الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة في ومواجهة ثقافة الاستهلاك

سليم النجار

2006 / 5 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


الثقــافــة المقاومــة ... فـي مواجهة
كارثــة ثقافــة الاستهــلاك
مقــدمـــه :

فيما يغرق الانسان في معضلاته ، ويعيد انتاج ازمته على غير صعيد ، ومن غير مصــدر ، تلوثا معرفيا متصاعدا وارهابيا منظم ، وتدميرا منظم .

تقف ثقافة المقاومة ، فاحصة هذه البانورما الوجودية للانسان ، مساءلة ازمته ، وعنفه اتجاه نفسه ، واتجاه الطبيعة .

وتبقى الثقافة المقاومة ، في مواجهة مستمرة بين سلبيتين ، سلبية الفعل العاجز للانسان الذي استجاب للثقافة الاستهلاكية ، والسلبية الثانية ، حركة اللافعل للانسان الذي يستجيب لهذه الثقافة .

في السطور القادمة يتم الكشف عن معضلات وضرورات الثقافة المقاومة في مواجهة الثقافة الاستهلاكية ، لا يوصف ان الثقافة المقاومة تملك فعلا ناجزا ، لانها اذا ادعت ذلك فانها تنفي الصفة عنها ، صفه المقاومة ، فهي في حركة دورية في الكشف والمواجهه ، للثقافة الاستهلاكية .

كما ان هذه السطور تتحدث عن الثقافة كفعل قيمي لا يحتمل التأويل اتجاه التلافي في خطوط الوسط بين ثقافة استهلاكية ، وانسان يفضل الاستسهال ، بالتالي يبحث عن ذرائع غير موضوعية ليجاوب بشكل او بآخر مع ثقافة استهلاكية تهدم إنسانيته كل لحظـة .

ثقافة المقاومة هي فعل وجودي للانسان ، تتناقض كليا مع ثقافة استهلاكية تنفي هذا الوجود ، وتصر على عودة الانسان الى بدائية ، عندما تدفعه للربح الاول ، الغريزة .









ان ما تواجه الثقافة المقاومة اليوم من تحديات تحتاج الى وعي غير تقليدي ، او نمطي . كما ان هذا الوعي يتطلب فهما عميقا لطبيعة التغيرات التي طرأت على المشهد الثقافي الانساني .

فظهور شبكة الانترنت والقنوات الفضائية ، التي شكلت اشكاليات مختلفة لثقافة المقاومة ، والتي جعلت من هذه الثقافة تتخاصم في المعنى والشكل ، واصبح الحديث يدور عن كل مقاومة ثقافية تخضع لجغرافيا محددة عربية ، تتحدث وتبدع نصوصها كأنها جزيرة منعزله عن محيطها العربي .

هذا الانعزال هو الذي دفع الحديث عن الخصوصية ، وساهمت شبكات الانترنت والفضائيات بوعي ممنهج في رسم هذه الحدود الفاصلة بين اجزاء المقاومة الثقافية العربية ، الموجه عبر تصوير من خلال كم هائل من البرامج وضخ آلاف المعلومات المضلله عن الثقافة كفعل مقاوم ، وتصويرها على انها ثقافة جمالية محايدة !

وبدأت هذه التقنيات جعل الحياة مستحيلة على الانسان ، في العيش في مجتمعات تتطور من خلال التكييف ، ولا يتلائم مع هذا التطور ، الذي فجر كل التقاليد الثقافية التي ترفض القهر والظلم ، واصبحت هذه المفاهيم بالية ، لا تخضع الا لمنطق العجز ، وعدم هضم التطور .

وقد مهدت لشيوع ثقافية التقنية ، انتصار ثقافة التصنيع التي اشتعلت في القرن التاسع عشر في اوروبا ، وتحديدا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، والتي استطاعت القاء بظلالها على المجتمعات الغربية انذاك ، وانتصرت على الثقافة بشكل عام ، والثقافة الجمالية بشكل خاص وكان لهذا الانتصار ثمنا غاليا دفعه الانسان من خلال الحروب ، العالمية الاولى والثانية ، والتي شكلت هاتان الحربان ، ميزان دقيق بين ثقافة المقاومة ، وثقافة التصنيع لم تحسم نتائج هذه المعركة بعد الحرب العالمية الثانية ، وبقي الصراع قائما ، وفي فترات زمنية محددة ، خاصة في المنتصف الثاني من القرن العشرين مالت الكفة لصالح المقاومة في اوروبا وفي معظم العالم الثالث ، وشهد الانسان ثمرات هذا الانحياز لثقافة المقاومة ، سينما متطورة تقنيا وجماليا في فرنسا على سبل المثال ، وايطاليا ، وعلى صعيد الادب ، ظهرت الرواية الرومانسية ، في فرنسا التي تعبر عن رفض الانسان ثقافة القتل ، ولعبة المال ، الذي دائما تحركه شهوة اشعال الحروب الكونية .

لكن سرعان ما اشتعلت الصراعات مرة اخرى ، بعد انفجار الثورة العلمية ، وطغت شبكات الانترنت والفضائيات على المشهد البصري للانسان . واصبح الطباخ لهذه الثورة لا يحضر الوجبة الغذائية ، حسب تقاليد الطبخ ، بل على اسس المعايير التقنية الموظفة لجعل ذائقة الانسان البصرية محايدة ، بمعنى تدفعه بكل بقوة لغريزة عاطفية مؤقته ، تذهب مفعولها بمجرد ، ذهاب المؤثرات التقنية .

هذا الحياد ، ليس المقصود منه المعنى الاصطلاحي ، للكلمة ، بل اصبح الحياد ، ان كل شيء فيه وجهه نظر من باب المناكفة والمجادلة التي لن تفضي لشيء يذكر .

وبهذا الاعتراك المفتعل عادة من قبل اصحاب الثقافة المحايدة !

ان هذا الاستشعار الحساس من هؤلاء رواد ثقافة الوجبات السريعة ، الدفعات العاطفية ، يسعون بشكل حثيث خلق فوضى تستشعر بعمق اهمية انفصال ثقافة المقاومــة ، وثقافة الوجبات السريعة . كردات فعل متوترة ، تجعل من الثقافة بشكل عام وجبة سريعة التحضير ، وعسيرة الهضم ، ويجب ان تكون هنالك وسائط تقنية لتسريع هضم الثقافة ، وبطبيعة الحال ، لن تكون هذه الوسائط معينة بثقافة المقاومة ، فهذا الموضوع يعنيها من باب الصراع ، وليس من باب التواصل ، لذا فكل الجهد لوسائط النقل ، في خدمة ثقافة الوجبات السريعة .

وحينما بزغت التقنية كبيئة حاضنة للثقافة المعاصرة ، اصبح المجتمع ثانوي ، ومنتجي الثقافة هامشين ، واللاعب الرئيس في هذا المشهد الثقافي الكوني ، التقنية .

ومن ثم بدأت الثقافة السريعة ، تتقبل الواقع كما هو ، بل ذهب ابطال هذه الثقافة ، بالترويج ، على ان التقنية هي ثقافة ، بحد ذاتها ، وبالتالي تصبح حلقة من حلقات في دوائر الثقافة .

هذا التحايل من قبل هؤلاء تنكشف ازمة ومأزق العيش في مجتمع جماهيري تهمين عليه التقنية وتغلقه على نفسه . واعتراف كبير ان هذه الثقافة اصبحت شرط من شروط انتاج هذه الثقافة . وهذا خلل بنيوي في تعريف الثقافة اصطلاحا ومضمونا في كيفية انتاج ثقافة . فهذه الثقافة حتى هذه اللحظة هي وسائط نقل لها ينتج ، وليست رحم لانتاج ، وهنالك فارق بين الرحم الذي يتفاعل مع ما تنذف له ، وينتج كائن حي مشترك ، يتساوى فيه الانتاج ، بين طرفيين حيان ، ووسائط خرساء تنفذ ما يقدم لها ضمن الية منهجة على أرضية ثقافة تعادي ، كل ثقافة مقاومة ، على اعتبار ان الثقافة المقاومة ضد وجود أي ثقافة اخرى تحمل في بذورها فيروسات للنسيان السريع . التي تقوم على الهدم والبناء واعادة الإنتاج ، في ظل ساحة الاملاء على قاعدة النسيان . التي تبدأ بالإنسان وتنتهي بالإنسان من غير المرور بالدولة ، كمؤسسة ناظمة لحركة الإنسان . ولا تلجأ هذه الثقافة للدولة ، الا عندما تكون مرغمة في خدمة أغراضها السياسية ، بعد ان تكون قد عجزت تمرير هذه الثقافة ، من خلال مشاعيه المؤسسات التي تتبنها ، والتي تكون اكثر امتدادا .

من مؤسسات الدولة . وعادة هذه المؤسسات تأخذ صفات خادعه ، كالقيام بالترويج للثقافة الديمقراطية ، تنشر الثقافة السياسية الليبرالية ، وكل هذه التوصيفات خادعة وكاذبة ومظللة ، لان هذه الثقافة لا تسعى لتكريس المعرفة كحد فاصل بين الخرافة ، والحياة بل هي تعيد إنتاج الخرافة بمفاهيم عصرية ، وتصبح هذه المفاهيم اصنام تعبد وتقدس ، من اجل الدخول في جنة الاستهلاك .

تخرج هذه المؤسسات المشاعية على النظريات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ، وترهن حق الإنسان في الحياة ، بتنمية وتطور ضمن نظرية الاستشراق والارتزاق ، والعيش على ثقافة طفيلية ، تكون حاملا موضوعيا للتعاطي مع هذه المشاعية .

ثقافة المقاومة تدرك حركة هذه المؤسسات ، وجوهر حركتها الاجتماعية ، كشرط موضوعي تحرف الإنسان عن ادامتيه بصورة مستمرة ، وتجعله اسيرا لمشاعية مفرطة في استنزاف انانية بدون مبرر موضوعي ، فيتحول الإنسان لصنم جديد ، يضاف للاصنام التي قامت المؤسسات المشاعيه على ضاعتها وتوسيقها ، على انها من مفردات العصر الحديث .

هذا الادراك من قبل ثقافة المقاومة ، تجعلها دائما في محل استهداف من قبل تلك المؤسسات التي فقدت انسانيتها من زمن بعيد .

ثقافة المقاومة ، التي تتحرك في هذا الوعي ، تعي سلفا انها تحل محل ثقافة اليوتوبيا المشاعيه التي استطاعت المؤسسات المشاعيه ، تضليل الكثير من المثقفين والمبدعين ، وتمرير يوتوبيا جديد ، دون ادراك هؤلاء المبدعين ، انهم يعيشون ثقافة يوتوبيا عصريـة ، مفرداتها تغزو عقولهم يوميا من خلال الكم الهائل من المفاهيم والمفردات التي تندفها تلك المؤسسات في مختلف فروع المعرفة سواء العلمية الصرفة منها او الإنسانية .

ويتشكل من هذا الامتداد الهائل المشاعي ، قاعدة معرفية يتم بنائها في غياب الدولــة ، لا بل تدفع هذه المؤسسات ، ان تعيش الدولة في غيبوبة مستديمة ولا تستفيق من غيبوبتها الا حين تقوم تلك المؤسسات بإعادة الحياة للدولة .

المقاومة الثقافية بينيوتها ، ترفض هذا التغييب ، لحق الإنسان الذي اخترع مفهوم الدولــــة ، بعد تضحيات طويلة ومريرة عبر التاريخ وتصر على ان الانسان مدني بطبعة ، وليس بفطرية ترى ان هذه الثقافة المشاعية ، لن تؤدي الا لقتل إنسانية الإنسان ، لذا نراها تركز على مفاصل هامة في ثقافة الإنسان التي تنحاز بطبعها للقيم الجمالية ، والقيم البصرية التي تجعل منه أنسانا بطبعه .

هذا الاشتباك بين الطبع والفطرية ، يجعل من الثقافة المقاومة هي الأكثر ادراكا ووعيا بمتطلبات الإنسان ، وان تتمظهر في بعض المراحل التاريخية ، انها تقوم على العنف الا انه في واقع الحال ، ان هذا العنف ضد المؤسسات المشاعية ضرورية لوقف تمدد هذه المؤسسات ، التي لا تعرف غير هذه الثقافة المقاومة تلقي بهوية الإنسان الفطرية ، على قارعة التاريخ الانساني ، فهي تنفصل في اللحظة المقاومة من فطرية الانسان ، الذي عادة يستسهل الحياة ، وينصاع لغوايته الأبدية الانحياز للاستهلاك السهـل .

ان هذه الحقيقة ، على الرغم من المها ، الا انها تدفع بالإنسان بالبحث عن معوقات القبول بثقافة المقاومة ، كدافعة للعقل الذي يبحث عن البحث عن طريق الخلص من ثقافة استهلاك تحولة الى جثة خاملة تأكل وتشرب وتتمتع بالغرائز دون استمتاع فعلي في تلك المفردات الإنسانية ، وتصبح الغاية ، الوصول لغاية الاستهلاك وارضاء الغرائــز ، التي عادة تنتج ثقافة بوهمية ، قائمة على فطرية تستمد مشروعيتها من التركيب الفسيولوجي للإنسان .

هذه التحولات لن تحقق للإنسان آدميته ، الا اذا استطاعت الثقافة المقاومة ، ان تقدم مصوغها التاريخي الإنسان ، ضمن ضرورة ، ان الجمال بمعناها الإنساني شرط التواصل بين العقل المنظم ، وفطرية الإنسان التي تتخلص من شوائبها ، في حال نجاح الثقافة المقاومة في ترسيخ مشروعيتها .

بذلك الأمر يكون الصراع بين قيم جمالية ، تتمثل في الثقافة المقاومة ، وقيم فطرية تتمثل في المؤسسات المشاعية ، التي تبدع في سيادة الثقافة الغرائزية ، وتحاول تسويغها على انها ثقافة جمالية ، تخضع لمعيار الجمال الخالص ، الذي يتعاطى مع الحواس كقابلة للاستهلاك ، فاصلة وعي الحواس ، وحاجيتها للاستهلاك .

هذا الفصل ليس يوتيبا ، او جاء ضمن ضرورة التراكم المعرفي ، فهذا الادعاء ، رغم وجهاته ، الا انه في طياته يحمل الكثير من المغالطات المعرفية ، فلا يمكن فصل الحواس للإنسان عن الوعي ، بمعنى ادراك هذه الحواس ، ان الوعي الممر الطبيعي لإفرازات الحواس ، في ترجمة ما يقدم لها . وهو بالتالي الذي يقرر ما كان هذا الذي يقدم له جيد ، او غير ذلك لان الوعي بمعناها الثقافي الأكثر قدر على تعريف وتوصيف ما يقدم له . والا لا يستطيع الإنسان بحواسه الخمسة ، تعريف ما يقدم له .

وتصبح العملية برمتها استهلاك مشاعي ، لاقيمة له ، الا قيمة ثقافة البقاء كغريزة . وهذا ما تعمل علية الثقافة الاستهلاكية ، تحويل الانسان الى مادة غريزية لاقيمة لها الا ضمن ماكنتها الثقافية . وكل من يخرج عن هذه النظومة ، يصبح لا معنى له ان هذه الخلاصة للثقافة الاستهلاكية ، هي التي تدفع بالثقافة المقاومة ، ان تتصدى بقيم جديدة ومبتكرة ، تجعل من كرامة الانسان تتساوى مع كرامة المعرفة . فالمعرفة التي تدفع بسمو الانســان ، هي التي يجب ان تسود ، في حياتنا المعاصرة . وهي تعمل من اجلها ثقافة المقاومة . ولو وقفنا قليلا في التاريخ الابداعي الانساني عبر كل مراحل تطور الابداع الانساني ، لاكتشفنا ان المقاومة دائما ، كانت هي الدافع والمنتج والمبتكر لتلك القيم الجمالية التي تشير بخطأ متوازية مع حياة الانسان .

فكل الفنون الانسانية ، لم تكف يوما وليدة الثقافة الاستهلاكية ، او ضرورة استهــلاك ، بل كانت حاجة ماسة لفلسفة الوجود ومشروعية الانسان على الارض .

هذا الصراع بين الإنسان والطبيعة ، كان دائما يحث الثقافة المقاومة ، تأصيل ادامية الإنسان ، والتعامل مع الطبيعة كجدلية دائرة رحاها بين المعرفة التي تعزز وجود الإنسان في الطبيعة ضمن منظومة التواصل بينه وبين الطبيعة ، على اعتبار ان الطبيعة هي الرحم الحقيقي للإنسان ، وليست نقيضا له . كما تحاول الترويج الثقافة الاستهلاكية . وتصوير الامر على انه صراع الاضداد .

صحيح نحن اليوم امام انماط جديدة ، من الثقافة التقنية ، التي تصنع ايقاعات متسارعة ومتوترة ، وفائقة التطور ، وسريعة التحول ، لكن هذا الخلق الجديد ، لم يتأتي على أرضية خدمة الإنسان بوصفة انسانا طبيعيا تعايش مع مفرداته الإنسانية ، بشكل مدرك . بل جاءت هذه الثقافة على ارضية التضداد مع الطبيعية ، والإنسان الرافض لتحويل لتلك الثقافة وحش يلتهم كل ما هو خير في قيم الإنسان .

هذا الاستبدال بين قيم الإنسان ، وقيم الثقافة ، جعلت من ثقافة المقاومة اكثر من ملحة ، واكثر من ضرورية ، لخلق حالة التوازي بين الثقافة المفرطة في تواجهها نحو الامعنى الأخلاقي ، وبين إنسان ما زال مصرا على معنى أخلاقي لتواجده على هذه الأرض .

مثل هذا الانفتاح الأخلاقي على الثقافة من قبل ثقافة المقاومة ، تجعل من إمكانية التبادل بين الإنسان والإنسان إمكانية أخلاقية ، تقف في وجه هذا التغول من قبل الثقافة التي تقودها الثقافة الاستهلاكية .

وهكذا فان قواعد الصراع بين الثقافة المقاومة ، والثقافة الاستهلاكية ، تتغير حسب تطور الثقافة .

ان صراع ثقافة المقاومة في وجه ثقافة الاستهلاك ، تجعل من ثقافة المقاومة دائمة الحيوية ، في تغير اشكال المعرفة ، التي يجب ان تكون في خدمة القيم الجمالية الاجتماعية ، وهذا ما تحاول الثقافة الاستهلاكية الوقوف ضده .

فوباء العزل الذي تمارسه الثقافة الاستهلاكية ، بين شكل المعرفة ، وشكل القيم الجمالية الاجتماعية ، هي التي تجعلها دائمة البحث عن بدائل مغايره لطبيعة ، الإنسان ، مستغلة التطور التقاني لصالح ترويج هذه الثقافة .

في المقابل تحاول الثقافة المقاومة الخروج من جزر العزل التي تصنعها ، وتصنعها الثقافة الاستهلاكية ، بخلق أنماط جديدة لمحاربة هذه المعضلات .

والجزر المقصودة ، هي تلك التي تتمركز حول فكرة إخضاع الغرائز في مناطق منفصلة عن الوعي ، لكي يظهر الوعي في هذه الحالة البحر الذي يحيط بتلك الجزر ، وبالتالي تخضع العلاقة بين الوعي الغرائز لقوانين جغرافية هذا ما قاتلت من اجله وما تزال الثقافة الاستهلاكية في تكريسه في المشهد الإنساني . وعلى هذا النحو تنسيج تلك الثقافة العلاقات بين المجتمعات الإنسانية .

وهنا تبرز المعضلة الكبرى لثقافة المقاومة عندما تتخلل الثقافة الاستهلاكية كعنوان ناظم لعلاقات الاجتماعية بين المجتمعات ، وبالتالي تصبح سمة من سمات المجتمع .

ولذا القول ان محاولات الانفكاك التي تقوم بها ثقافة المقاومة ، عن الثقافة الاستهلاكية ، اثناء الصراع الثقافي داخل المجتمعات البشرية ، هي مقوله غير دقيقة ، لان الصراع بين ثقافة المقاومة بفعلها الجمالي القيمي التي تدفع الإنسان ، الى رقي وتحضر ، يختلف تماما عن الثقافة الاستهلاكية التي تستبعد الإنسان وفقا لقوانينها الغرائزية ، ان الصراع لا يمكن دفعها صراعا جدليا او ديالكتيا بالمعنى الحرفي للمصطلح ، بل يتحداها لصراع وجود وبقاء ، فمن المعلوم ان الثقافة الاستهلاكية لا تقبل الشراكة او الحوار مع احد . بل في ينيوتها وتكوينها المعرفية ، ديكاتورية التوجة والهدف . وعلى نقيض الثقافة المقاومـة ، التي تنطلق من عمق ازمة الوجود للإنسان بوصفة إنسان ، فالفارق بين الاثنين كبيرا جدا . ثقافة تتشكل في بداياتها وبنيوتها كنزعة اخلاقية ، وتحمل عنوانا مقاوما ، وثقافة تتشكل في بداياتها ، وبنيوتها الغاء إنسانية الإنسان .

هذا الفارق لا يفتح أي آفاق للحوار ، او التضاد بل يفتح مجالا رحبا لصراع البقاء . ان هذا الصراع يأخذ أشكالا مختلفة ، وان انصهرت في نهاية المطاف ، صراعا ثقافيا ، يتخلله أشكال مختلفة من التمظهرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .

التي تؤدي عادة إلى أزمات مزمنة ، واخفاقات متلاحقة ، تعمل الثقافة المقاومة على تفكيكها واعادة إنتاج ثقافة مغايرة متجددة تتجه نحو سعادة الإنسان ، وستبقى الثقافة الاستهلاكية تلد هذه الأزمات بعدة فكرية قديمة ، قدم الإنسان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشاهد لطفل مبتور الأطراف يلهو على شاطئ دير البلح


.. الجيش الإسرائيلي يقتحم طوباس ويشتبك مع مقاومين في الضفة الغر




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لمنزل في حي الصبرة


.. مجلس الأمن يتبنى قرارا أميركيا لدعم مقترح بايدن بشأن غزة




.. الكنيست الإسرائيلي يصادق على تمرير قانون استمرار إعفاء المتد