الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كمال سبتي طائر الجنوب الرمادي

ماجد لفته العبيدي

2006 / 5 / 31
الادب والفن


حينما شد طائر الجنوب رحاله فوق ضفاف الفرات كان يبحث عن ملتقي النهرين في الخليج, ليرفرف بجناحيه فوق السفن المشرعة التي تودعها النوراس وهي تطلق صفاراتها الأخيرة معلنة رحيلها نحو بحر العرب ومضيق الرجاء الصالح, لقد تمسك بكل قوته بأعمدة الصواري لخوفه من الأمواج المتلاطمة فطيرنا الصغير قد تعود الطيران قرب ضفاف الفرات في الناصرية متفيأ في بستان الحاج عبود وسوق الصفا فير وبستان زامل الذي تغرد فيه أجمل البلابل, في غفوته فوق الصاري المتأرجح أستنشق الرطوبة وعبق البحر فأصابه دوار البحر الذي أعاد إليه حادثة أبو نؤاس حينما ولجي مع مجموعة أصدقائه [ يسارية الهوى ] كان من ضمنهم الشاعر البصري حيدر ألكعبي في فرع يطلع على شارع السعد ون قرب سينما سمير أميس, أعترضتهم مفرزة من الأمن ودون سابق إنذار أشبعتهم ضربا مبرحا حتى سقطوا على الأرض وهم مضجرين بدمائهم, فتركوهم رجال الأمن الصدامي على الأرض واستقلوا سيارتهم, ثم حمل هولاء بعضهم البعض إلى القسم الداخلي لمعهد الفنون الجميلة في منطقة الشورجة , كان يدور وشريط الإحداث يلاحقه ولم يشعر بالبحارة الذين ساعدوه وجعله يستلقى على الأريكة في القفص الخشبي فأسلم نفسه لنعاس , ووجد نفسه هائما في شواع الناصرية يبحث عن مقهى أبو أحمد وصديقة وأستاذه أحمد ألباقري والأمراء الصغار وجوادالازرقي وسهيل عبد لله وحيدر ألكعبي وجاسم سبيتي وعباس ذيبان المصور وشارع الهوى وحديقة غازي وبهو الادارة المحلية وتلك الوجوه السمراء المتلاحقة في شوارع الناصرية الذي كان يتدافع معهم للاحتماء من لهيب الشمس الحارقة ببقايا الظلال.
بعد أنقضت رحلة البحر والبكاء على ضياع كنوز السند يباد التي أطبقت عليها أمواج البحار العاتية , وفقدانه الأمل في العثور على عشبة الخلود قرب جلجامش ,عاد كمال سبتي مسرعا من باريس إلى بغداد متلحفا بقصيدته الف وتسع مائة وثمانية وسبعين التي ودع بها [الأمراء الصغار ] # وحاول فيها إن يقرا نظرات ترتوتسكى وهو يصعد القطار منفيا إلى المكسيك, أصدر كمال ديوانه الأول وردة البحر في بغداد 1980 قبل أن تسحق الورود ثقل بساطيل العساكر في ميدان الحرب ,وأتبعه بديوانه الثاني 1983 بتساؤل مشروع [ هل ظل شيء ما ] تسائل بصورة احتجاجية على الحرب التي جاءت على الأخضر واليابس وهرب من خرابها وجحيمها , ليصدر فيما بعد ديوانه الثالث عام 1986 [حيكم بلا مدن ] صورة شعرية تعبر بجماليتها وموسيقيتها الداخلية عن حالة الاستبداد والغربة الموحشة [ نسلمكم العراق أرض بلا شعب ,كما يقول صدام ] .
ظل كمال سبتي ملتزم فكريا بالأفكار اليسارية والديمقراطية على طريقته الخاصة وحينما وصل في نهاية الثمانينات هارب من الخدمة الإلزامية والوطن كله كمال يقول , حل ضيفا على بيت الشاعر التقدمي العراقي سعدي يوسف في بلغراد, وبعد ان نفض عن جناحيه غبار السفر, سلم شاعرنا الكبير دواوينه الأربعة وكانت على شفاه ابتسامة صغيرة كطفل فرح وعيونه مغرورقة با الدموع التي كادت تتدحرج فوق خديه, وهو مختنقا بحشرجة صوته الذي يقبض على العبارات التي حبسها في صدره وكادت تتطافر هنا وهناك ... وهو يقول , بدأت أشعر بزهو مبعثه خلوا كتبي من كلمة واحدة عن الدكتاتور وحربه وكان سعدي هو أول عراقي التقيه بعد الهرب وكانت كتبي هي تاريخي الشخصي في عراق الدكتاتورية والحرب وكما أنها كانت غريبة في بغداد فأنني كنت أود أن أرها غريبة في عيني أول عراقي التقيه .
واصل كمال سبتي رحلته من بلغراد ليعيش في مدريد ثم انتقل لب هولندي لتكون محطته الأخيرة التي أسدل فيها جناحيه ليغفوا إلى الأبد .
Majid.sha61@ hotmail.com




______________________________________________________________


# لقب يطلقه الشاعر كمال ألسبتي على أصدقائه من اليساريين والشيوعيين
# وجد كمال سبتي متوفي في شقته في جنوب هولندا منذ أربعة أيام دون معرفة أصدقائه به في17 أبريل 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي : فيلم -البحر البعيد- للمخرج المغربي سع


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعات وفاته




.. من المسرح لعش الزوجية.. مسرحيات جمعت سمير غانم ودلال عبد الع


.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله




.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك