الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 1

دلور ميقري

2020 / 1 / 9
الادب والفن


خمسة أعوام مضت على افتتاح القرن الجديد، عندما تعالى نداء مؤذن مسجد سعيد باشا، ليُنعي والدة زعيم الحي. كبار السن، وحدهم، أبدوا اهتمامهم وتأثرهم بالخبر. ولا كذلك الأجيال الجديدة، التي مر اسمُ المرأة في أسماعهم دون أن يعني لهم شيئاً. الزمن، كان قد سلّم سَلَفاً أقوى نساء الحارة إلى عتمة النسيان، بعدما أجبرها على التزام العزلة في المنزل والانكفاء على الذات مع آلام الشيخوخة، المتنامية يوماً بعد اليوم.
لكن أمّو لفظت أنفاسها الأخيرة في سلام، وذلك قبل أشهر قليلة من وقوع الشقاق في العشيرة على خلفيّة رغبة حفيدها، موسي، الاقتران بابنة عليكي آغا الصغير. الحفيد، في المقابل، كان يحتفظ بأجمل الذكريات عن الراحلة وهوَ بأعوام عمره العشرين. لقد أشبعته دلالاً مذ نعومة أظفاره، باعتباره بكر ابنها الوحيد، ورعته تحت أنظارها بمزيد من الاهتمام، لاحقاً، برغم مجيء المزيد من الأحفاد. في خلال خروج الجنازة من المنزل، بكاها موسي بمرارة مع نسوة العائلة كما يبكي الأطفال.

***
السنوات الخمس الأخيرة من عُمر أمّو، أمضتها في تنشيط الذاكرة عبرَ استعادة أحداث القرن المنصرم، وكانت شاهدة على معظمها. إلا رحلة أسرتها إلى الشام الشريف، حيث لم تختزن ذاكرتها منها وهيَ بأعوامها السبعة سوى مشهداً وحيداً، حَسْب: وقوفها في صباح اليوم التالي لوصولهم دمشقَ، فوق سطح المنزل، الأشبه بمنزلهم الريفيّ في مازيداغ، كي تلقي أول نظرة على منظر المدينة المقدسة. انبهرت عندئذٍ حين تجلّت لها دمشقُ عروساً ناصعة البشرة، ملتفعة بخمار أخضر اللون، تتلألأ محاسنها تحت شمس الربيع وفي مخدعٍ تشكّله الجبال، فيما الأفق سيفٌ فضيّ يسبغ عليها حمايته. قبلاً، حقّ لأمو الصغيرة أن تفاجأ بمرأى مدينة ماردين، وكانت أسرتها سعت إليها لتدبير عربة سفر برفقة قافلة متجهة إلى حلب، حيث علقت في ذاكرتها المنازلُ المتراصة فوق بعضها البعض، المعتنقة الجبل حتى قمته المتوجة بقلعة قديمة. وهوَ ذا جبل قاسيون، يحتضن الحيَ المسكون من لدُن أبناء جلدتها، أين وقفت على سطح أحد منازله في ذلك الصباح الربيعيّ، لتلقي النظرة الأولى على منظر الشام.
وباء الريح الأصفر، وكان قد اجتاح البلد عقبَ وصولها إليه مع الأسرة بنحو سبع سنين، ما لبث أن دهمَ الحي فاختطف أبويها وأشقاءها مع عدد كبير من الخلق سواءً من العشيرة أو الآخرين. خففَ عليها قليلاً، ركونها في كنف زوجٍ ذي خلقٍ سام ومرتبة اجتماعية معتبرة كرجل دين وموظف في سرايا الوالي. بدَوره، فقدَ حسينُ والديه في جائحة الوباء، وكان وحيدهما. ما أدى بالزوجين للشعور بالوحشة في البيت الكبير، المترامي الأطراف، الشاغل آنذاك ربع مساحة الزقاق من جانبه الشرقيّ. لكن تلاحق الأحداث، المبتدئة بعصيان أهل الشام إرادة الدولة، وضع مرهم السلوان على جزع الزوجين وحزنهما. كون رجلها مقرباً لأصحاب القرار، جعله شاهداً على الأحداث ومشاركاً في بعضها أيضاً، وذلك غبَّ تأسيس مجلسٍ ضمَّ وجهاء الصالحية تم تعيينه عضواً فيه.
عشرة أعوام، عاشها البلد في فوضى وانتزاع السلطة من يد ليد بقوة السلاح، مع ما رافقها من انتشار الأقاويل عن قرب يوم القيامة وأن الشام ستكون إيذاناً بنفيرها بحَسَب حديثٍ، منسوبٍ للرسول. وضعُ الزوج، المعلوم، فرضَ على أمّو مسؤوليات لم تألفها من قبل؛ منها التعامل مع الأسر الكردية المتضررة من الأحداث، وكان بعضها يقيم في المدينة القديمة، أو حولها مثل الميدان وسوق ساروجة. كان معظم رجال تلك الأسر من أصناف العسكر غير النظامية، المتورطة مع هذا الطرف ضد الآخر. وإذاً، منحَت تلك المسؤوليات امرأةَ الحاج حسين مكانة كبيرة وفريدة في الحارة، لن ينتقص منها مرور الزمن، وإلى أن دهمت دمشقُ أحداثاً لم تقل خطورة في سنة 1860: إنها السنة نفسها، المقدّر فيها على والد سارة ( كنّة المستقبل )، أن يترك مسقط رأسه برفقة الأسرة، مختاراً بلدة الزبداني كوجهة التجاء مؤقتة، ثم ما لبثت مع توالي الأشهر والسنين أن أضحت مكانَ استقرارٍ دائم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | شراكة تعد بولادة جديدة للسينما العربية..تفاصيل الم


.. ما هو اكثر شيء يزعج نوال الزغبي ؟??




.. -احذر من صعود المتطرفين-.. الفنان فضيل يتحدث عن الانتخابات ا


.. الفنان فضيل يغني في صباح العربية مقطعا من أحدث أغانيه -مونيك




.. مشروع فني قريب بين الفنان فضيل وديانا حداد وجيبسي كينغ