الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الحرب العالمية الثالثة قادمة ؟

احمد شحيمط
كاتب في مجالات عدة كالفلسفة والاداب وعلم الاجتماع

(Ahmed Chhimat)

2020 / 1 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


العودة للوراء الى رأي هنري كيسنجر في حواره مع جريدة " ديلي سكيب " الامريكية في 2015 عندما قال أن الحرب العالمية الثالثة وشيكة وقادمة بقوة، وأن طبول هذه الحرب في الشرق الاوسط أصبحت جلية، والاصم من لا يسمعها ولا يستسيغ حدوثها، وأن الجيش الامريكي مطالب باحتلال سبع دول عربية غنية بالموارد الطبيعية ، ولم يبق في الواجهة الا ايران التي تمتلك قدرة في المقاومة والدفاع عن السيادة والمجابهة ، واسرائيل الاقوى في الشرق الاوسط في سعيها لإبادة العرب وقتل المسلمين وازالة التهديدات الخارجية، ولعل أمريكا تتمتع بالقوة في حسم المعارك بفضل ما تمتلكه من أسلحة لا يعرف قوتها في الحسم أحد، أسلحة مدمرة واليات ذكية في حسم المواجهة ، وفي لحظة الهيمنة والسيطرة على الشرق الاوسط تستفيق الصين وروسيا ويتقوى حلف شنغهاي بفعل خطاب روسيا في مجابهة امريكا، والنتيجة النهائية حسب كيسنجر انتصار امريكا واسرائيل وتشكيل حكومة عالمية ، وتلك غاية الحرب في حل الازمات المالية والاقتصادية، واستفراد امريكا بالعالم الجديد وبلورة نظام عالمي تحكمه قوة واحدة، ولن تصمد الدول الاخرى امام امكانيات امريكا من العتاد والقدرة في حسم المعارك باستباق وقراءة النتائج ، حروب اشتعلت في دول عدة من العالم ولازالت مستمرة. الحروب السريعة من الجو ممكنة الحسم في زمن محدد، في قصف أهداف معينة ، وفي الميدان يصعب على الغرب احتواء الجماعات المضادة والقوى المناوئة، وتشتد المعارك وحرب الكر والفر والاستنزاف . يمكن للغرب استعمار البلدان العربية لكن زمن الاقامة في البلد سرعان ما تتحول الى جحيم، ويمكن تحويل المنطقة الى قواعد عسكرية لكن للوجود الامريكي زمن محدد للمغادرة . فالحروب مستمرة، من حرب افغانستان وشراسة المقاومة العراقية في الفلوجة الى ميلاد تنظيمات راديكالية وقوى مضادة للوجود الامريكي والاسرائيلي .

يعرف الغرب بالتمام أن الحرب واحدة حتى بوجود الاستعداد القلبي والسلاح النوعي تبقى الارض والواقع من علامات الهيمنة والسيطرة ، تندفع امريكا بكل قوتها نحو الشرق الاوسط ، تترقب اسرائيل الاوضاع الحالية، ويحبس العالم الانفاس في اشتعال شرارة الحرب الكونية من ايران اولا ، وبعدها السيطرة على الثروة النفطية الخليجية ، وما يعزز فرضية الحرب الكونية الوجود الدولي المستمر في الشرق، والتحالفات بين القوى المختلفة والاساطيل الحربية والتجارية والتدخلات الاقليمية والدولية في سوريا والعراق وليبيا، تدخلات بدافع الحفاظ على المصالح وحمايتها، وبدافع ايديولوجي في منع سقوط انظمة معينة ، حرب باردة من نوع جديد ، واستعداد اولي للمعارك الكبرى القادمة على الارض العربية . فالحرب العالمية الاولى والثانية كانت على الارض الأوروبية وبين القوميات المختلفة، اسبابها مباشرة وغير مباشرة ، في الازمة الاقتصادية واقتسام العالم بين النفود البريطاني والفرنسي، من نتائجها تشكيل الحلف الاطلسي وحلف وارسو، وانقسام العالم ايديولوجيا بين النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي، وبسقوط جدار برلين هيمنت القطبية الواحدة بزعامة أمريكا، وأعيد تشكيل النظام العالمي الجديد، ووضع سياسة العولمة وقوانين خاصة بالتجارة العالمية ، ومع الالفية الثالثة بدأت الحرب على ما يسمى الارهاب من جراء احداث الحادي عشر من شتنبر 2001 وشن الحروب الاستباقية، والحرب المباشرة من أفغانستان الى العراق، صورة الولايات المتحدة اهتزت في العالم، فكانت الحروب المتتالية في الشرق الاوسط خلفت خسائر مادية وبشرية، ورسخت تلك الحرب صورة سلبية عن وحشية الانسان في التدمير والقضاء على حضارة تاريخية عريقة كالعراق. وبعد سنوات من التوتر والهدوء كذلك عادت أسئلة الناس في مواقع التواصل الاجتماعي عن ارهاصات الحرب العالمية الثالثة خصوصا بعد مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني ، هذه الاسئلة المشروعة جعلتنا نتأمل في خطاب الثعلب هنري كيسنجر، وفي مرامي الخطاب الشعبوي للرئيس دونالد ترامب، وعودة المكبوت السياسي والاحقاد التاريخية بين الطرفين ، والتاريخ القديم في الصراع بين الفرس والروم، ومحاولة تصفية الحسابات بعدما كان الخطاب السياسي في مرحلة الرئيس كلينتون وباراك أوباما دعوة ايران الى تغيير سلوكها والعودة الى حدودها الطبيعية، وعدم دعم القوى المناوئة للغرب ولإسرائيل وتهديد جيرانها العرب بدعم الجماعات المسلحة من المذهب الشيعي، خطاب التهدئة يهدف للبحث عن الحلول العملية، وتقارب الاهداف والالتقاء في النوايا والغايات في ملفات عدة دون المساس بالمصالح الحيوية ، فالخارجية البريطانية في وضوح الموقف يعني التطابق مع وجهة النظر الامريكية في الازمات المتتالية، اعتبرت القضية دفاعا عن النفس، والحق في استئصال الخصوم والجهات المهددة للمصالح الغربية، وفي الخطاب الغربي عموما التصفية تعني القضاء على ما يسمى الارهاب، وكل التهديدات المستقبلية، ولن تنفع الكلمات وخطاب التعبئة والتحريض الا للمزيد من القوة واستهداف المصالح الحيوية والاستراتيجية لإيران حتى تدعن للسياسة الامريكية وتتمتع بالرضا والقبول في العالم ، البداية من العقوبات الاقتصادية والاتفاق النووي، والانسحاب من هذا الاتفاق، وارغام الغرب على تغيير قواعد الحوار معها ، فجاءت الاقوال نوع من التهديد والوعيد في حق من يجرؤ على المواجهة والتقليل من جدية التصعيد، وما تمثله ايران كنموذج لقوى الشر للعالم ولأمن المنطقة واسرائيل ضد قوى الخير والسلام. فالتصعيد الاني سيحول العراق والمنطقة بأكملها الى ساحة حرب شاملة، لما يمثله قاسم سليماني للنظام الايراني ، وما تعتبره امريكا اعتداء على مصالحها وهيبتها، ولن تكون اوروبا في حاجة للحروب لاحتياجاتها من الموارد الطبيعية، والشعوب العربية هي الاكثر تضررا من الحرب الشاملة، تفتيت وتفكيك المنطقة الى كيانات صغرى، سايكس بيكو جديد أشد خطورة في هواجس كيسنجر وتأملات برنار لويس، وأخطر منه العقول اليهودية في امريكا الهاربة من النازية والمحرضة على الحروب والصراعات في تحقيق اسرائيل الكبرى حسب التفسير التوراتي، من النيل الى الفرات لازال هذا الحلم قائما، أما النخب المؤثرة في الفكر والسياسة فإنها تدرك هذا الحلم القديم في التحقق والسيطرة على المنطقة بتسخير القوى الكبرى من خلال ابادة شعوب المنطقة وتفكيكها. اقتربنا من الحرب العالمية الثالثة، ولا نعرف تاريخها بالذات بل هناك ارهاصات ومؤشرات دالة تبعث الخوف في قوتها التدميرية للإنسان الذي صنع الحضارة، وتفنن في اختراعها واستوعب العبر من الحروب السابقة في الكشف عن لعبة السياسة وامراضها الخبيثة في السيطرة والغاء الاخر، وتفضيل المنافع الاحادية ضد صيانة النوع الانساني، أمريكا في خطابها الخارجي لا تعترف بسياسة عادلة ومنصفة وتوزيع معقول للخيرات، وأن ما في الطبيعة للإنسان لكي يحيا ويعيش، وحق الشعوب في السيادة على خيراتها وحقها المشروع في التقدم والنمو دون سياسة الاملاء. العالم في الفكر الليبرالي كما يقدمه فوكوياما ذلك التعبير عن قدرة العولمة في التنظيم، واحلال السلام والتقليل من الاحتقان والصراعات، ومحاربة النماذج الفاشية والانظمة الشمولية والقوميات المنغلقة على ذاتها ، العالم الرأسمالي في جوهره تعميم النماذج الممكنة في التدبير والتسيير، عقلانية الفعل السياسي في الحكم من خلال اشاعة الديمقراطية وفلسفة حقوق الانسان والتداول السلمي للسلطة وتبادل المنافع بين الامم وعدم الاعتداء، هذا النوع من الخطاب يتلاشى بفعل التيار الشعبوي الذي يسري في الغرب، وقوى اليمين الراديكالي الداعي للعداء ضد القوميات الاخرى وضد "الأسلمة" والاستبدال العظيم للشعوب الغربية بشعوب الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

يبدو من ملامح سياسة ترامب الجديدة ابتزاز الدول الاخرى بدفع المستحقات اللازمة للحماية . كل فعل بفاتورة معينة، ولا تستقر الصداقة الا وفق ما تدفعه الدول من أموال لأجل الحماية، الامر يسري على اليابان وكوريا الجنوبية وبعض الدول العربية، كما تنصل هذا الرئيس من بعض الالتزامات السياسية والمعاهدات الدولية ، فأصبحت الولايات المتحدة الامريكية دولة مارقة، ولا ترى في القانون الدولي الا حماية مصالحها، وهذا يتنافى والسيادة التي صيغت في واقعها القوانين الوضعية والعلاقات الدولية في تبادل المنافع والمصالح. الديمقراطية في امريكا على المحك ، رئيس يستفرد بالقرارات وتشكيك الديمقراطيون في قدرة ترامب على قيادة الامة بسبب اخطاء شابت الحملة الانتخابية، هذا النوع من الرؤساء امتداد للمحافظين الجدد من زمن حرب الخليج الثانية جورج بوش الابن ودونالد رامسفيلد ، يعتقدون في جدارة القيم المثالية التي يدافعون عنها، وفي صلابة الموقف الامريكي وقدرتها على محاربة الشر في العالم . فالناس يتساءلون الان عن الحرب العالمية الثالثة، وردود الافعال الايرانية في المنطقة، فلا نستطيع التكهن في واقعية الحرب الكونية ، ويجري القول أن العالم بات لهيبا ساخنا سيشتعل في مكان ما من العالم ، بؤر التوتر والصراعات كثيرة ، من الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الحالة الليبية كذلك، وبداية التدخل التركي، وارباك القوى المؤيدة للواء خليفة حفتر من مصر والامارات، واعتبار هذا التدخل اطماعا تاريخية للأتراك في المنطقة، وما تمتلكه ليبيا من خيرات يسيل لعاب الاخر في الهيمنة عليها، ومن جهة تركيا انتصار الشرعية على الحكم العسكري دون اعادة رموز النظام السابق للحكم.
لم يعد هناك ربيع عربي ورغبة الاطراف في دمقرطة هذه الرقعة الجغرافية من العالم باءت بالإخفاق والفشل، لم يزهر الربيع حتى يتم قطف الزهور واستنشاق الاريج وقطف ثمار الجهد والنضال في سبيل الحرية وتحقيق الدولة المدنية ، بل أصبح الاندفاع والمصلحة وراء هيجان السياسة ، فلا يعني رغبة أروغان في مساعدة حكومة السراج بدافع ايديولوجي وعدم تكرار ما وقع في مصر من هيمنة الجيش على السلطة، هناك اطماع تاريخية عبر عنها صراحة في أقواله ، ودفاعا عن منطق الحركة الاخوانية . وهناك صراعات اخرى في أوروبا بين اكرانيا وروسيا وفي شبه الجزيرة الكورية، وبين الهند وباكستان، ومناطق متفرقة من العالم، سياسية التفكيك للبنيات المتماسكة ، الهدم واعادة البناء واتاحة المجال للشركات والمقاولات للعبور والعمل حتى ينمو الرأسمال، وتسود الرأسمالية كنظام وحيد وتختفي الازمات المالية والزيادة في الانتاج العسكري عبر اشاعة الحروب ومساندة تجارها .

الحرب الكونية الثالثة قادمة لا محالة ، ولا يمكن بأي اساس منعها بل القضية تتعلق بالتوقيت، وستكون حربا ضارية ، ولا يمكن لأمريكا الانتصار فيها لأنها تنهي الدول والحدود الجغرافية، وتقضي على النوع الانساني واوهامه التي شيدها، وراهن عليها في الوحدة والتكتل ، والحكومة العالمية من انتاج الفكر المثالي وكل قراءة دينية تراثية للمستقبل في نهاية العالم وظهور الملاحم والفتن وصراع الخير ضد الشر. العالم بالفعل مخيف بسبب تفاقم الازمات وغياب العدالة في العلاقات الدولية، وهذا الترقب في افول الغرب وانتقال الحضارة من الغرب الى الشرق أو على الاقل ظهور اطراف نامية ومتقدمة من العالم غير القطب الاوروبي ، فالحرب استدراج وتخطيط ، مكائد واستباق ، شاقة في الحسم ، يمكن ان تكون الحرب محدودة في عدم الانجرار للمواجهة المباشرة بين ايران وامريكا ، والانتقام يزيد في شرارة القوة، ولذلك شاهد العالم هجوم اليابان على بيرل هاربر وانتقام الامريكيين في القاء القنبلة النووية على هيروشيما وناكازاكي .

ملامح الرد الايراني غير واضحة المعالم ، تختار ايران مهاجمة الجيش الامريكي من خلال حلفائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وأماكن اخرى من العالم، مهاجمة حلفاء امريكا في المنطقة ، قطع الامدادات النفطية واغلاق مضيق هرمز واشياء اخرى تبقى مرهونة بالأيام القادمة. تدرك ايران حجم قاسم سليماني في حروب الشرق وفي تصدير الثورة، والتخطيط وتكوين فصائل شيعية حتى تغلغلت الطائفية في مفاصل العمل السياسي والحزبي ، جنرال موجود في كل مكان لدعم قوى المقاومة ومراقبة التحرك الامريكي في المنطقة ، عدو أمريكا والمملكة العربية السعودية واطياف من الشعب العراقي، ولهذا فالحرب العالمية الثالثة لن تكون نزهة، أو حرب سريعة في قراءة الخبراء بسبب الاسلحة النوعية والصواريخ الذكية لكن تداعياتها معقدة على التحليل والتشخيص. ونتائجها كارثة في استقرار المنطقة ، ومن يدري أن بؤر التوتر في مناطق اخرى كفيلة بإشعال الحرب الكونية من ليبيا أو من الساحل الافريقي... ومن الحكمة تدخل العقلاء في العالم للتهدئة والعودة بالسياسة الى المنظمات الدولية في حل الازمات بالديبلوماسية والعقوبات الاقتصادية وحرمان الدول من الامتيازات وارغامها في تبديل اليات العمل السياسي بدون الانجرار للقوة التي لا تخلق الحق كما جون جاك روسو في العقد الاجتماعي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تساؤلات في إسرائيل حول قدرة نتنياهو الدبلوماسية بإقناع العال


.. عبر الخريطة التفاعلية.. تحركات عسكرية لفصائل المقاومة في قطا




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لبلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس


.. قصف إسرائيلي على حي الصبرة جنوب مدنية غزة يخلف شهداء وجرحى




.. مظاهرة في العالصمة الأردنية عمان تنديدا باستمرار حرب إسرائيل