الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قاسم سليماني: البطل القومي والوحش الدموي .

فالح مهدي

2020 / 1 / 7
مواضيع وابحاث سياسية



لم تشهد إيران في تاريخها المعاصر خروج آلاف الناس في مسيرة تمثل وداعا في جنازة شخصية ما، إلا مرتين ، في موت الخميني في عام 1989 ،بعد ان تجرع سم وقف الحرب قبل الوصول الى بغداد، وموت قاسم سليماني في الثالث من هذا الشهر إذ قتل تلك القتلة العنيفة التي أدت الى تفحمه ولم يبق منه إلا شظايا . ولم يكن وحيدا في موته العنيف ذاك إنما قتل معه الشخص الخطير الأخر أبو مهدي المهندس المسؤول عن قتل أكثر من خمسمائة من شباب الانتفاضة .
يحتاج هذا الاحتفاء المذهل برحيل مهندس السياسة الخارجية الايرانية الى وقفة وتأمل.
لم يقدم قائد سياسي في هذه المنطقة من العالم ما قدمه سليماني لبلده إيران ، لذا فهو يستحق الثناء والتقدير عندما ننظر الى هذا الجانب من سيرته التي بدأت مع الثورة الخمينية في عام 1979 وانتهت تلك النهاية المزرية في العراق .
ولد هذا الرجل من عائلة فلاحيه شديدة الفقر في الجنوب الإيراني في جبال كرمان (*) وعندما أصبح عمره 13 عاماً، وجد عملاً ليعيل عائلته فأصبح عامل بناء.
هذا الرجل القصير القامة والجيد البنية، كان مولعاً برياضة رفع الاثقال وكان مؤمناً وتقياً. بعد عام من قيام الحرب التي شنها صدام حسين ضد إيران، شارك كمتطوع في تلك الحرب والغريب في الآمر هو انه لم يخرج منها أبدا.
وعندما نتوقف للحظات ونتأمل بموضوعية ، نجد ان سلوك هذا الرجل كان سليماً ولم يكن طفيلياً كما هو الحال مع صدام حسين وبطانته ومن جاء بعده فوق ظهور الدبابات الايران. لقد كان من ضمن المتطوعين الشجعان في الفصيل الذي تم إنشاؤه في تلك الأيام. لقد جمع ذلك الفصيل: قوميين، سفلة وأصحاب سوابق ، إضافة الى المتدينين . واصبح ذلك الفصيل نواة الحرس الثوري. من المهمات الخطيرة التي كان يقوم بها ذلك الفصيل هو ان يجد له مكاناً خلف مواقع العدو العسكرية حيث يقوم بعمليات استطلاع . قاسم سليماني كان شجاعاً ولم يختف بحفرة في اللحظة التي تتطلب منه الدفاع عن شرفه هو بالذات!
هذه الحرب التي امتدت الى ثمان سنوات وأدت الى موت ما يقارب المليون من كلا الجانبين، علمت هذا الرجل كراهية الغرب، الذي أعلن مساندته لصدام حسين في حربه ضد الجمهورية الإسلامية.
كانت الحرب التي شنها صدام حسين ضد جمهورية العمائم ، المناسبة لكي يبرز نجمه وتبرز مواهبه في الدفاع عن إيران عن طريق الآخرين ، في العراق وسوريا ولبنان وحتى أفغانستان .
ما ان انتهت الحرب حتى عين قائداً للحرس الثوري في منطقة ولادته ، ومن ثم عين لإدارة شؤون الحدود مع أفغانستان. لم يختف نجمه بل ازداد توهجاً إذ عين قائدا لفيلق القدس بفترة زمنية قصيرة بعد استيلاء الطالبان على السلطة في أفغانستان.
لقد اثبت هذا الرجل على موهبته الفذة في حماية ايران أولا وليدخل كل الاخرين في الجحيم. لذا وعندما أدرك النظام الطلباني السني المتطرف يمثل تهديداً لإيران، قام بمساندة المجموعات المعادية لذلك النظام .
تجربته في أفغانستان ودرايته بذلك البلد سمح له لاحقاً بالتخطيط لتدمير ليس كل من يقف أمام طموحاته ، بل بكل من يقف أمام الطموح الإيراني الذي يخطط لصناعة إمبراطورية تكون عاصمتها بغداد !
لقد كان محظوظاً، فالهجوم الانتحاري على برجي التجارة في نيويورك في عام 2001 من قبل رجال القاعدة ، دفع الولايات المتحدة للتفكير بغزو أفغانستان. وكأي براغماتي وواقعي وسياسي ماكر اقترح تقديم خدماته للولايات المتحدة. ولم يكن هذا الامر سراً فقد عرضه امام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. لقد كان يرغب بتقديم المساعدة الى ( الشيطان الكبير) فقدم الكثير للأمريكان في مشروعهم لإسقاط ذلك النظام في كابول . فقام بإرسال ، بعض معاونيه لمقابلة كبار رجال الدبلوماسية الامريكية في جنيف حيث قُدمت لهم خرائط أفغانستان ، والمواقع التي يتموضع فيها المقاتلون الأفغان. لم يكتف سليماني بذلك ، بل عرض على الأمريكان خطة هجومية!
ومع كل موهبته بيد ان خطته للتعاون مع الآمريكان تبخرت ، ففي 29 من نوفمبر من عام 2002 ألقى الرئيس الأمريكي جورج دبليوبوش خطابه عن ( محور الشرر) وأشار الى ثلاثة دول : عراق صدام حسين وإيران العمائم وكوريا الشمالية. في تلك الأيام كان البيت الأبيض يقوم بكل التحضيرات لغزو العراق والإطاحة بحكم صدام حسين. لقد اصيب المسؤولون في إيران برعب شديد فقد ظنوا ان إيران ستكون الهدف الثاني في تلك القائمة .
انما في تلك اللحظة بالذات أنتبه القادة الإيرانيون إلى ان هناك فرصة يجب اغتنامها، فأسقاط صدام حسين سيخلص إيران من شرّ أعدائها. ومن اعظم نتائج الغزو الامريكي ان عملاء إيران من الجماعات الطائفية الشيعية العراقية كانت تحت امرة سليماني بالذات ، لذا فقد لعب هو بالذات دوراً عظيماً عند تفاوضه مع كبار الدبلوماسيين الامريكان من اجل تشكيل أول حكومة مؤقتة. ولم يترك تلك الفرصة العظيمة تضيع من يده فقام بتشكيل المليشيات الشيعية والتي ساهمت مساهمة فاعلة في الحرب الأهلية التي قامت بين السنة والشيعة وكانت إيران سليماني تؤجج نيرانها حتى لا تخبو كان ذلك في عام 2004 كنتيجة من نتائج الاحتلال الأمريكي الغبي كل الغباء في أهدافه وفي نتائجه. فعبر ذلك الغزو وجدت إيران سليماني الباب مفتوحاً ولا تحتاج الى قرع الأجراس.
ولكي يبعد الهدف الامريكي بمهاجمة إيران، قام هذا الرجل الداهية وحسب كل التقديرات التي نشرت ، بعمل كانت له نتائج كارثية على العراق. فقد اقترح على بشار الأسد فتح الحدود أمام التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وأخواتها حتى تقوم هذه المجموعات بمقاومة الوجود الامريكي في العراق. ولا اعلم ان كان هو بالذات وراء تلك الخطة الجهنمية المبنية على القاعدة التالية ( كلما غرق العراق في الفوضى ، ابتعد الهدف الامريكي من غزو ايران )، فأن كان هو فهذه شهادة أخرى على دهائه وحسه الاستراتيجي الفذ.
في مقالي الذي نشرته في الحوار المتمدن بتاريخ 1-01- 2020 ( لماذا إيران ؟) ركزت على نقطتين مثلتا العمود الفقري لذلك المقال تتمثلان في الآتي : قامت الإستراتيجية الإيرانية وبدءا من القرن السادس عشر ( الفترة الصفوية) على مفهوم حماية الهضبة الإيرانية والنقطة الثانية هو وجود ثلاث تيارات في إيران المعاصرة ( الإسلامي الصفوي، القومي ، والليبرالي ) ، وأكدت ان متى ما اتحدت أو تحالفت هذه التيارات الثلاث من الصعب دحر إيران .
قاسم سليماني الذي يلقبه بعض الكتاب والصحفيين الايرانين بحفيد كورش ، يستحق هذا اللقب بجدارة ، فهو المدافع الأول عن المصالح الإيرانية .
بعد أن هدأت حمى الحرب الأهلية بين السنة والشيعة في العراق في عام 2011 ، وترك الجيش الامريكي العراق، استفاد سليماني فوراً من تلك الفرصة،فخلق له وظيفة سامية ، أصبح عبرها الحاكم الآمر الناهي في العراق.وأصبح أمر هذا البلد بين يديه فهو من يوافق على تعين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس البرلمان.
ولكن وعندما تلقي نظرة على نتائج ما فعل تجد انه لم يكن ذكياً ولامعاً على الدوام،فقد ارتكب اخطاء جسيمة ستؤدي لاحقاً الى انهيار المشروع الايراني بخلق امبراطورية جديدة على تعاسة واشلاء الاخرين . فالحكومات التي ترأسها الشيعة كلها ودون استثناء، كانت غارقة في الفساد وبعيدة عن حب العراق كوطن وساهمت( لا سيما المالكي) في الدمار الذي اصاب العراق .
سياسة سليماني في العراق هي من سمحت بعودة الجهاديين وبروز داعش واحتلالها للموصل في صيف عام 2014.
لقد انتقل ذلك الرجل الغامض الى بغداد حتى يمنع سقوط العاصمة بغداد . هذا الفعل وبدءا من تلك السنة ادى به ان يكون شخصية علنية تعمل دون قناع وساهم في تشكيل المليشيات وبمعونة تلك الفتوى للسيستاني التي اريد لها ان تكون من حيث المبدأ جهادا كفائيا من اجل من محاربة داعش . لقد خلق سليماني اكثر من ستين جماعة من المليشيات التي تعمل تحت امرته . كان وجوده في العراق من اجل تطمين الرأي العام الإيراني من ان نيران التوحش التي التهمت اجزاءً من الجسد العراقي والسوري لن تصيبه.
لقد بقى سليماني واقفاً بشموخ عندما اهتز كل الشرق الأوسط ووقفت خلفه إيران التي لم تصبها النيران . وساهم مساهمة فعالة في كسر شوكة الانتفاضة السورية البطلة بوجه بشار الأسد ونظامه الفاشي . لقد تمكن من جلب اكثر من 250 ألف مقاتل يمثلون ميليشيات شيعية من العراق ولبنان وأفغانستان . لقد كان لتلك المليشيات التي تأتمر باوامر هذا المجرم الكبير الدور الأساسي في اجهاض انتفاضة الشعب السوري .
لقد اقتضت مصلحة إيران في عام 2015، أن يذهب بنفسه وعلى وجه السرعة الى موسكو للقاء الرئيس فلادمير بوتين، فأصبحت موسكو حليفة لدولة العمائم من اجل تدمير ما تبقى من انفاس الثورة السورية . في عام 2016 وبعد سقوط حلب مركز المقاومة السورية ، أخد سليماني صورة تحت أسوار تلك المدينة المنكوبة كمنتصر .
لقد أصبح قاسم سليماني وبمرور الزمن الشخصية الأكثر شعبية في إيران حتى عند منتقديه، حتى وجد فيه البعض نابليون المعاصر
لقد فعل كل ما في وسعه ليجنب ايران الحرائق التي اشتعلت في دول الجوار ، انما موته على هذا النحو الذي اراده هو لنفسه ، ينذر من ان النيران اقتربت من عتبة الباب الايرانية ، فعدا العقوبات التي أخذت تتزايد على نحو مّطرد ، بدأت قدرة إيران على المناورة التدمير تضيق رويدا رويدا.
من هو قاسم سليماني؟
قبل موته بزمن طويل أصبح هذا الرجل الشخصية الأكثر أهمية عند الإيرانيين ، ومع كل ما كان يوجه له من نقد فقد أحبه الإيرانيون بكل أطيافهم وعند موته العنيف ذلك اجتمعت التيارات الثلاث التي تشكل الهوية الايرامنية على بكائه ورثائه .
قاسم سليماني بطل إيراني خدم أمته وخدم شعبه ولم يفكر بمصلحته هو بالذات. هذا الرجل الذي يجله أبناء قومه كان مجرما سافكا للدماء وقاتلاً محترفاً عبر عملاءه الموجودين في دول الجوار
في عام 2009 صرّح على النحو التالي " ارض المعركة هي الجنة المفقودة للإنسانية . الجنة حيث توجد الفضيلة وحيث تكون اعمال الرجال الأكثر هيبة وتقدير "هذا القول ورد امام كاميرات التلفويون يعبر عن شوقه وحبه للعنف وعن حس سياسي عميق . هذا الجندي الوفي والخادم المطيع للطموحات الإيرانية ولسلطة العمائم ، ساهم وبشكل فعال بإعادة تكوين الشرق الأوسط وذلك بخلق محور مرتبط بإيران من العراق وسوريا وحتى لبنان .
عندما تنظر وتتأمل بملامحه عبر الصور التي نشرت له وهي كثيرة، تجد أمامك وعبر ما توحي به تلك الصور رجل هادئ الطبع متزن وحصيف ، بيد ان تلك الصورة لم تتمكن من اخفاء قساوته .
الانتفاضة العراقية والفشل الذريع لقاسم سليمان
رفعت هذه الانتفاضة العظيمة ومنذ ولادتها شعارا خالدا( أريد وطناً ) ، هذا الشعار اخرج ذلك الرجل الداهية من طوره فأوعز الى عملائه بقتل المتظاهرين الشباب الذين يمثلون شرف العراق ومستقبل العراق. كانت حساباته خاطئة هذه المرة فكلما زاد القنص الجبان والاختطاف والتغييب والجرح والاعاقة لآلاف الشباب كلما ارتفعت وتيرة الحس الثوري وتوهجت نيران الصمود.
الانتفاضة العراقية مثلت القشة التي ستنهي الحلم الإيراني بالتسيد على هذه المنطقة باسم المذهب .
لقد بلغ الغي والتمادي الإيراني وعبر هذا الرجل حداً يسمح لأي كان أن يتسأل اين ذهب ذكاء ودهاء ذلك الرجل؟ فقد قامت ايران الملالي بتغيير مصب نهر الكارون وحولته الى الأراضي الايراني غير عابئة بهذا الجار والذي هو العراق وكانت ايران العمائم على علم ان صدام حسين وقّع على اتفاقية الجزائر مكرهاً لوقف دعم الشاه الذي الذي لا يختلف عن الحكام الحاليين بشيء في سياسته الخارجية، لدعمه للتمرد الكردي في شمال العراق . ، ويقوموا بفعل يعبر عن حسن النية وطيبة الجوار وذلك بإلغاء اتفاقية شط العرب حيث تنازل ذلك الغبي عن نصف شط العرب!
ما قامت به ايران وعبر هذا الرجل الخطير يعبر عن حقد دفين لهذا البلد ، فقاموا بتلويث مياه شط العرب وذلك برمي نفاياتهم الكيمياوية فيه وساهموا وعبره بالذات بالحرب الطائفية التي حصلت بين السنة والشيعة، فقد كان هذا الرجل المتوحش من اكبر المدافعين عن قيامها وايلاع النيران فيها لكي تبقى مشتعلة الى ان يتم تدمير كل السنة في العراق .
ولم يكتف بذلك بل تدخل في مسألة الكهرباء التي قضّت مضاجع العراقيين ولم يسمح بإصلاح الكهرباء في هذا البلد المنكوب . انقل هنا تصريح نائب رئيس الوزراء في حكومة حيدر العبادي وهو رجل شيعي ومن عائلة شيعية معروفة "جاءني السفير الإيراني شخصيا وقال لي أوقف هذه المشاريع، واستطلع عن المشروع الجديد وسأل عنه، لكني لم أعطه مجالا في حينها، وكانت هذه القصة واحدة من الضغوطات التي ساهمت بأن أستقيل من حكومة العبادي". ومن ثم يضيف "إيران تفكر بمصلحتها وهذا شيء طبيعي، ويقولون إنهم في ظل الأزمة الموجود في العراق، نبيع لهم الكهرباء بملايين الدولارات"، مستدركا: "للأسف نحن لا نفكر بمصلحتنا".( راجع عربي 21 في 30 أكتوبر 2018 ).
السفراء الايرانيون في العراق هم اعضاء في فيلق القدس ومن المقربين لقاسم سليماني .
لقد بلغ الغرور بالإيرانيين حداً أوصلهم الى ما يمكننا ان نطلق عليه الغباء القاتل. ذلك التمادي وذلك الاحتقار لجار تربطك به آلاف الكيلومترات وآلاف السنين لم يدفع إيران إلا الى الدونية ، بل فكرت ولا زالت بابتلاع العراق بأسم أوهام وأكاذيب إيديولوجية ، بل تساهم بتدمير وقتل أبنائه عبر عملائها الطفيليين.
كل هذا يؤكد ان إيران وقبل تفحّم قاسم سليماني، بدأت تعد العدة لسقوط أوهامها .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) أفادني كثيرا مقال الصحفي الفرنسي لوي آمبير Louis Imbert ، المنشور في جريدة اللموند بتاريخ 4-01- 2020 ، والذي يتناول فيه سيرة هذا القائد الإيراني المتميز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس