الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مثقفون وعلماء

محمد أبو قمر

2020 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


لا أعرف لماذا يحاول بعض الكتّاب سواء قصاصين أو شعراء الإيحاء بأن الأجهزة الأمنية تراقبهم وتطاردهم وتضيّق عليهم أو ترغمهم علي كتابة إبداعات تمدح النظام وتتغني بمآثر السلطة.
الأمر المضحك والمثير للغثيان أن لا أحد تقريبا يقرأ لهؤلاء ، بل إن هؤلاء البعض لا يقرأون لبعضهم بعضا ، والمثير أكثر للحيرة أن هؤلاء البعض هم المستفيدين أكثر من غيرهم فيما يتعلق بطباعة كتبهم علي نفقة الدولة في هيئاتها الثقافية المختلفة ، وأعرف أن بعضا منهم استفادوا ومازالوا يستفيدون من مكافآت التفرغ بطرق غير شرعية ودون استحقاق أيضا.
من المعلوم أن الواقع الثقافي الآن مشوه وملخبط وملعبك ويتصدره مجموعة لا اساس فكري أو معرفي لهم ولا أحد منهم أنتج إبداعا متميزا أو فريدا في مجال تغيير الذائقة أو إضافة وعي مختلف أو ضخ معرفة حداثية تبشر بإحداث انقلابة في نوعية الإبداع أو حتي تقنع القاريء بأن شيئا جديدا ومؤثرا ينبغي له أن يهتم به.
الشيء الأهم الذي أثاره هؤلاء الذين دأبوا علي الإيحاء بأنهم مطاردون ومراقبون ومستبعدون ومضطهدون أمنيا هو أن مصطلح ( المثقف ) قد جري انتهاكه وابتذاله بالشكل الذي جعل المثقف الحقيقي يتواري فيما طفا الهاموش وكل من ليس له وزن ولا قيمة علي سطح الحياة الثقافية، فمصطلح ( الثقافة ) يمنحك مفهوما فكريا ومعرفيا وفلسفيا شاملا يوحي لك بالدور الهائل الذي يلعبه المثقف في إحداث انقلابات معرفية شديدة التأثير في مختلف المجالات ذات الصلة المباشرة بوعي الأمة ولك أن تتذكر في هذا السياق الراحلون جمال حمدان ، طه حسين ، زكي نجيب محمود ، سلامه موسي ، علي عبد الرازق ، نجيب محفوظ ، يوسف إدريس ، أمل دنقل ، صلاح عبد الصبور ، صلاح جاهين ، فؤاد حداد وغيرهم كثيرون ممن ينتجون الآن في صمت وبلا ضجيج في مجال الأدب والشعر والفلسفة والنقد وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم الإنسانية المختلفة أو من الإبداعات المتنوعة الأخري.
غير أن الوضع الثقافي الآن بعد تشويهه وانتهاكه وابتذاله بخطاب غيبي خرافي لا يعترف بالعلم وينكر التاريخ ويحتقر المعرفة ويصادر الوعي خلق حالة مزرية انتهكت صفة ( المثقف ) وفرغتها من المعني الغني التي كانت تشير إليه قبل هجمة الجاهلية في سبعينيات القرن الماضي ، فهل يمكن تسمية كل من طبع كتابا لم يغري أحدا بقراءته ولا يحمل أية فكرة معرفية ذات أي قيمة من أي نوع هل يمكن تسميته بالمثقف؟؟ ، والغريب أن أمثال هؤلاء لم يكتفوا بابتذال صفة المثقف وإنما راحوا يدعون البطولة ويحاولون لفت الأنظار إليهم باعتبارهم يمثلون الوجه الثقافي الذي ينشد إنقاذ الأمة من غيبوبتها التاريخية وأن السلطات تطاردهم وتضطهدم وتحول بينهم وبين إنجاز مهامهم التاريخية العظيمة ، في حين أنك حين تعصر علي نفسك ليمونة وتقرأ لأحدهم شيئا ستكتشف أنه غارق إلي أذنيه في وحل الغياب واللاعقلانية والتفاهة التي رتبها الخطاب الصحراوي الغيبي ، وأنه ضائع لا موقف له ولا لون ولا ثمة أفكار معينة لديه ولا برنامج ولا رؤية .
الأكثر دلالة علي التهتك الثقافي الذي نعيشه الآن هو أنه مثلما تجد رجل الدين يفتي - بالإضافة إلي المواضيع الدينية - يفتي في علوم الفيزياء والكيمياء والجنس والطب والتاريخ والأخلاق والعلاقات الاجتماعية والفضاء ، مثلما تجد رجل الدين في ظل هذا الوضع اللاعقلاني الخرافي يفتي في كل شيء هكذا ستجد بعض مغتصبي وصف المثقف يفتون في المجالات الثقافية المتعددة ، ستجد مثلا الشاعر - إلي جانب شويعريته - ستجده ناقدا ، ومفكرا ، وفيلسوفا ، وقصاصا ، وروائيا ، وسياسيا ، وضليعا في علم الاجتماع ، والتاريخ ، بل لديه القدرة علي التنبؤ بما سيحدث في المستقبل القريب والبعيد.
الكل في واحد هذه من أهم سمات الخطاب الثقافي الخرافي السائد ، ذلك الخطاب الذي يطلق سدنته علي أنفسهم وصف العلماء بالرغم من أنهم لا يفعلون شيئا سوي حفظ مقولات وتفاسير الأولين ثم ترديدها بنفس ألفاظها بل وجعلها قوانين وأحكاما علي الحاضر والمستقبل كذلك.
هذا التشوه البغيض أرخي بظلاله المعتمة الكثيفة علي الحياة الثقافية فأماتها وأخرج القادرين علي التغيير من دائرتها وأبقي علي هؤلاء الذين كلما باض أحدهم بيضة فاسدة راح يدور حولها معلنا أن الدنيا - وليس الأمن وحده - تطارده وتضهده وتريد تحطيم بيضته ومصادرة ما فيها من خلاصة جهله








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا