الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابو نبيل الشلاح... تحية

شمس الدين العجلاني

2006 / 5 / 29
حقوق الانسان


من يقف اليوم أمام دار البرلمان السوري ( مجلس الشعب ) يدرك انه يقف أمام صرح معماري عريق يعبق بالتاريخ والبطولة لكل حجر منه حكاية ، وفي كل ركن داخلة أسطورة ، يؤرخ دار البرلمان السوري ذكريات وأحداث ومشاهد تراكمت مع أيام وليال قديمة سجل من خلالها رجالات سورية تاريخا عملاقا ناصعا يشهد على إلياذة سورية الخالدة : ( سورية كرمة قد نمت قدما أمام وجه الشمس 00و أعطت عنبا لذيذا تمجدت بطعمه الآلهة 00 وخمرا سحريا شربت منه الإنسانية فسكرت ، ولم تصح بعد من نشوتها – جبران خليل جبران ) 0
شهد دار البرلمان السوري مواقف رجالات سورية ، وشهد على انتصارات شعبنا وتحدي المستعمر و أرخ لبطولات شعب أبي يعشق الحرية والكرامة 00 ومن هؤلاء الرجال الذين كتبوا إلياذتهم الخالدة على صفحات التاريخ والغائبة عنا جميعا لأننا لا نتقن فن قراءة التاريخ 00 ؟ وبالتالي لا ندري أن الأمة التي لا تقرأ تاريخها لا يمكن لها بناء مستقبلها 0 و من هؤلاء الرجال أبو نبيل الشلاح 0
الشهيد الحي :
أبو نبيل الشلاح هو الشرطي إبراهيم الياس الشلاح رقمه العسكري ( 782 ) مواليد دمشق عام 1909 من سكان محلة باب توما التحق بمرتبات شرطة البرلمان ،متزوج وله عدة أولاد وكان شاهدا وشهيدا حيا على الاعتداء على دار البرلمان السوري يوم 29 ايار عام 1945 ، حيث أصيب آنذاك إصابات بالغة أثناء دفاعه عن البرلمان حين اخترقت جسده ثلاث رصاصات وشق الساطور وجهه وانفه و أصيب بعدة كسور في رأسه وأطرافه وشاء القدر أن يعيش بالرغم من كل ذلك ليكون شاهداً على تلك المجزرة المخزية التي وقعت داخل المجلس النيابي، يروي حكاياتها وفصولها بكثير من المرارة والحزن والأسى بل بدموع من الدم إلى أن جاءه الموعد المحدد فرحل في الرابع والعشرين من أيلول من عام 2002 عن عمر يناهز الـ 93 عاما وتم تشييعه آنذاك في احتفال جنائزي بسيط لم يشارك به سوى أهله وجيرانه.. بعد أن سطر أسطورته في الدفاع عن البرلمان السوري. ‏
واليوم تمر ذكرى التاسع والعشرين من أيار حين واجهت حامية البرلمان من رجال الدرك والشرطة الذين كانوا يحرسون مبنى البرلمان نيران وقذائف المستعمر ، حين تصدى حفنة من الرجال الأشاوس لقوات المستعمر وصمدوا في وجه عمليات التدمير الوحشية 00 وكان من هؤلاء الرجال الشرطي أبو نبيل الشلاح ، والذي قدم بتاريخ 24 حزيران عام 1945 تقرير إلى وزارة الداخلية السورية بخط يده يروي فيه يوم التاسع والعشرين من أيار فيقول : (في مساء يوم الثلاثاء الواقع في التاسع والعشرين من شهر أيار لعام 1945 بينما كنت في البرلمان مع بقية المراتب وعلى رأسنا المفوض الثالث السيد سعيد القهوجي، اذا بالسلطة الإفرنسية من الأركان الحربية ترسل إنذاراً إلى حامية الدرك الموجودة في البرلمان لزوم اخذ التحية الرسمية للعلم الافرنسي حين إنزاله من على بناية الأركان الحربية وإلا فالسلطة المذكورة تكون مضطرة لاطلاق الرصاص عليهم. وحوالي الساعة التاسعة عشرة من الوقت المذكور انزل العلم المذكور دون ان يقوم احد من رجال الدرك والشرطة الموجودين في البرلمان بأخذ التحية التي كلفوا بها. وبعد برهة عشر دقائق تقريباً بوشر بإطلاق الرصاص والقنابل وغيره من الأسلحة المتفجرة على البرلمان من جميع اطرافه ودام ذلك حتى الساعة العشرين والنصف تقريباً حيث شاهدت الشرطي محمد مدور يهبط علينا من الطابق العلوي مضرجاً بدمه وبيده بندقية انكليزية فطلب اليه المفوض سعيد القهوجي ان يذهب الى إحدى الدور المجاورة لاسعافه فأجابه الشرطي محمد انه لا يريد الذهاب بل يفضل البقاء في البرلمان والموت فيه.. وفي هذه الأثناء تقدم الى القائد شفيق المملوك وطلب الصعود الى الطابق العلوي من بناية المجلس لمساعدة رجال الدرك لانزال القتلى والجرحى فأسرعت لتلبية هذا الطلب بعد ان امرني المفوض السيد سعيد. وفي الطابق العلوي شاهدنا احد رجال الدرك مجروحاً والبقية قتلى مهشمين وكان اطلاق النار لايزال مستمراً بشدة، وتهدم قسم من واجهة بناية البرلمان الداخلي. وتمكنا بعد جهد من إنزال بعض الجرحى وبقية القتلى وهناك تفقدت المفوض السيد سعيد مع الشرطيين الذين كانوا برفقته فلم اجدهم فتقربت من الشرطي السيد محمد الجريح وسألته عن المفوض ومن معه من رجال الشرطة فقيل لي انهم خرجوا الى الحديقة. وفي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ونحن لانزال في القبو واطلاق النار لايزال مستمراً بشدة على بناء المجلس اذ يواجهنا هجوم الدبابات من باب الحديقة الخلفي وبرفقتها مشاة من السنغال فدخلوا الحديقة وهم يطلقون النار من البنادق والقنابل والرشاشات (ويقولون كلمة انفان الى الأمام) فاستمروا بزحفهم هذا الى باب قاعة المجلس الداخلية دون ان يكفوا لحظة عن إطلاق النار وفي هذه الأثناء كنا نسمع اصوات الذعر والاستغاثة تنطلق من رجال الدرك الموجودين بالقاعة الداخلية للمجلس. وبينما نحن على هذه الحال إذا بخمسة رجال من جنود الدرك يلقون بأنفسهم علينا من نافذة ارضية تطل على القبو وعلى مايظهر ان هؤلاء الجنود قد شوهدوا اثناء قيامهم بهذه العملية من الجنود الافرنسيين والسنغال فاتجهت انظارهم الينا واخذوا يصبون النار من اسلحتهم المختلفة علينا فما كان من احد هؤلاء الدرك إلا ان صاح بقوله (سلمنا) وذلك باللغة الافرنسية فتوقف اطلاق النار وخرجنا مستسلمين رافعين ايدينا الى اعلى ولدى وصولنا اليهم اخذوا يتحرون ويأخذون ما يعثرون عليه من دراهم واشياء وغيرها. وبعد ان فرغوا من تحرياتهم هذه جردونا من اسلحتنا وكل مانملكه. ‏
وكان جملة ما اخذوه مني البندقية الحربية التي استلمتها من الشرطي الجريح محمد مدور وخراطيشها ومسدسي الأميري والدراهم وغيرها. ثم ابتعدوا عنا مقدار ستة أمتار وباشروا بإطلاق النار على كل فرد منا فوقعنا جميعاً على الأرض من جراء الإصابات التي اصبنا بها وكان نصيبي من هذه الاصابات رصاصة دخلت من ثديي الأيسر وخرجت من القرب من الثدي الأيمن وأخرى في خاصرتي اليسرى خرجت من الخلف وثالثة في يدي اليسرى ايضاً فحطمت عظم مشط الكف. ثم بعد عملية الاعدام هذه اقترب مني احد جنود السنغال وضربني بساطور كان بيده على انفي يقصد بذلك قطع رأسي ولكن الحمد الله تعالى جاءت هذه الضربة خفيفة فكانت سبباً لسلامتي منها إلا من جرح بليغ لايزال اثره ظاهراً ثم سدد الي ضرباً على رأسي من (البسطار) الثقيل الذي كان يلبسه في رجله فجرحني جرحاً بليغاً لايزال باقياً حتى الآن ثم بعد ان ذهب هذا الجندي بعيداً عني اخذت انظر من طرف خفي الى رفاقي الذين كان يمثل بهم من قبل السنغال ايضاً فشاهدت ان واحداً منهم تقدم الى المفوض سعيد القهوجي واخذ يضربه بساطور على رجله اليسرى ويده ضربات متواليات حتى قطعهما ثم فقأ عينيه بحربته. وهكذا فعلوا بالشرطي محمود جبيلي وبقية رجال الدرك الخمسة الذين كانوا معنا. كل ذلك جرى على مرأى ومسمع مني اذ كنت لا أزال من شدة الرغبة في المحافظة على حياتي محتفظاً بوعيي الكامل وأستجير بالله تعالى في قلبي ان يمنع عني شرهم ثم بعد ان فرغوا من مهمتهم الوحشية هذه تركونا وذهبوا الى جهة ثانية فأحببت أن أتنفس الصعداء فأتيت بحركة بسيطة لعلمي انه لايوجد احد يشاهدني، غير ان ظني هذا كان وهماً فإن جنديين سنغاليين من خلفي شاهدا حركتي هذه وصوب احدهما بندقيته وأطلق علي عياراً منها ألا انها لم تخرج وذلك لما في اجلي من تأخير. ‏
وحوالي الساعة الرابعة صباحاً جاء بعض الجنود ومعهم سيارة كبيرة واخذوا يضعون فيها جثث القتلى من درك وشرطة، ولدى وصولهم إلي أظهرت لهم انني لاأزال على قيد الحياة فتقدم جندي برتبة (سرجان) وطلب من بعض الجنود احضار سدية حيث اخذوني الى المستشفى العسكري الافرنسي. هناك شاهدت الشرطي السيد محمد مدور وجنديين آخرين من رجال الدرك في غرفة العمليات. ثم اجريت لنا الاسعافات اللازمة بمعرفة الطبيبين البيرقدار والصباغ والطبيب الافرنسي شارل ونقلنا الى غرفة مظلمة علمنا بعدئذ انها سجن وبدخولنا اليها وقع نظرنا على سبعة من رجال الدرك مصابين بجراح مختلفة وهكذا بقينا في هذه الغرفة من صباح الأربعاء الموافق 30 أيار سنة 1945لغاية الساعة 11 من يوم الاثنين الموافق في 4حزيران سنة 1945 حيث جاءت سيارة من سيارات الإسعاف البريطاني ونقلتني الى مستشفى الطلياني كما نقل رفاقي الى مستشفيات اخرى.
واسدل الستار :
هكذا كان ابو نبيل الشلاح الشهيد الحي الذي عاش بعد استشهاده 75 عاما ليكون شاهدا على تلك المجزره المخزية التي وقعت داخل المجلس النيابي. ‏ونتساءل هنا ماذا قدمنا لابي نبيل الشلاح الشرطي الشاهد والشهيد عن الدفاع عن اعرق مباني دمشق، عن معقل الديمقراطية السورية ألا وهو البرلمان 00 فحين أسدل الستار وانتهت المسرحية وترجل أبو نبيل الشلاح عن صهوة جواده يوم الاثنين في الـ 24 من أيلول عام 2002 بعد 75 عاما من نجاته بأعجوبة من مجزرة البرلمان تم تشييعه في احتفال جنائزي بسيط الى مثواه الأخير في كنيسة الصليب المقدس في دمشق مخلفا لنا ولأولادنا وأطفالنا وللعالم اجمع أسطورة خالدة في الدفاع عن كرامة الوطن وحرية الوطن وانه سطر في تاريخنا انه من حماة الوطن. ‏
رحل الشهيد الحي دون ان نقول له وداعا، دون ان نسمع ان أي جهة رسمية قامت بعمل ما لهذا الراحل، دون ان نسمع او نقرأ ان جهة إعلامية قالت لنا... لأولادنا .. لاطفالنا من هو هذا الرمح الشامخ الذي رحل دون وداع..؟ ومرت ذكرى رحيله الأولى، والثانية و000 ومرت ذكرى التاسع والعشرين من ايار سنه بعد سنة 000 ونتساءل ماذا قدمنا لهذا الشهيد الحي 00 ؟
ايها الشهيد الحي ابو نبيل الشلاح في يوم التاسع والعشرين من ايار ننحني امام قامتك الشامخة ونقول لك، وداعاً ياشهيدنا الحي ابراهيم الياس الشلاح(أبو نبيل) وسنبقى نذكرك ونذكر بطولاتك في الدفاع عن البرلمان السوري. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين