الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في الحتميات

مازن كم الماز

2020 / 1 / 4
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


أحد أكبر أخطاء الماركسية هو إيمانها بحتمية ما , أن العالم خلق أو وجد لغرض ما , وفق وصفة أو قانون ما , لكن هذا غير صحيح للأسف الشديد .. ليس فقط أنه وجد أو خلق بالصدفة و يستمر وفق "قانون" الصدفة , دون مخطط أو هدف مسبق , لقد خلق العالم نفسه بنفسه و هو يستمر بذلك دون توقف , و عند كل خطوة , مع كل "تطور" , كان العالم يخترع , يبدع "قوانينه" و يغيرها باستمرار .. لكن الاختراع الحقيقي لما أسميناه قوانينا جاء مع المادة الواعية , مع ظهورنا نحن البشر .. ما أن ظهرت الحياة أو المادة العضوية من المادة غير العضوية , حتى أصبح الصراع على الموارد المتاحة هو "قانونها الأول" , الرئيسي , هذا الذي رآه ماركس صراعا طبقيا , و سماه داروين "صراعا من أجل البقاء" , و أطلق عليه مالتوس و سميث و هوبز و غيرهم أوصافا مختلفة , الصراع الذي أصبح الدافع الفعلي للحياة للحصول على طعام أفضل أكثر و بلوغ "مستويات أرقى" من التكيف و القدرة على السيطرة و أخيرا التفكير .. كم كان سيكون رائعا و مريحا لو أن العالم خلق وفق خطة محددة للوصول إلى نهاية أو غاية ما , مخطط لها سلفا بل و حتمية , إجبارية , كان ذلك العالم سيكون سعيدا بالفعل , حتى للأغبياء , خاصة للأغبياء , لكن فقط الغبي ذلك الذي يتصرف بطريقة "حط رأسك بين الرؤوس و قول يا قطاع الرؤوس" هو الذي يمكنه اليوم أن ينعم بتلك الراحة .. لقد ساهمنا بإيماننا بقوة تفكيرنا و بإطلاق العنان له لفهم عالمنا و أنفسنا بتحطيم كل الأوهام التي ساعدت البشر الأوائل على أن يعيشوا هنا و يتكاثروا , يبنوا و يحطموا , يقتلوا و ينهبوا دون أن تعذبهم أية أسئلة وجودية كبرى .. مع الاعتذار من كل إسلاميينا و علمانيينا الذين يرددون كلامهم , ليست الشورى هي ذاتها الديمقراطية , و مع الاعتذار من رفاقي التروتسكيين و الماويين , ليست الرأسمالية مجرد إنتاج سلعي أو بضاعي .. كل هذه هي ظواهر جديدة , متغيرة , متجددة باستمرار .. إن محاولة تصويرها و تصوير العالم على أنه حالة أو مجموعة حالات ثابتة نهائية ليس إلا خدعة ضرورية أو قصور كامن في الوعي الإنساني ذاته .. إن الوجود بكل تجلياته , التفكير , الجسد , و تفسيراتنا المختلفة لهذا الوجود , كالجمال و القبح , الحب , الحزن , الضحك و البكاء , الكآبة , الأمل , التمرد , الثورة , الشعر , الموسيقا , السخرية , الخ هذا الوجود هو ظاهرة عظيمة بكل الأبعاد , لكن في نفس الوقت تافهة حسب تصنيفنا للأمور أو ظواهر الحياة اليوم , لقد وجدنا جميعا لأن رجلا و امرأة دفعتهما الغريزة ليمارسا الجنس , هذا سبب وجود كل البشر , كل شيء .. أعرف صعوبة هذا الكلام بالنسبة للإسلاميين و غيرهم من الدوغمائيين الذين يفضلون الغباء المريح على التفكير الحر و التحليق عاليا فوق التابوهات و خارجها .. أشعر تماما بشعوركم , فأنا لست وحشا يريد أن ينغص عليكم راحتكم و وجودكم , وحشا يريد أن يقلب أحلامكم إلى كوابيس , بل صدقوني , كم يسعدني أن تموتوا , تقتلوا , تذبحوا , تسحلوا , تصرخوا , تكفروا , تخونوا , تحاكموا , تقمعوا , كجماعات منفلتة و أفراد منضبطين , أن تنتحروا مع ما يمكنكم من "الكفار" أو "الأعداء" و أنتم تنتظرون حورياتكم و أنهار اللبن و العسل .. لا أريد أن أسلبكم حورياتكم و لا جحيمكم و جحيم آباءكم الذين تزجون فيه كل منافسيكم على الذهب و الفضة و الصولجانات و الإمساك بسياط السجانين , لن آخذ منكم إحساس الجندي الذي ينتظر بفارغ الصبر الأمر بمهاجمة الأعداء , قتلهم , و بالموت , بالاستشهاد .. و لا يزعجني أن مثل هذا الشعور و ذلك الهوس بوظيفة الجندي الذي ينتظر فقط أمر الهجوم يستحوذ على كل من يؤمن بحتمية ما , دينية أو غير دينية .. ليس غريبا أن لينين تحدث عن المهمة التاريخية للطبقة العاملة .. لسنا ( لستم ) أكثر من منفذين , تختلفون فقط حول من يصدر الأوامر و ما هي هذه الأوامر .. لكن العالم من حولنا يسخر من كل حتمياتكم و قوانينكم و مقدساتكم بطريقته الخاصة .. أنتم لا تنتبهون مثلا إلى تفاهة "حج" الأحياء إلى قبور الموتى و ترديدهم لكلمات تافهة أو غبية بكل تقديس لمجرد أنها قيلت قبل عقود أو قرون , هذا من بين أشياء لا عد لها لا يمكن أن يرتكبها من تصفوهم بالمجانين .. أعرف أنكم تحتاجون التفاهة و الغباء كي تعيشوا , حتى لو كان ثمن ذلك ألا تفهموا , أن تعيشوا و تموتوا أغبياء .. فقط أريد أن أقول لرفاقي الماركسيين و إخوتي الإسلاميين و أترابهم أنه لا حتمية هنا , و لا فيما تقولونه و تفعلونه , إنكم تختارون بالفعل , أن الغباء أو ما تسمونه حتميات التي تؤمنون بها هي من اختياركم الحر , نصف الواعي , إن الغباء ليس حتميا كما تزعمون .. كم كنت أتمنى لو كان ادوار سعيد حيا اليوم ليرى الاستشراق على حقيقته مع ترامب و لوبين و جونسون و القادم أدهى و أعظم , كم كنت أتمنى لو رأيت استشراقك يا سعيد و قد تحول طائرات تقتحم الأبراج , كم أتمنى لو أن محمد , ذلك الذي رددت الأجيال واحدا تلو الآخر كلماته "حيث ثقفتموهم" بكل حماسة , لو أنه يستطيع أن يشاهد كعبته و السحالي وحدها تحج إليها كي تتبول هناك بعد أن يذبح آخر مؤمن به آخر كافر به , ستهزمتك حمص و دمشق أخيرا يا خالد بن الوليد , وحدها السحالي ستستمتع بالتبول و الاسترخاء على قبرك , في مساجدكم و كنائسكم و فوق آلهتكم و مقدساتكم , فقط استمروا , اذبحوا بعضكم حتى الموت , إن الكراهية هي أعظم إنجازاتكم على الإطلاق , و تستحقون عليها مثل هذا الأبوكاليبوس الرائع .. كانت فرصتكم الأخيرة أن تتبولوا أنتم على كل هذه المقدسات التي تقتلون بعضكم البعض من أجلها و ها أنتم تفوتون هذه الفرصة , مفضلين حورياتكم و السجون و الغباء .. يؤسفني أنكم لم تخترعوا حتى غباءكم , أن الغباء الذي تختبؤون خلفه ليس إلا تقليد و محاكاة لغباء العالم الذي أبدعنا ثم يتركنا لرحمة غبائنا و رحمة الصدفة التي خلقتنا , صدفة تافهة كالتقاء الأرض بجرم فضائي ما , ثانية فقط تكفي كي تلغي كل ما احتاج مليارات السنين كي يتطور و يكتمل .. إن معاركم المقدسة الجوفاء , الدموية , المجنونة , الاستئصالية , ليست إلا أكبر برهان على غباء الوجود و العالم الذي نعيش فيه , أن تهربوا من الانتحار ذكاءا إلى الانتحار غباءا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس