الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما ينبغي التفكير به

منذر خدام

2020 / 1 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


ما إن اقر الكونغرس الأمريكي قانون سيزر المكرس لفرض عقوبات على الدولة السورية، (عفوا النظام السوري) وعلى المتعاملين معها، أفرادا اكانوا ،أو جهات دولية، او شركات، حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بفرح صاخب كان أبطاله ثوار المعارضة السورية في الخارج، وعده كثيرون منهم بأنه سيضع نهاية للنظام السوري؟!! لم يتساءل ثوار سورية الأشاوس من سوف يدفع ثمن تطبيق هذا القانون، وما هو تأثيره الفعلي على النظام؟ تفيد جميع التجارب التي استخدم فيها الحصار ونظام العقوبات الدولية بانها لم تسقط نظاما، لم يحصل ذلك في كوبا، ولم يحصل أيضا في العراق، ولم يحصل في كوريا الشمالية، ولا في ايران، ولا في غيرها من بلدان تعرضت لعقوبات امريكية او دولية. الثمن كان يدفعه دائما شعوب تلك البدان فقرا في غذائهم، وفي صحتهم، وفي تخلف بلدانهم، في حين كان النظام في كل منها يزداد تماسكا وقوة.
واليوم أيضا، ما إن نشر خبر مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ونائب قائد الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، حتى شهدت شبكة التواصل الاجتماعي ثورة ابتهاج وفرح كان ابطالها بصورة خاصة، ثوار المعارضة السورية في الخارج، غلب عليها الطابع البدوي الانتقامي الطائفي والمذهبي .وكما هي العادة، لم يفكر ثوارنا الأشاوس بالنتائج التي سوف تترتب على عملية الاغتيال، ومن سوف يدفع الثمن؟.
بعيدا عن موجة فرح المعارضين السوريين وغيرهم وصخبها بمقتل سليماني والمهندس لا بد من تحليل الحدث والنظر فيما سوف يترتب عليه من نتائج سياسية.
اود بداية ان أضيئ على نتيجة مباشرة لمقتل سليماني لأبرزها حتى لا تبهت في سياق تحليلنا للحدث، وهي القضاء على الحراك الشعب العراقي واعادة توجيهه مذهبيا وطائفيا بعد أن كان وطنيا بامتياز. كان واضحا لمن أراد التبصر والرؤية ان النظام الذي جاءت به أمريكا إلى العراق بعد غزوه في عام 2003 تم تأسيسه على البنى الأهلية الطائفية والمذهبية والاقوامية الضيقة بهدف ان يدوم، وان تشتغل في داخله أليات استنزافه، واعادة تجديده، مما يقضي على أي فرصة لنهوض العراق ليؤدي دوره التاريخي في المنطقة. في هذا السياق ومن أجل تعميق وترسيخ الأسس الأهلية للنظام كانت داعش والحرب عليها وما نتج عنها من كوارث للشعب العراقي وللدولة العراقية. في ظل هذه الوقائع كان يصعب تصور أن ينتفض الشعب العراقي ضد نظامه الطائفي، وضد الدول التي تحيطه بالرعاية وهي ايران وامريكا، لكن فعل. لقد كانت توجهات الحراك الشعبي العراقي واضحة منذ البداية وهي العودة إلى الدولة الوطنية وإلغاء نظام المحاصصة الطائفي، وتحجيم النفوذ الإيراني والأمريكي في العراق. حراك شعبي جماهيري هذه هي توجهاته المعلنة كان من الطبيعي ان لا ترتاح له لا أيران، ولا امريكا، ولذلك كان لا بد من القضاء عليه، او تغيير توجهاته، فجاءت حادثة اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس لتقدم الذريعة المناسبة لذلك. خلاصة القول ان الذي استفاد من مقتل سليماني والمهندس هي ايران وامريكا معا، غير أن ايران سوف تعمل على بناء مكاسب أخرى على مقتله على حساب أمريكا.
وبالفعل فإن لدى ايران خيارات كثيرة سوف تعمل على الاستفادة منها إلى حدها الأقصى مستفيدة من المناخ العام الذي تولد عن حادثة الاغتيال. من هذه الخيارات سوف يتقدم إلى الواجهة الآتي منها:
اولاً؛ سوف تعمل ايران على جعل الوجود الأمريكي في العراق غير مريح، وباهظ التكاليف ، وهي تمتلك من الأدوات المحلية ما سوف يساعدها على تحقيق ذلك. وإذ تنجح ايران في هذه الخيار فهي ربما تقضي على أي فرصة لإعادة انتخاب ترامب لدورة رئاسية ثانية.
ثانيا؛ من المنطقي الاعتقاد بأن الادارة الأمريكية تدرك مخاطر هذا الاحتمال، لذلك سوف تعمل على الحد منه، بداية من خلال رفع منسوب التهديدات لإيران، وتاليا من خلال تقديم عروض لإيران تتعلق برفع كثير من القيود عليها في سياق عملية اخراج مناسبة ربما تؤدي الوساطات الدولية الدور الرئيس فيها.
ثالثا؛ لا مصلحة ايرانية ولا أمريكية في تصعيد التوتر بينهما بحيث يتدحرج نحو حرب مفتوحة، لذلك سوف يكون الرد الايراني مدروسا لكنه مؤلما، وقد لا يكون موجها مباشرة نحو أمريكا بل نحو مصالحها، ومنها تواجدها في بعض دول الخليج. وعلى ما يبدو بدأت بعض الأصوات الإيرانية و العراقية الحليفة لها تشير إلى بعض الدول الصغيرة التي حرضت أمريكا على القيام بعملية الاغتيال، ويقصد بها اسرائيل والكويت. بالطبع ثمة مخاطر حقيقية من اقدام ايران على ضرب هذه الدول لأنها عندئذ سوف تخسر التعاطف الدولي وتضع نفسها في موضع المذنب، وهذا يفيد أمريكا.
رابعا؛ لقد وحد اغتيال قاسم سليماني الداخل الايراني، وهذا ما سوف تشتغل عليه القيادة الايرانية للاستفادة منه إلى حده الأقصى واستثماره في معركتها المفتوحة على الصعيد الدبلوماسي على الأقل.
خامسا؛ من المنطقي الاعتقاد أن القيادة الايرانية سوف تشتغل دفعة واحدة على جميع هذه الخيارات المتاحة أمامها، وربما تبدأها بإصدار تشريع من البرلمان العراقي يحد من حرية تحرك القوات الأمريكية ويقيدها، لكن مسألة اخراجها نهائيا من العراق مسألة في غاية الصعوبة وخصوصا ان العراق لا يزال تحت البند السابع منذ حرب الكويت، هذا عداك عن أن القوى السنية والكردية وبعض القوى الشيعية لن توافق على ذلك. سوف تعمل ايران أيضا وبصورة مستعجلة على تعيين رئيس وزراء للعراق موال لها.
وتبقى المسألة الرئيسة بالنسبة لإيران هي الغاء الحصار المفروض عليها من قبل واشنطن على خلفية ملفها النووي، ويبدو لي إن الطريق المختصر والمباشر إلى ذلك هو في الخروج من الاتفاق النووي ذاته، ويبدو ان هذا ما تتخوف منه بعض الدوائر الغربية، وقد ألمحت له روسيا. ويكفي ايران في المرحلة الأولى الحد من مراقبة منشآتها النووية من قبل خبراء منظمة منع الانتشار النووي .إن اقدام ايران على هكذا خطوة سوف يجعل جميع الدول المعنية به تستنفر دبلوماسيا لإيجاد حل يؤدي إلى رفع الحصار و العقوبات عنها، مقابل العودة لتنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاق الموقع، ربما مع بعض الصياغات الجديدة التي لا تغير من جوهره. وفي مجمل الأحوال فإن ايران تكون قد كسبت نفوذا إضافيا في صيغة مصالح ما كان لها كسبه لولا عملية الاغتيال، في حين تكون قد كسبت أمريكا فقط تصفية جنرال سرعان ما يتم استبداله بغيره وهذا ما حصل. اما بالنسبة لثوار الفيس بوك الأشاوس من المعارضين السوريين فسوف يكفيهم فرحهم الصاخب غير السياسي بقتل سليماني والمهندس، ولا اظنهم سوف يكترثون للأثمان التي قد تدفعا شعوب المنطقة فهم غير معنين بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل