الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بإمكانك أن تكون أمريكيا وعراقيا في ذات اللحظة

جعفر المظفر

2020 / 1 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


أنا أعيش في الولايات المتحدة الأمريكية ومتجنس بجنسيتها منذ خمسة عشر عاما. ولفد أقسمت يوم أعطتني أمريكا جنسيتها أن أكون مواطنا ملتزما بالدستور ومخلصا لوطني الجديد. إن قسما لا يستهان به من العراقيين الذين أجبرتهم المحن على مغادرة بلدهم العراق وجدوا أنفسهم طوعا في ذات البلد الذي تسبب لهم بالمحنة. ولذلك فهم يواجهون صعوبة لا يواجهها على سبيل المثال عراقيو ألمانيا او عراقيو كندا أو عراقيو السويد أو حتى عراقيو بريطانيا وذلك في الموقف من القضايا الوطنية العراقية, والسبب واضح وجلي. إن أميركا هي التي إحتلت بلدهم. وهي لأسباب عدة ليست بمنأى عما وصل إليه البلد من فوضى وتخريب وتدمير مجتمعي وسياسي وإقتصادي.
إن عددا لا بأس به من عراقي أميركا غالبا ما يشعرون بمحنة إزدواجية الهوية التي لا يعيشها غيرهم من عراقي المهجر, وهي محنة أخلاقية بالدرجة الأولى, وعادة ما يخلقها غياب أو ضعف القدرة على خلق التفعيلة الأخلاقية المطلوبة لأجل تصريف الموقف الأخلاقي تصريفا سياسيا وبالطريقة التي من شأنها أن تنهي أو تحجم من معضلة إشكالية الهوية وإزدواجية الولاء.
حينما تكون هناك حاجة لإعلان موقفي المبدئي من أي حدث وخاصة ذلك المناهض لرأي الإدارة الأمريكية فإني لن أدعي البطولة, بل لعلي لست مطالبا أن أتحلى بها, إذ يكفيني القليل من الوعي والكثير من المبدئية.
يوم كنت في بلدي الأول العراق لم أكن على ود مع نظام صدام حسين لكني كنت على ود مع بلدي العراق. كنت ضد دخول العراق إلى الكويت, وكنت أصرح بذلك في مجالسي رغم أجواء القمع السائدة المعروفة لأن الوضع كان أبشع من أن يتمكيج, بل لعل الأغلبية من العراقيين لم تكن على وفاق مع تلك الخطوة كما أن شعبية صدام حسين قد إنخفضت إلى حدودها الدنيا.
الذي أريد أن أقوله أن بإمكانك, وفي أي مكان توجد فيه, أن تحب بلدك وأن تعمل من أجل تقدمه وحمايته وأن تكون ضد سياسة حكومته في نفس الوقت.
الموقف في أميركا وبشكل عام يقول .. كن أي شيء, لكن لا تكن إرهابيا.
كن مع أي موقف .. على أن لا يهدد ذلك أمن أمريكا القومي.
وربما سيظل الأمر بحاجة إلى بعض تفسير. إدعاء أنك تعيش في بلد حر ليس معناه أنك أن بإمكانك أن تفعل ما تريد, وبالصيغة المطلقة التي تريد. حتى في الجنة وبعد أن يصدر قرار الحكم النهائي لصالحك فإن الملائكة الأمنيين سوف يطلبون منك بكل أدب ولياقة أن تحافظ على أمن الجنة القومي.
هنا على سبيل المثال الخوف من النفوذ الصهيوني وارد وطبيعي, لكن ذلك لا يجعلك جبانا, فنحن, الأمريكون من أصل عراقي, نعلن مواقنا, مثل نسبة لا يستهان بها من الأمريكيين الأمريكيين التي يعلنون موقفهم المساند للقضية الفلسطينية, يخدمنا ويخدمهم في ذلك مبدأ حرية التعبير الذي يحتل خانة (مقدسة) في الدستور الأمريكي.
مرة أخرى لن يكون غاية ذلك أن نقول أننا لا نخاف بالمطلق. المطلوب منا أن نخاف, بمعنى الحرص على أمننا الشخصي والعائلي, ولكن ليس على الطريقة الشرق أوسطية, إذ حمدا لله أننا نعيش في بلد حر, رغم إيماننا أن هذه الحرية ليست مطلقة.
يشعر البعض منا بالحرج وقد يتهمنا البعض بأننا لم نعد قادرين على التعبير عن محبتنا للعراق على الشاكلة التي كنا عليها, وأجزم أن ليس من الحق الإعتقاد بذلك لسبب بسيط وهو أن الموقف المغاير حتى لدرجة الضد مع موقف الحكومة الأمريكية لن يكون معناه موقفا مضادا للوطن الأمريكي.
مرة أخرى .. إن تخريج الموقف ليس صعبا : لقد كنا ضد الاحتلال العراقي للكويت رغم أننا كنا عراقيين مشاعرا وأصالة وجغرافية وتاريخا وجنسية, ولذا لن يكون ممنوعا علينا أو حتى صعبا أن نكون ضد (الإحتلال الأمريكي) لبلدنا الأول, العراق, أو لآي بلد آخر, وقلت الآول ولم أقل السابق._
ورغم إيماني بذلك فإن لدي نفس القدرة والإيمان والمبدئية التي تعينني على أن أعتبر أمريكا أيضا وطني الأول لأني أقسمت على الولاء لها. وسيكون من باب الوفاء الأخلاقي أن أكون ملتزما بالقسم .. على أن لا يعيق ذلك القسم قدرتي على التعبير الحرعن موقفي الأخلاقي أبان المستجدات.
المهاجرون العراقيون المنتشرون في جميع أنحاء العالم لا يعيشون هذه المفارقة الصعبة والمؤلمة في ذات الوقت, أن يكون أمريكيا وعراقيا في ذات اللحظة. ولكن مع قليل من المبدئية, ومع قليل من الوعي الذي يعينك على الوصول إلى التفعيلة المتوازنة يمكنك أن تُخَرِّج الأمر دونما حاجة لإبراز العضلات أو إدعاء البطولة. وكما قلت: حينما تكون لك قدرة التمييز بين ما هو حكومة وما هو وطن, لن تحتاج إلى وعي معقد أو حتى إلى بعض شجاعة لتخريج الموقف الأخلاقي المطلوب.
فقط حينما تكون أخلاقيا ومبدئيا وواعيا تستطيع أن تكون أمريكيا وعراقيا في ذات اللحظة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحافي رامي أبو جاموس من رفح يرصد لنا آخر التطورات الميداني


.. -لا يمكنه المشي ولا أن يجمع جملتين معاً-.. شاهد كيف سخر ترام




.. حزب الله يعلن استهداف موقع الراهب الإسرائيلي بقذائف مدفعية


.. غانتس يهدد بالاستقالة من الحكومة إن لم يقدم نتنياهو خطة واضح




.. فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران تعلن استهداف -هدفاً حيوياً-