الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعدام عبد متمرد

ابراهيم أحنصال

2020 / 1 / 15
الادب والفن


في ثلاثينيات القرن الماضي، كان بقرية تدعى (أسْكارْ) المتواجدة سفح الأطلس الكبير والتابعة إداريا لتاكلفت إقليم أزيلال، عبدٌ يدعى: (فَتْحْ) مملوكا لسيده (ح.أومولاي)، الذي عُين (مْقَدْماً) لأمد معين قبل عزله. وتعود علاقة هذا العبد بسيده إلى مرحلة ما قبل الاحتلال الفرنسي، ولأن الرق لم يُلغ إلا سنوات بعد سيطرة الاحتلال، فالعبد كان يساعد سيده في أشغال الفلاحة كقِطاف الزيتون والزراعة البورية ورعي الماشية.

قلتُ: بعد عزل السيد ح.أومولاي من منصب (مْقَدمْ)، عُين بدلا منه شخص يدعى اسعيد أوحمو من فخدة (آيت احساين كسعيد)، وفي تلك الفترة تعرضت سيدة مسنة للسرقة فَقدت إثرها حِليها، فما كان من (المْقَدمْ) الجديد إلا أن توجه بالاتهام إلى العبد المملوك لـِ(المْقَدمْ) المعزول، فأصدر القبطان الفرنسي حاكم منطقة تاكلفت ويدعى (فيغو) أمرا باعتقال المتهم بالسرقة، لكن (فَتْحْ) لم يُمَكنهم من نفسه بل لجأ هاربا إلى الأدغال ومحتميا بأعالي الجبال، وساعده في تمرده قوته الجسمية وعضلاته المفتولة الصلبة، فكان لا يأتي إلى بيت سيده إلا خلسة من أجل التزود بما يسد جوعه من طعام.

لم يمض سوى أسابيع حتى شَبَّ حريق مهول بِبَيْدَر أتى على المحاصيل الزراعية (تافَّا بالأمازيغية)، في ملكية المقدم اسعيد أوحمو فتحولت إلى رماد، فتوجه الأخير بالشكوى إلى القبطان الفرنسي متهما العبد المطارد. هنا لجأ القبطان إلى اعتقال السيد أومولاي متهما إياه بالتواطئ مع عبده الفار والتستر عليه، وأنه لن يطلق سراحه إلى حين تسليم المتهم اللائذ بالأدغال؛ لاسيما أن العبد فَتْحْ كان يجاهر بتصميمه على الانتقام باغتيال كل من القبطان (فيغو) وقائد تاكلفت (موحى أوباسو) والمْقَدمْ (اسعيد أوحمو) وآخرين... فصار السيد رهينة وطال أمد اعتقاله، وضاقت السبل بأسرته التي أخذت تستشير بحتا عن مَخرج، فاهتدت إلى حيلة وضع ترتيباتها أحد أصدقاء الرهينة.

حضر فَتْحْ كعادته ليلا للتزود بالطعام من بيت سيده، وبعد الاستئناس بالكلام انقضت عليه زوجة الرهينة وتدعى رابحة باسو، التي كان يطلق عليها بالأمازيغية (أزاض) -بتفخيم الزاي- لما تمتاز به من بطش وصلابة وقوة وعنفوان، فأمعنت إمساكه من مَذَاكِيرِه (خصيتيه)، فيما سارع أبناؤها وكانوا صغارا إلى تنفيذ تعاليمها بلف حبل سميك بعنق العبد، والذي كانت الأسرة تدعوه أبداً –يا للمفارقة!- (بابا حمو) للتودد وإبداء الاحترام له ولإشعاره أنه عضو منها، فيما سارعت يافعة إلى إطلاق وَلْوَلاتٍ للاستنجاد مزقت سكون القرية، حينها سارع (أوعمي) كما اتفق مرفوقا باثنين من رجال القرية للنجدة، فأمسكوا بالعبد وأحكموا وثاقه بقيد حديدي (تايْفّارْتْ) وحملوه على بغلة إلى مركز القيادة ليتم مبادلته بالسيد أومولاي. فانهارت علاقة العبد بسيده لأن مصلحة الأخير اقتضت التضحية به.

عند القبطان (فيغو) التزم (فتْحْ) الصمت ولم ينبس ببنت شفة، ربما وفاء منه لسيده، أو أنه كان على يقين بأن لا جدوى من الكلام وفي صمته تعبير صارخ. فتم نقله إلى مدينة القنيطرة وبعد ستة 6 شهور من الاعتقال نفذ فيه الإعدام، بحيث استدعي السيد (أومولاي) إلى مركز تاكلفت ليتسلم ملابس مملوكه كما جرت العادة يومها!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا