الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن يبكيك الجميع ... سليماني

أحمد الهدهد

2020 / 1 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


من الصعب الهروب من لقطات الحشود الضخمة التي تجمعت في المدن الإيرانية حدادا على مقتل قاسم سليماني، الجنرال الإيراني الذي قُتل في غارة جوية بطائرة أمريكية. لكن لكل من يراقب بحياد، أقدم نصيحة واحدة: لا تصدق كل ما ترى.
ففي نفس هذا العام في شهر نوفمبر، يجب ألا ننسى خروج الآلاف من الإيرانيين إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد للاحتجاج على النظام، في أكبر تحد لحكم رجال الدين منذ 40 عامًا. بحسب بيانات قدمتها رويترز، قُتل أكثر من 1500 شخص على أيدي قوات الأمن، بما في ذلك وحدات الحرس الثوري التي هي تحت أمرة سليماني، وتم اعتقال ما لا يقل عن 7000 شخص. تم إغلاق الإنترنت لمدة خمسة أيام. ولم تعلن طهران بعد عن أرقام رسمية خاصة بها، مما يشير إلى أن عدد القتلى ربما كان أعلى من ذلك.
وكان للمتظاهرين رأي شديد اللهجة تضمن كلمات قاسية لسليماني ومغامراته الخارجية، وهم ينتقدون تورط إيران في سوريا ودعمها لحزب الله والعديد من المليشيات في العراق. جاء ذلك بمثابة صدمة للنظام الذي يصور سليماني على أنه ابن الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي بالتبني.
ولكن ما الذي يمكن أن تصنعه حشود المشيعين الذين يلوحون بالأعلام وهم يتدفقون عبر شاشات التلفزيون؟ دون أدنى شك، كان سليماني يتمتع بدعم من المتدينين والموالين للنظام. هذا النظام الذي لن يفوت فرصة للحشد لمناصريه وإظهار العدائية تجاه غير المؤيدين، رغم ذلك في مدينة الأهواز، حيث تحول عدد كبير من الناس إلى حداد سليماني، أجبرت الحكومة الطلاب والمسؤولين على الحضور. فقد وفرت مواصلات مجانية وأمرت بإغلاق المتاجر. وفقًا لمقاطع الفيديو توفرت من داخل إيران، فإن السلطات جعلت الأطفال الصغار يكتبون مقالات يشيدون بالقائد القتيل. وتم تشجيع طلاب الصف الأول الذين لا يعرفون كيفية الكتابة على البكاء على سليماني.
تاريخيا بإمكانك المقارنة بين مراسم الجنازة الخاصة بسليماني بتلك التي أقيمت للزعيم النازي راينهارد هايدريخ، جزار براغ، الذي قتل على أيدي عملاء الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية.
لا يمكن اعتبار سليماني مسؤولاً جيدا في إيران. ففي عام 1999، كان من بين قادة الحرس الثوري الذين طالبوا الرئيس آنذاك محمد خاتمي بسحق المظاهرات الطلابية الجامعية أو مواجهة العواقب. كما أثنى المرشد الأعلى الحالي خامنئي على سليماني لدفاعه القوي عن الزعيم السوري بشار الأسد، الذي قتل مئات الآلاف من شعبه. لذا لن تجد إلا قليل من السوريين يندبونه بل بالعكس يبتهج العديد ممن عانوا الأمرين بسببه.
ليس بالإمكان التعبير بعفوية للمجتمع الإيراني إذ تخضع وسائل الإعلام في الجمهورية الإسلامية لسيطرة شديدة. كما لا يُسمح بالتجمعات العامة إلا إذا كانت مؤيدة للنظام. يتم سجن النقاد أو إطلاق النار عليهم. (حتى من هم يعيشون خارج البلاد، يتلقون التهديد المستر أو حتى بالقتل بعضهم من على شاشة التلفزيون الوطني الإيراني بسبب التغطية لمقتل سليماني.) لذلك ليس من المستغرب استخدام جميع أدوات وموارد الدولة لتنظيم موكب جنازة.
لا يمكن التغاضي عن المشاعر التي انبثقت على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، فقد تم تسجيل آلاف من الرسائل والبريد الصوتي ومقاطع الفيديو من الإيرانيين في مدن مثل شيراز وأصفهان وطهران وحتى الأهواز، من الذين سعدوا بوفاة سليماني. شكي البعض بوضوح من التعرض للضغط لحضور مراسيم الجنازة.
العديد من الأصوات الإيرانية تعتبر سليماني مجرم حرب، لكن الصحفيين الغربيين نادراً ما يتواصلون معهم. ومن المفارقات أن وسائل الإعلام الغربية أكثر تركيزا على هذه الأمور إذا ما كانت في بلدان أخرى، مثل روسيا أو كوريا الشمالية، ولكن يبدو أنها تترك حسها النقدي عند الحدود عندما يتعلق الأمر بالجمهورية الإسلامية. في حين أنه العديد من المراسلين الغربيين يواجهون ظروفًا مروعة عندما يتعلق الأمر بالإبلاغ عن الحقيقة من إيران، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يعطى كعذر عن المرات الكثيرة التي أظهروا فيها سذاجة لا مبرر لها تجاه الرواية الرسمية للأحداث من وجهة نظر النظام.
دعونا نتذكر كم المقالات التي تنبأت حول كيفية اتحاد الإيرانيين في مقاومة عقوبات الرئيس ترامب؟ ويتوقع من نفس المحللين الذين أخطأوا حول احتجاجات نوفمبر أن الإيرانيين سيتجمعون هذه المرة حول العلم.
لن تنمحي بسهولة أحداث نوفمبر وهذا يقلل بشكل كبير من شأن الغضب والاستياء مما حدث. أذ أجبرت السلطات العديد من العائلات على دفع أموال من أجل الحصول على جثة أحبائهم من المشرحة. كما اضطر البعض إلى التوقيع على النماذج الرسمية للتنازل عن الحق في إقامة جنازة عامة كشرط لاستعادة الجثث.
قد لا يعلم البعض ما حدث لأحدى الأسر، إذ قُبض على الوالدين وتسعة أفراد آخرين من أسرة بويا بختياري، المهندس البالغ من العمر 27 عامًا والذي قُتل أثناء الاحتجاجات، لمنعهم من إقامة مراسيم الجنازة. كما تم نشر الآلاف من قوات الأمن التي تستخدم السيارات المدرعة وخراطيم المياه وحتى الطائرات المروحية لإيقاف مراسم الحداد على بعض الضحايا.
شيء أكيد إن جميع عائلات القتلى لن تمارس الحداد على سليماني. ففي عام 2009، قاد الحرس الثوري حملة القمع على ما يسمى باحتجاجات الحركة الخضراء ضد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها. العديد من أمهات الذين قُتلوا في عام 2009 وعام 2017 وعام 2019 يفرحون الإن بموت سليماني.
ستبقى الصرخات تتوالى ولسنوات أذ أن الظروف القمعية الحالية في البلاد ليست مقبولة وأن المزيد من الاحتجاجات ستندلع. وسأقولها مرة أخرى: لا تنخدع. ستشهد إيران المزيد من الاحتجاجات المناهضة للنظام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة