الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 2

دلور ميقري

2020 / 1 / 10
الادب والفن


أحداث مثيرة ومستطيرة، سبقت وفاة والدة الحاج حسن، وكانت متواشجة مع رغبة ابنه البكر الاقتران بابنة عليكي آغا الصغير. موسي، ربما عشق الفتاة بكل جوارحه مذ رؤيتها قبيل وداع القرن المنصرم، وكانت بعدُ في العاشرة من عُمرها. بعد سنوات خمس، حينَ طلب نازو من أهلها عن طريق والده، كانت ذائعة الصيت كأجمل فتاة في الحارة. من ناحيته، رأى موسي نفسه مؤهلاً أكثر من غيره للفوز بحسناء الحارة، وذلك لعدة مزايا كانت في يده: شهادته العلمية، ووظيفته كوكيل أعمال، فضلاً عن وجاهة ومكانة كلّ من والديه.
كم كان أمراً جارحاً لشخص موسي، حينَ أُبلغ بالرفض على اعتبار أن والد الفتاة سبقَ ووعد بها شخصاً آخر. في حقيقة الحال، أنه الزعيم مَن عد ذلك مهانة شخصية، بسبب سماعه حجّة عليكي آغا الصغير، التي نطقها بطريقة جافة ومقتضبة: " لقد خطبها مني شيخي، وكان ذلك من شهر مضى، وابنتي رضيت به ". الشخص المذكور، علاوة على أنه مجرد أجير في زريبة الماشية العائدة لابنيّ السيد نيّو، كان وحيد أمه الأرملة، المعدومة الحال، وفوق ذلك، معروفاً على الملأ بكونه أفاقاً ووضيعَ النفس. كظمَ الحاج حسن غيظه، وكان مؤملاً بعدُ في إمكانية رجوع القريب عن الرفض ما لو تدخلت النسوة. لكن مسعى امرأته سارة لم يتكلل بالنجاح، وكذلك الأمر مع شقيقته زَري. عندئذٍ بادر إلى استدعاء السيد نيّو إلى المضافة، كي يقول له بنبرة أقرب إلى الفظاظة: " منذ اليوم، عليكم أن تعتبرونني شخصاً غريباً تماماً "
" أرجوك يا حاج، المسألة ليست بهذا القدر من الخطورة وابنك تتمناه بنات أرقى الأسر "
" هذا كل ما لديّ لأقوله لك "، أوقف الزعيمُ كلامَ الرجل ملوّحاً يده علامة على ختم النقاش. هكذا شاءت جملة واحدة، منطوقة تحت وطأة الغضب، أن تقرر مصيرَ أسرة كاملة: إنّ عليكي آغا الصغير، وقد صُدم بدَوره من ردة فعل كبير العشيرة، قرر فجأةً العودة إلى موطن الأسلاف في مازيداغ للاستقرار هناك نهائياً. لعله أحس بثقل وطأة المقاطعة وأنها نتيجة انصياعه لرأي كل من الابنة وأمها، وكأنما شاء معاقبة نفسه قبل أيّ كان. أو ربما أمل بتليين موقف الزعيم، إذا سمع هذا أن أسرة قريبه ستدفع ثمناً غالياً برحليها عن الشام. ما زاد من الضغط على ضمير الرجل، كون ابنته نازو بانت عليها علامات الحمل وذلك عقبَ زواجها بنحو شهرين. ولأن الشتاء على الأبواب، كان من المحال على الابنة مرافقة الأسرة في رحلةٍ تحفها الصعوبات الجمة ومخاطر الطريق.

***
وفاة أمّو، كانت مناسبة لإحلال الوئام مجدداً بين ابنها والسيد نيّو. هذا الأخير، تشجع بعد بضعة أشهر في أن يتوسل الزعيم لإرسال امرأته سارة إلى نازو، وكانت هذه في حال سيئة آنذاك غبَّ محاولتها التخلص من الجنين. إذ زُج زوجها في السجن بتهمة الاحتيال، وكان قد زوّرَ أوراق طابو منزل أسرتها بهدف بيعه لأحدهم. لم تتحسن صحة ابنة عليكي آغا الصغير، وما لبثت أن أسلمت الروحَ وكان الجنين ما يفتأ في بطنها. الخبر، وقعَ ثقيلاً على نفس موسي، وكان ما ينفك متحسراً على خسارته لها كزوجة في خلال المدة الماضية. ضميره أيضاً، كان قد تنكّبَ العبءَ في شأن ما حل بأسرة الفقيدة، مع كونه غير ملوم بحال من الأحوال.
في ذلك الوقت، كان موسي يشغل وظيفةَ وكيل أعمال عند أحد أحفاد الزعيم شمدين، المدعو " عمر آغا "، يُشرف على أملاكه في بساتين الحارة. اتفاقاً، كان في المنزل الصيفيّ للآغا برميلُ نبيذ، حصل عليه هديةً من ملّاك نصرانيّ في حوران. وجود النبيذ بهذه الوفرة في متناول يد موسي، وكان في الحالة النفسية المعلومة يوم وفاة الحبيبة، جعله يُفرط في الشراب حدّ الثمالة. في اليوم التالي، دهمته حالة عطش، ولكنه بدلاً عن إروائها بالماء رأى يده تمتد بالقدح إلى برميل النبيذ. منذئذٍ أضحى من محبذي الشراب، ولو أنه ما عاد يفرط فيه كالسابق.

***
عمر آغا، كان ثمرة علاقة غير شرعية لأبيه مع جارية نوبية. أمثال هذه الجواري، مثلما سبقَ وذكرنا في مكانٍ آخر، كن قد ظهرن في الشام على أثر غزوها من لدُن إبراهيم باشا المصريّ. الحمل، كان أذكى حيلة كي تنتقل الجارية إلى مقام سيدات الحريم؛ وقد لجأت إليها، على الأرجح، مَن ستضحي والدة الآغا. ترك ذلك بصمات على الابن، إن كان لناحية البشرة الشديدة السمرة أو بروز الملامح الأفريقية الأخرى ـ كغلظة الشفتين وفطس الأنف. بيد أنه، في المقابل، أخذ عن دم أبيه الزهو والغرور، المبالغ بهما نتيجة شعوره بالنقص على خلفية لونه بشكل خاص. من ناحية أخرى، محضَ الآغا أبناءَ القسم الشرقيّ من الحي مشاعر النفور والازدراء، إن كان لهيئتهم المحتفظة باللباس القوميّ أو امتناعهم عن التحدث بالعربية.
قد يكون هذا دافع قبول موسي في وظيفة وكيل أعمال الآغا المتغطرس، طالما أنه من صلب زعيم الحي، الذي كان في الآن نفسه عالمَ دين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | شراكة تعد بولادة جديدة للسينما العربية..تفاصيل الم


.. ما هو اكثر شيء يزعج نوال الزغبي ؟??




.. -احذر من صعود المتطرفين-.. الفنان فضيل يتحدث عن الانتخابات ا


.. الفنان فضيل يغني في صباح العربية مقطعا من أحدث أغانيه -مونيك




.. مشروع فني قريب بين الفنان فضيل وديانا حداد وجيبسي كينغ