الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلسلة قصصية - من سفر الطغاة

محمد حسين علي المعاضيدي

2006 / 5 / 31
الادب والفن


من سفر الطغاة
( أيمان وطفليها طيف وأثير)
ستركع لك كل شياطين الأرض يا طاغية لأنك ملك الشياطين، ولكي لا تكون الجريمة مكرمة ولكي لا ننسى وتنسون فهاهي إيمان وطفليها يؤلفون السطر الأول من صفحات كتاب يوثق وبالقلم العريض سفر الطغاة الملعونين ومن خلال قصة واقعية بطلتها شهيدة وملكة من ملائكة الرحمة والحب والحنان..رحلت إيمان وتركت طفليها غارقين في بحر من دموع الأسى والحزن وحسرات من نيران الألم تلتهم صدورهم وندم كبير يعتاش على أفئدتهم لأنهم شاهدوا موت أمهم بالتعذيب عل أيدي الجلاوزة ظلاّم العصر ورواد القتل والطاغوت والطغيان بشكل لم نجد له مثيلا على مر العصور. بعد توسلات (أيمان) بالجلاد لرحمتها يقول لها (القانون فوق الرحمة ) لا وجود للقانون أو الدستور أو الشرائع هنا لنتعامل إلا بأدوات التعذيب لأنها السبيل الوحيد لك واعترافاتك سنأخذها عاجلا أم أجلا لان لا أحد يستطيع أن يحتمل تعذيبنا وأنا مشهور هنا بنزع الاعترافات من المجرمين أمثالك، قالها وصدره منتفخ بالفرحة والغرور، سوف تعترفين بسرعة فائقة بسبب خبرتي في ذلك ولقد تم تكريمي مرارا على إخلاصي في عملي هذا وسترين .. القصة ليست من سرد الخيال بل هي(( واقع وأشخاصها الباقون موجودون والأدلة موجودة عندي لمن يريد الإطلاع عليها )) فالقصة من أولها فأن إيمان صديقة مر يم تلميذتان جميلتان في صف واحد وكنّ يتبادلنّ الصور الشخصية للذكرى كمال يقال بالإضافة إلى الهدايا في المناسبات وغيرها.. تركت أيمان الدراسة بسبب وفاة والدها لكي تعيل عائلتها لا المكونة من ثلاثة بنات وأمهن.. رفضت الزوج عدة مرات بسبب المسؤولية الملقاة على عاتقها.. وأخيرا شاءت الصدف أن تتزوج أيمان في عام 1983 من رجل كريم في الاسم والفعل كان زميلا لها في عملها قبل أن تترك ذلك العمل.. وقد استمرت أيمان بعطائها لامها وأخواتها الصغار.. ولم تنقطع عنهم يوما واحدا وكانوا شركائها حتى في رغيف الخبز. رزقت أيمان بطفلها الأول فأسموه (طيف ) وباله من طيف منحوه هذا الاسم ليكون وكما اعتقدوا طيفا من السعادة والهناء ثم تلاه أخر بعد سنة أسموه (أثير) ليكون أثيرها الذي كانت تحلم به نسيما عذبا من أنسام الجنة والوفاء ولكن (( تجري الرياح بما لا تشتهي السفن )) ولم تكن إيمان تشعر بأن بحر حياتها مليئا بالأفاعي الصدامية وألغام الظلم والطاغوت والموت. مرت الأيام ففي عام 1987 كانت الكارثة حيث قام بعض الشبان باقتحام أحدى مباني الفرق الحزبية في محافظة القادسية وقاموا بتوثيق الحرس ليدخلوا مشجب السلاح ويأخذوا كمية من أسلحته وتبادلوا إطلاق النار مع حرس أخر ين أصابوا عددا منهم ثم انسحبوا دون أن يتمكن الحزبيون العفالقة من إلقاء القبض على احد منهم. كان اخو مر يم صديقة (إيمان ) من ضمن هؤلاء الشباب فبعد العملية قامت قوات الأمن والطوارئ الصدامية بتطويق المنطقة واعتقال أسرة ( مر يم ) المكونة من ثمانية أفراد كان ذلك في يـــــــوم 23/7/ 1987 ظهرا أما منفذ العملية واسمه قاسم عبد الرضا وهو اخو مر يم فقد هرب إلى جهة مجهولة لكن الطغاة قاموا بإعدام أبيه وأخوته. أما (إيمان ) الزوجة والمسكينة فقد كانت لها الصدف بالمرصاد فعندما قام ازلام النظام وطاغيته بتفتيش دار مر يم صديقة المسكينة (إيمان ) بحثا عن المعلومات أو الأدلة التي تمكنهم من اعتقال اكبر عدد ممكن من الناس فلم يجدوا إلا بعض الصور التذكارية لقسم من الشباب والفتيات وسرعان ما تم اعتقال كل من كانت لديه صورة هناك ومن بينهم (أيمان ) التي اعتقلوها مع طفليها ووجهت لها تهمة الاشتراك في العملية بسبب صورتها التي عثروا عليها لدى مر يم واعتبروا الصورة دليلا قاطعا ودامغا في نظرهم عل ذلك. رفضت إيمان تلك الاتهامات الموجهة إليها وقالت إنها ليست سوى صديقة لمريم ولم تشاهدها منذ فترة طويلة لأنها انشغلت بواجباتها الزوجية والمنزلية وتربية طفليها.. ولكم حاولت أيمان أن تدفعهم لاستيعاب الحقيقة ذلك وان الصورة قديمة من أيام الدراسة.. ولكن دون جدوى !!! فأي كلام ينفع مع هؤلاء الطواغيت وتلك الرؤوس والأدمغة العفنة والقذرة التي لا تعرف سوى إشباع رغباتها الإجرامية وممارسة اشد أنواع القساوة أخلاصا لسيدهم ((سيد شياطين الكفر والأجرام )).. لهذا وذاك بدأت (أيمان ) ومأساتها بالعد التنازلي .. ففي اليوم الأول لاعتقالها مع طفليها قدموا لهم وجبة لا توصف من الصفعات والركلات وفي اليوم الثاني جردوها من ملابسها وأوسعوها ضربا بالكيبل الكهربائي ثم بالصعقات الكهربائي التي ترج جسمها رجا تنطبق فيه أقدامها على رأسها من شدة الألم.. والمشهد يتكرر يوميا وإيمان لا تملك سوى صيحات التوسل والاستنجاد والبكاء لجلادها ليتركها لأجل طفليها اللذان يصرخان بجانبها والجلاد يردد عبارته المشهورة ( القانون فوق الرحمة ).. تناوب عليها الجلادون وكل منهم له أسلوبه الخاص في التعذيب والقتل.. كانت لإيمان زميله لها في الزنزانة.. قالت لها إن الموقف خطير وان أشد ما يؤلمني هو النظر إلى أطفالي وهم يتلوون ويبكون من الضرب مرة ومن تعذيبي إمام أعينهم مرة أخرى.. ولم تطل (أيمان ) الكلام مع زميلتها فقد قاطعها جلاد أخر فاشتد عليها الضرب بمختلف الأنواع حتى تغيّر لون جلدها ولم تعد قادرة على رؤية شيء حتى أطفالها.. لم يتركوا لإيمان ساعة تستريح بها من التعذيب ولم تعد تسمع سوى عبارة واحدة تكررت عليها مع سياط الجلاد وركلاته (( اعترفي يا مجرمة ))..وهي تصرخ وتستغيث بصوت يثير الشفقة.. وكن من أين تأتي لمثل هؤلاء المجرمين الشفقة !!! .. ولم تستطع الكلام ففمها مليء بالدم المتخثر بعد أن تمزقت شفتيها وانكسرت اثنان من أسنانها الأمامية... أطل صباح جديد ويوم أخر للتعذيب حين دخل عليها اثنان فسحبوها من شعرها ووضعوا ( الكلبجات ) في معصميها إلى الخلف ثم طرحوها أرضا ووضعوا المكوي الكهربائي على صدرها وكرروا ذلك مرات ومرات وهم يقولون.. كوني عاقلة يا أيمان وقولي الحقيقة فهنا لا وجود للقانون أو الدستور سوى ما نملكه من أدوات التعذيب كالكيبل أو المكوي الكهربائي أو الصعق أو التعليق أو احد صناديق الموت.. اعترفي لتنقذي حياتك واعلمي أن اصلب الناس لا يستطيع أن يصمد أمامنا أكثر من أسبوع وها قد مضى عليك اثنا عشر يوما ولم تعترفي.. فقولي لنا ماهي علاقتك بالعملية فأن صورتك موجودة في بيت منفذ العملية ؟ لم تجب إيمان بشيء لأنها لا تعرف فعلا أي شيء. فعادوا إلى تعذيبها بوحشية حتى أغمي عليها فأعادوها إلى زنزانتها ملفوفة ببطانية متهرئة فشاهدها أطفالها فاندفعوا إليها يتصارخون والصغير جائع جدا يريد من صدرها الحليب وأمهم فاقدة لكل شيء حتى وعيها.. وكان اليوم الرابع عشر لاعتقالها يوما (عبوسا قمطريرا) كان يوما للفراق الأبدي عندما جاءها الجلادون فتوسلت إليهم أن يرحموها لأجل طفليها ولأجل الطفل الذي مازال بين أحشائها.. أجابوها يا (أيمان) لا تخافي فلسنا قادمون أليك بل إلى هؤلاء الشباب فأشاروا إلى طفليها فرمت بجسدها وروحها عليهم.. ولكن دون جدوى فق انهالوا عليها بالضرب فلم تحتمل وعلى الرغم مما في جسدها الطاهر من الآلام وجروح فأن أمومتها وحبها لطفليها دفعتها لتقف بوجه الجلاد دون شعور مندفعة لتحمي طفليها فقد دفعت الجلاد مما جعله ينهال عليها بالضرب المبرح الشديد انتقاما لنفسه مما فعلت وكانت ركلاته واحدة تلو الأخرى حينها صرخت صرختها الأخيرة وأرسلتها مناشدة رب السماء لكي يدركها فاستجاب لها بعد أن احتضنت طفليها وهي تغسل وجهيهما بدموع الوداع.. انتقلت إلى السماء تاركة وراءها أطفالا معذبين جياع.. فارتفع الصراخ والعويل وتعالت صيحات الفتيات والنساء. في الزنزانات المجاورة عند سماعهن بموت إيمان كثر صراخ الشباب والنساء .. حتى إن قسما منهم اخذ يضرب رأسه بالجدران أسفا وحزنا على إيمان رغم إنهم لم يروها ولكنهم اعتادوا على صرخاتها إثناء التعذيب. رحلت أيمان ذات العشرين ربيعا تاركة وراءها أيادي كثيرة تلطخت بدماء الأبرياء الزكية وكأني بلسان حالها يقول الله سلّط عليهم من لا يرحمهم واللهم أخزهم في الدنيا والآخرة وأحفظ برعايتك الكريمة أطفالي وزوجي وعائلتي انك ارحم الراحمين.. ولعنة الله عل القوم الظالمين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري