الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوة الناعمة المصرية (2)

سمير زين العابدين
(Sameer Zain-elabideen)

2020 / 1 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


كما أسلفت في المقال السابق فإن القوة الناعمة المصرية برزت في عشرينات القرن الماضي ووصلت الي أوج توهجها في الخمسينات والستينات، ثم شهدت السبعينات بداية أفول هذه القوة.

كان من أهم أسباب تراجعها هو مجيء السادات برؤية مختلفة لتوجهات السياسة الخارجية، مغايرة تماما لرؤية عبد الناصر الذي كان تركيزه علي أن الإنتماء الأول لمصر هو الدائرة العربية، أما السادات فقد ركز علي أن تكون السياسة الخارجية سياسة مصرية خالصة، مكررا دائما أننا أصحاب حضارة سبعة آلاف سنة، متوجها في اتجاه أمريكا، ومتجاهلا البعد القومي العروبي الذي يجب أن يمثل ظهيرا قويا للسياسة المصرية بفعل مقتضيات إختلاف العصر.

تزامن مع ذلك تراجع القوة الصلبة المصرية (السياسية والإقتصادية والعسكرية والدبلوماسية) بعد نكسة 67، وبعد وفاة عبد الناصر، وسادت سياسات تتسم بعدم الشفافية، وانتشر الفساد، وتراجع الإهتمام بنشر القيم والثقافات والنموذج المصري علي المستويات العربية والإفريقية والإسلامية، وصل الي ذروته بعد زيارة السادات الي إسرائيل، وتوقيع اتفاق السلام، والتبعية للسياسة الأمريكية، وقطع العلاقات العربية، وأصبحت مصر في جزيرة منفصلة تصارع الأمواج وحدها.

هكذا فقدت السياسة والدبلوماسية المصرية جاذبيتها، واختلت منظومة القيم المصرية وفقدت هي الأخري جاذبيتها علي المستوي العربي، وساعد علي ذلك توالي انفجار بؤر الصراع في الوطن العربي في ظل سلبية الدور المصري وعدم فعاليته ( الحرب العراقية الإيرانية واحتلال بيروت والحرب الأهلية في السودان وأخيرا غزو صدام للكويت ثم حرب الخليج الثانية) ما أدي الي دخول التخالف الدولي بقيادة أمريكا وانتشاره في المنطقة ومن وقتها لم يخرج، وفقدت مصر الي غير رجعة دورها المؤثر في الدائرة العربية وخاصة في دول الخليج العربي.

علي نفس المنوال تراجعت جاذبية الثقافة المصرية، بفعل التحول السياسي والإقتصادي في عصري السادات ومبارك، وتطبيق ما سمي بسياسة الإنفتاح، التي حولت الأمور الي مكسب وخسارة، واختلفت التوجهات الإجتماعية كليّة، وانسحبت الدوائر الرسمية تدريجيا من الأنشطة الثقافية، ومن ثم حل محلها الطبقات الرأسمالية الطفيلية الجاهلة، لتحول الثقافة الي (بيزنس) وليست رسالة أو خدمة عامة كما يجب أن تكون.

لم تكتفي الدولة برفع يدها عن الأنشطة الثقافية والفكرية بل بدأت في معاداة كل ما هو ثقافي وفكري حقيقي، ووصل الأمر لسجن بعض الكتاب والصحفيين والمبدعين، ومع سيطرة رؤوس الأموال الطفيلية، هاجر عدد من المبدعين ليجدوا أسواقا تقدر إبداعهم، مثل الكويت وأبو ظبي وعمّان وغيرهم، وساهموا في بناء نهضة إبداعية فكرية وثقافية في هذه البلدان، وتخلت مصر عن دورها الرائد في نشر العلوم والآداب لصالح المكتبات ودور النشر في دبي والدوحة والرباط وتونس وبيروت والرباط.

انحدر المستوي الفني للسينما والمسرح في مصر، ووصلت الي حد الإبتذال (أفلام الثمانينات)، وتراجع الإعلام المصري وأصبح غير قادر علي مواجهة مواد الإعلام الخبرية والدرامية والبرامج والفعاليات الفنية والثقافية الوليدة، في كل من السعودية ولبنان وسوريا وحتي تركيا وإيران، وتحول التليفزيون الرسمي الي مضحكة، في ظل تراجع التقنيات الحديثة المستخدمة، وهبوط مستوي العاملين، وهجرة الكفاءات الي القنوات الخاصة والتليفزيونات العربية والأجنبية، كما تراجع اللإنتاج الأدبي والمعرفي في ظل تضييق الخناق الأمني عليه، وسطوة الرقابة.

صاحب ذلك التدهور، وكان أحد أهم عوامله، الغزو الديني الوهابي علي يد الجماعات السلفية والأخوان المسلمين، فانتشرت البرامج والقنوات الخاصة والمكتبات والتسجيلات الدينية بكثافة شديدة، بكل ما تحمله من كراهية وازدراء للفنون والثقافة، مدعمة وممولة بأموال محلية وأجنبية، لتكون في متناول القادر وغير القادر، هادفة الي تغيير المزاج المصري، وصرفه عن الفنون والترفيه، وقد نجحت في ذلك الي حد بعيد.

ان السبب الجوهري في تراجع القوة الناعمة المصرية يعود في المقام الأول الي تغيّر السياسات العامة والإقتصادية، ومنظومة القيم الإجتماعية، وتراجع قيمة العلم والتعليم منذ السبعينات، في ظل غياب هدف قومي استراتيجي يلتف حوله الشعب، يهدف الي الإرتقاء الإجتماعي، وأصبحت قيمة المواطن تحسب بما يملك من المال وليس بما يتمتع به من علم وثقافة.
وللحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟