الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوة الناعمة المصرية

سمير زين العابدين
(Sameer Zain-elabideen)

2020 / 1 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


رغم أهمية هذا المصطلح (القوة الناعمة Soft power) الا أنه مصطلح حديث ظهر مع بداية التسعينات، ليصيغ أحد وسائل النجاح في التأثير السياسي دون اللجوء الي استخدام القوة أو الإجبار أو الإكراه، والمصطلح من وجهة أنه قوة فهو يأتي مقابلا للقوة الصلبة كقوة تأثير متمثلة في القوة العسكرية والإقتصادية.

قد يتبادر للذهن أن القوة الناعمة تشير الي السينما والمسرح والمسلسلات التليفزيونية والموسيقي والصحافة وكرة القدم ... الخ، وهذا تسطيح لهذه القوة الإستراتيجية في مفهومها الشامل، والذي ينتمي في الأساس الي مفاهيم العلاقات الدولية والسياسة الخارجية لخدمة المصالح الوطنية وتنميتها.

تعتمد القوة الناعمة لأي بلد علي مصادر ثلاث هي (الثقافة والقيم والسياسات) من حيث مدي مصداقيتها وجاذبيتها للدول الأخري، ومن ثم فهي لا تعتمد فقط علي الثقافة كما يصورها البعض، فلا يمكن مثلا إغفال (القيم) والأخلاق المصرية، كالشهامة والتسامح وخفة الدم والكوميديا والانفتاح علي الثقافات الأخري وتقدير العلم والعلماء، كما لا يمكن إغفال عراقة (السياسة) المصرية وتطورها عبر العصور، وخاصة في العصر الحديث، حيث سبقت مصر الكثير من الدول المحيطة، في إرساء نظام سياسي كان جاذبا لتطلعاتهم.

يستدعي التقييم الصحيح للقوة الناعمة المصرية عدم المبالغة في تقديرها وتصويرها بشكل استعلائي، والمبالغة في تصوير انفرادها بحمل التنوير والحداثة للمنطقة بأكملها، حتي لا ننكر الأدوار الأخري، وإنما يستدعي الإشارة للدور المصري المركزي وسبقها في التقدم، وجاذبية نظمها السياسية والإجتماعية، والجاذبية الثقافية والفكرية لما حولها من الدول العربية بالنظر الي الأوضاع المتردية التي كانت تعاني منها هذه الدول.

لهذه الأسباب تميزت القوة الناعمة المصرية التي برزت في عشرينات القرن الماضي ووصلت الي أوج توهجها في الخمسينات والستينات، ثم شهدت السبعينات بداية أفول هذه القوة وتدهورها وصولا الي اليوم.

كان للنهضة العلمية والفكرية والمعرفية التي تنامت منذ عشرينات القرن الماضي دورها في تصاعد القوة الناعمة المصرية، حيث نذكر علي سبيل المثال انشاء جامعة القاهرة في 1911 من أوائل الجامعات في العالم الثالث، ونذكر الآلاف من حاملي شهادة الدكتوراة وتميز الكثير منهم (مصطفي مشرفة وطه حسين وسميرة موسي ودرية شفيق ...الخ) قبل إنتصاف القرن العشرين.

لقد تصاعدت القوة الناعمة المصرية في مجال (الجاذبية السياسية) من خلال إنجازاتها السياسية (جلاء الإنجليز، وتأميم قناة السويس، وبناء السد العالي رغم معوقات الغرب) ومن خلال دورها الريادي في المجتمع الدولي ودفاعها عن قيم التحرر والإستقلال الوطني، ودورها المركزي في إنشاء العديد من المنظمات الدولية والإقليمية (الجامعة العربية، الأمم المتحدة، ومنظمة الدول الأفريقية، ودول عدم الإنحياز.... الخ)، ومن خلال تألق الدبلوماسية المصرية في عهد عبد الناصر، كواحدة من أهم أدوات القوة الناعمة المصرية، وأكثرها تأثيرا حيث كانت لمصر كلمة مسموعة علي الساحات العربية والأفريقية والدولية.

ثم تأتي الجاذبية الثقافية كأحد أهم مصادر القوة الناعمة التي بزغت مع مطلع القرن العشرين، ساهم في ذلك الكتّاب والمثقفون والمترجمون والفنانون بأنواعهم والسينمائيون والمسرحيون والخبراء والصحفيون والأكاديميون وقارؤوا القرآن، والإذاعة والتليفزيون، ودور النشر، والمجلات العلمية والأدبية والثقافية، وغيرهم، حيث ساهم كل هؤلاء بريادتهم في طرق هذه المجالات من تعزيز القوة الناعمة المصرية، وفطنت القيادة السياسية بعد 1952 الي أهمية ذلك، فتبنت دعم وتشجيع وتطوير كل الأنشطة الثقافية والإستثمار فيها، فأدي ذلك الي دخول الثقافات المصرية الي كل بيت عربي والتأثير المباشر في تشكيل الوجدان العربي، وأصبحت مصر مقصدا للمثقفين والفنانين والدارسين العرب، ما ساهم في جعل القوة الناعمة لمصر لا غني عنها في الوطن العربي بأكمله.

ثم بدأ تهاوي القوة الناعمة المصرية في عصر السادات وبعده مبارك وهذا ما سنتعرض له لاحقا,
فللحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات