الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الحُب...

هاشم عبدالله الزبن
كاتب وباحث

(Hashem Abdallah Alzben)

2020 / 1 / 11
الادب والفن


الصعوبة في الكتابة عن الحُب ليست في إستدعاء جُمل من الذاكرة اللغوية لوضعها في عبارات موزونة ومُنتقاة، لتتراص تلك العبارات في فقرات وتُصبح مقالًا كتابيًا يُقرأ... الصعوبة تكمن في ماهية الحُب ومعناه وفلسفته وواقعيته... كيف نكتب عن هذا الشعور الأصيل والمُتجذر في الإنسان... عن هذه الحاجة الإنسانية... وعن ذلك الشيء الذي يُولد فجأة ويُغيّر الكثير؟؟؟

في البداية علينا أن نُدرك بأن الحب في جوهره شخصيّ جدًا، بمعنى أن كُلّ حالة حب هي حالة فريدة من نوعها وخاصة، وبالرغم من التشابه الدائم في التعبير عن الحب في الأدب والدراما وحتى في الحياة الواقعية، كسيناريو مُتسلسل له أبعاده ومراحله وتطوراته، يبقى ويستمر كشعور ذاتي وثُنائي جديد ومُدهش ولا يخضع للمنطق والواقع والمألوف...

الحُب يبدأ ولا ينتهي هذه كل الحكاية.
في لحظة الولادة الجديدة(ولادة الشعور بالحب)، تبدأ حياة جديدة أيضًا، حياةٌ لها معاييرها وألوانها وأطوارها...
في مُعترك الحياة وفي فوضى الواقع ومُجرياته،  في لحظاتنا اليومية نُدرك حاجتنا لشيء ما... شيء نفتقده جدًا، وهو بيننا أو في داخلنا وفي جوارنا، لكنه مرفوض أو ممنوع أو ليس مُمكن... هو الحب ببساطة، فالحب ليس مُجرد عاطفة تجاه آخر، بل هو الطاقة المُحركة للفعل الخلّاق والمُبدع، وهو الإستغراق الكُلي في المعنى والقيمة والجوهر...
وفي حياتنا اليومية غرقنا في مُستنقعات الإستهلاك والمظاهر والسطحية، تجردنا بشكل تدريجي من ذواتنا وأنصهرنا بالسائد والمألوف، إعتدنا الخوف والتلاشي والأحزان، وأتقنا أدوارنا الإجتماعية...
بالطبع تأثر الحُب بذلك، أو بعبارة أدق: تشوّه الحب...
تلوث أيضًا، بأهواء المُؤلفين للسيناريوهات الدرامية، وأخذ بُعدًا روائيًا خياليًا، صار مُجرد لحظات تُسرق من الزمن بمغامرة ما، وحبيبيّن في مواجهة أقدار حتمية، وسعادة يكتنفها الحُزن الثقيل، ووداع أخير، تُسدل بعدهُ ستارة المسرح الكئيب، ليُصفق الجمهور وينتهي العرض...!

أخذ الحُب شكلًا غامضًا وغريبًا بل ومُرعبًا، وخضع لمعايير الواقع الإستهلاكي والطبقي والقائم على مبدأ المُلكية والخضوع، بل وبلا مُبالغة تم قتل الحُب بذرائع شتّى وبدواعي كثيرة، كثيرةٌ أيضًا هي النظريات التي تناولت الحُب، وتعددت القوالب الفكرية التي إحتوته في قوالبها وشكّلته وحددته، وكلّها تتفق وتختلف وتتناقض، ضاع المفهوم البسيط في متاهات التعقيد والتحيّز، وتشتت الحُب مع عواصف الأفكار وتجلياتها النظرية، البعيدة غالبًا عن الواقع المُعاش... ولكن ثمة وضوح جليّ لا يمتزج مع الغموض، إنما يتمايز عنه وربما يغلبه، ألا وهو "التجربة الحيّة"، كل النظريات مفهومةٌ في نصوصها، ولكنها قد لا تتوافق مع الواقع الحياتي وتبدو غريبة، ومُبهمة!
التجربة أيضًا شخصية، الأمر يُشبه تلك المشاعر الحارّة التي يعيشها الفرد، يعيشها في أعماقه وإن حاول إظهارها، وترجمتها ليُعبّر عنها لابد وأن تَظهر باردة جدًا، وفارغة من ذلك الثُقل الذي كان ينفعل في داخله.

للحُب شكلين يتمظهر من خلالهما في حياتنا؛ حُبٌ لشخص وحبٌ لشيء، وهو بشكليه عاطفة جوهرية تنبع من عُمق الوجدان لتُصبح روحًا خالصة تُحرك الجسد المُحب وتُوجهه، ليفعل وينفعل ويرى الأشياء بأبعاد جديدة غريبة للوهلة الأولى،
يأتي الحُب ليُلوّن الأشياء بألوان حياتية زاهية، ويُرمم خرائب وإنهيارات الذات وأشياء أخرى تهالكت أو كادت قبل بزوغ تلك الروح ونموها السريع،
والإنسان وحيد دائمًا، ومهما إقترب من الآخرين يبقى عالمه الخاص مُعتم وبعيد، والوحدة هي الخريف البارد والجاف الذي يُعشعش في ثنايا الجسد المُرهق، والخريف يطول ويستمر... يُصبح عادة، شيء أساسي ومرغوب ومفهوم، والربيع مجهول، شيء يبدو مُستحيلًا، والمجهول مُرعب، أن تُغادر خريفك أو منطقة الأمان حيث المفهوم والعادة، هو التغيير الذي يحدث بفعل الحُب،

أن تُحب شخصًا آخر غيرك، أن تُحب ما تفعل بدلًا من أن تفعل ما يجب، أن ترى الألوان بوضوح وأن تشعر بعُمق الشعور لا بقشور الإنفعالات وردود الفعل البليدة والآلية، من هُنا يجد الإنسان جدوى الحياة والفعل اليومي، ويجد المعنى الحقيقي للأشياء من حوله... هي الأشياء لم تعد مُجرد حتميات، وجودها إعتباطي، بل أصبحت أشياء حيّة وجودها مُهم، تفهم من خلال الحُب معاني العطاء والأخذ والتفاني والشعور الحقيقي... تفهم معنى أن تعيش حيّ بدلًا من أن تعيش في مُستنقع موت كبير...
مؤمن جدًا بأن واقعنا رديء، جدًا رديء، وبأن لوثةً من السوداوية أصابت عالمنا وأردتهُ مريضًا بها، وبأننا كلما أردنا الحياة صفعنا الموت بتجلياته الكثيرة في تفاصيل حياتنا اليومية... موت الأحبة، موت الشغف، موت الأمل، موت الرغبة، موت الشعور، والنهايات تستبقُ البدايات، والأشياء عندما تنتهي تترك وراءها فجوة/ثُغرة تتوسع عادةً بمرور الزمن، وأكثرُ ما يُرعب بحُب الآخر هو إحتمال الخيبة والخُذلان، أن تكون خائبًا أو مُخيّبًا، أن تُخذَل في النهاية أو تَخذل، وأن تكون جلادًا أو ضحية... وليس المُدان هُنا الحُب ولا هو المسؤول عن تلك النتائج التي تترتب على أشياء تحدث بفعلنا الشخصي، نحن نختار دورنا، وعندما تتشكل صورة الحب في وجداننا بنمطية النواتج والأدوار تلك، لابد لنا من أن نُعاني منه ونكره شعورنا به، بداعي التحصين الذاتي نتهرب/نهرب منه، ونعيش بفكرة "لسنا أهلًا للحب"، وليس مُبالغة إفتراضي بأن هذا الحال هو نتيجة واقعنا الحياتيّ المُلوّث وثقافتنا الإستهلاكية الفجّة، فكل شيء يُخضع للغة المصلحة والعملةوالجدوى الإقتصادية،

أنظر لواقعنا اليوم، لتُدرك حاجتنا الشخصية والجَمعية للحُب، للحب الذي يفرض علينا المُغامرة والثورة على السائد والنمطي، للحب الذي نواجه به الموت المجاني والمُعتاد والإبتذال والسخافة، وحاجتنا لإرادة ذاتية/جماعية "تكفر" بواقعنا الرديء وتُؤمن بالإنسان وجوهره وقيمته... الإنسان الذي يعيش بالمعنى الحقيقي للعَيش ولا يموت إلا عندما تنتهي حياته بتوقف وظائفه الحيوية عن العمل..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل