلّمه، فدعته إلى منزلها مستغلةً غياب رجلها في عملٍ بالمدينة. جلسا لوحدهما في الترّاس، إنما تحت أنظار المربية آمنة؛ وكانت هذه مع إبراهيم في الصالة الأرضية. استمعت إلى رأي الأستاذ عدنان، بأن خيراً لابنها أن يتم تسجيله في إحدى مدارس الشام، المخصصة لأولاد الذوات.
" نعم، إنها فكرة جيدة. في وسعه هناك السكنى بمنزل أبي في صالحية الأكراد، وأكون في هذه الحالة مطمئنة وهوَ بعيدٌ عني "، أبدت رأيها وكانت تحملق فيه باهتمام. لقد واتتها عند ذلك فكرة، أنّ الجالس أمامها دخل في منتصف الحلقة الثالثة من العُمر وما زال أعزبَ.
قال لها، وكأنه استشف مغزى نظراتها: " الزمن، في هذه البلدة الجبلية النائية، مما لا يُعتد به "
" بلى، إنني بنفسي جئتُ مع أبي إلى الزبداني وكنتُ في العاشرة من عمري، وأشعر كأن ذلك حدث بالأمس "
" معنى ذلك أن ذاكرتك هيَ من القوة، أنك تذكرين ما أشيع عني في البلدة من أقاويل حينَ هربت قريبتكم حوريّة مع شخص نصرانيّ؟ "
" إنها لم تكن قريبتي، بل أرملة والدي. وأعتقد أنه كان صديقك المقرب، ذلك الشخص؟ "، قالتها السيدة أديبة مشددة على المفردة الأخيرة. اصطبغت سحنة المعلم بحمرة الخجل، ورد متلعثماً منتزعاً عينيه من عينيها: " آه نعم، كان كذلك! ". ثم أردفَ وهوَ يشملها بنظرة سريعة: " قد لا يهم بالنسبة إليك أيّ توضيح، يخص تلك الأقاويل المسيئة في حينه لشرفي. لكنني صدقاً مهتمٌ أن تعرفي الحقيقة، وهيَ أنني قطعت صلتي بحوريّة على خلفية ما علمته عن دورها في تخريب حياتك الزوجية. ببساطة، كنتُ أعتبر نفسي مديناً لك، كونك أسهمت بإنقاذ حياتي حينَ أصبتُ بالملاريا أو ربما الحمّى الصفراء. غير ذلك، وبصراحة أكثر، أنني طالما كنتُ معجباً بك كامرأة ذات شخصية مستقلة وتضارع الرجال في ميدان الأعمال إن كانت زراعية أو تجارية ".
عند هذا الحد، اتسعت عينا السيدة أديبة دهشةً، فيما فكرة غريبة كانت تتسلل إلى رأسها: " رباه، أبعد هذا العُمر من الممكن أن أروق لشابٍ دمشقيّ، متعلم، يصغرني بلا أقل من عشرة أعوام؟ ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | شراكة تعد بولادة جديدة للسينما العربية..تفاصيل الم


.. ما هو اكثر شيء يزعج نوال الزغبي ؟??




.. -احذر من صعود المتطرفين-.. الفنان فضيل يتحدث عن الانتخابات ا


.. الفنان فضيل يغني في صباح العربية مقطعا من أحدث أغانيه -مونيك




.. مشروع فني قريب بين الفنان فضيل وديانا حداد وجيبسي كينغ