الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تيمور الشرقية قصة نفطية نموذجية

ثائر دوري

2006 / 5 / 31
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


ما جرى و يجري في تيمور الشرقية قصة مدرسية تماماً و تستحق أن تدرس لأنها تتشابه في الخطوط العامة للمقدمات و في المآل و النتائج مع قصص يجري طبخها الآن في المطبخ الأمريكي لفصل أقاليم و إنشاء دول جديدة في المنطقة العربية و في مناطق أخرى من العالم . تعالوا نستعرض تفاصيل هذه القصة .
تيمور الشرقية هي مساحة جغرافية صغيرة في أقصى شرق الأرخبيل الأندونيسي ، و هي تفصل الأرخبيل عن أستراليا . أدت المرحلة الاستعمارية إلى اختلافات دينية و لغوية بينها و بين هذا الأرخبيل . فالأرخبيل بأغلبية إسلامية أما تيمور الشرقية فمسيحية و وثنية، كما أن الأرخبيل كان مستعمرة هولندية أما تيمور فبرتغالية، و نجم عن هذا اختلاف لغوي فسكانها يتكلمون البرتغالية. لكن لا الاختلافات الدينية و لا العرقية يمكن أن تشكل أساساً لانفصال تيمور الشرقية عن أرخبيل متعدد القوميات و الإثنيات و الأعراق و اللغات و الأديان، فالعرقية الجاوية أكبر العرقيات لا تشكل سوى 45% من السكان، كما يوجد في الأرخبيل تعدد لغوي هائل فهناك 668 لغة، و يبلغ عدد اللغات التي يتحدث بها أكثر من مليون إنسان 15 لغة، و يشكل المسلمون 87% من السكان. و يوجد مسيحيون بروتستانت و كاثوليك ،و بوذيين ، و هندوس . و من الدلالات الهامة على عدم التمييز العرقي أو الديني أن الأقلية الصينية التي لا تتجاوز نسبتها 4 % من السكان تسيطر على نصف الاقتصاد. فليس عن عبث أن يكون شعار الأرخبيل الوحدة ضمن التنوع (البانكاسيلا).
استولت اندونيسيا على الجزيرة عام 1975 عند انتهاء عهد الاستعمار البرتغالي و بالطبع فإن الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت حليفة لنظام سوهارتو الدموي المجرم، ساندت سيطرة اندونيسيا على الجزيرة، فهي كانت تخشى سقوطها في يد السوفييت و تحولها إلى كوبا أخرى. و خلال عدة عقود ساندت الولايات المتحدة هذا النظام الدموي الذي ارتكب أفظع المجازر، و يقال إنه قتل ثلاثة أرباع المليون إنسان من الشيوعيين الحقيقيين أو المشتبهين عند استلامه السلطة بتشجيع و دعم و إسناد من قبل السفارة الأمريكية التي كانت تسلم النظام لوائح بأسماء الكوادر الشيوعية أو الوطنية التي يجب تصفيتها و لم يكن النظام ليتأخر عن التنفيذ. و بالطبع نال أهالي تيمور الفقراء من الظلم مثلما نال إخوانهم في بقية أرجاء الأرخبيل بل ربما أقل لأن الجزيرة كانت بعيدة عن مركز الصراع.
و كان أن انتهت الحرب الباردة و تغيرت السياسات فتمت إزاحة سوهارتو عن السلطة و حل نظام فيه قدر معقول من الديمقراطية عندها انفجرت مشكلة تيمور الشرقية في وجه هذا النظام. و دارت طاحونة الإعلام الغربي، التي لا تدور إلا على باطل، فبدأت القصص عن مآسي هذا الشعب و عن المجازر التي يتعرض لها ، و ملأت حكايات القتل و الاغتصاب و السلب و النهب شاشات التلفزة الغربية، و لتقريب الصورة شاهدوا التغطية الإعلامية الغربية عما يحدث في دارفور فهي نفسها التي اتبعت في تيمور الشرقية، نفس المفردات و التعابير،وذات القصص التي سمعناها من الإعلام الغربي يوم تيمور و سنسمعها في مناسبات أخرى. و كأن عمل هذا الإعلام ينحصر في تغيير أسماء الأماكن و إضافة بعض العناصر المحلية من أجل المصداقية و الترويج و التشويق.
لم يعد لدى الإعلام الغربي من مادة سوى كفاح شعب تيمور الشرقية من أجل الحرية و الاستقلال، و صار قادة التمرد أبطالا للحرية يطلون من الشاشات العالمية فمنح أحدهم جائزة نوبل للسلام ، و هذه الجائزة لا تمنح سوى من أجل باطل أو للباطل بعينه . و بقدرة قادر صارت أمريكا و حليفاتها الغربيات، و خاصة استراليا، حريصات على حرية تيمور الشرقية مؤمنات بحقوق الشعوب بتقرير المصير و بالطبع لم يسأل أحد عن سر تحول موقف الولايات المتحدة فالهداية من الله، و الله قد دل سادة البيت الأبيض على الصواب !!!
ضغطت الولايات المتحدة على حكومة جاكرتا المترنحة بعد أزمة اقتصادية خانقة و اضطرابات سياسية تلت إزاحة الدكتاتور، فربطت المساعدات الاقتصادية بالقبول بانفصال تيمور الشرقية. و تم هذا الأمر عام 2002 فرأينا احتفالات في تيمور الشرقية ذكرتنا بمشاهد استقلال جرت قبل نصف قرن، فسمعنا خطابات عن الحرية و الاستقلال و عُزف النشيد الوطني و رفع العلم و صار للدولة الوليدة حرس رئاسي و شركة طيران. و سيق سكان تيمور إلى انتخابات حسبوا أنها ستدخلهم في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار. لكن هيهات هيهات . فكما سارت الأمور قبل نصف قرن مع الدول التي استقلت عن الاستعمار الغربي و حسبت شعوبها أنها حققت المراد بامتلاكها لعلم و نشيد وطنيين و لشركة طيران تحمل اسم دولتهم قبل أن تصاب بالخيبة العميقة و تكتشف لاحقاً أنها حصلت على وهم استقلال لأن المستعمر قبل أن يخرج كان قد كبل هذه الدول و جعلها تدور في فلكه إلى أبد الآبدين و هي تظن نفسها مستقلة و حرة . لكن الحالة تختلف قليلاً في تيمور من ناحية واحدة و هي أن هذا الاستقلال المزعوم هو الذي أدخل القوات الغربية تحت يافطة الأمم المتحدة.
عند هذا الحد انتهت قصة تيمور الشرقية في وسائل الإعلام الغربية فغابت و كأنها لم تكن قبل أن تبرز من جديد في الأيام الماضية.
ما لم تذكره هذه الوسائل في حينها أن فصل الجزيرة عن الأرخبيل الأندونيسي لا علاقة له لا بالحلال و لا بالحرام و لا هو لدعم مطالب و أماني الشعوب في الحرية و الإنعتاق إنما الأمر لا يعدو عن كونه قصة نفطية لأن الجزيرة لديها احتياطي ضخم من النفط و الغاز . و الأنغلوساكسون ( تمثلهم استراليا في هذه الحالة ) يعشقون النفط و الغاز . و إن الاتفاق ( إذا سمينا السلب و النهب الذي تتعرض له هذه الدول اتفاقيات ) مع الدول الصغيرة و الأجزاء المفتتة أسهل منه مع الدول الكبيرة المتماسكة. فإبرام اتفاق نفطي (أي أن تستولي ) مع جزيرة صغيرة فقيرة تحت سيطرة قواتك العسكرية، التي ترفع علم الأمم المتحدة، هو أمر أسهل من الاستيلاء على نفط نفس الجزيرة عندما تكون ضمن الأرخبيل الأندونيسي ذي الحكومة المركزية القوية. و هذه القصة لا تخص تيمور الشرقية وحدها بل هي سياسة قديمة و مضمونة النتائج فهي مجربة مراراً و تكراراً ، و يتم إعادة تطبيقها هذه الأيام في العراق الذي يراد تفتيته إلى مجوعات متناحرة متصارعة ليسهل السيطرة على نفطه عبر اتفاقيات تعقد مع كل مجموعة على حدا ، و نفس الأمر يتكرر في السودان في حكاية دارفور و يمكننا أن نعدد ما لا يحصى من هذه القصص في عالم اليوم ، الذي يزداد توحداً في الشمال الغني مقابل مزيد من التفتيت في الجنوب الضعيف . فوحدة الأغنياء و رخائهم لا تتم إلا بتفتيت الفقراء و سلب ثرواتهم .
يبقى الجانب الآخر من القصة :
- أين تكمن مصلحة للشعوب المعنية بهذا التفتيت الذي يتم تحت شعارات الحرية و الاستقلال و الديقراطية و حقوق الإنسان و وعود الرخاء القادم ؟
تجيب على هذا السؤال أحداث تيمور الشرقية ، فقد اكتشفنا أن بؤس سكان هذه الجزيرة قد ازداد مقابل رخاء أقلية أجنبية تعمل في شركات النفط و في مكاتب الأمم المتحدة و القوات الدولية ( بالمناسبة حدث أن أعلنت الأمم المتحدة قبل مدة عن طلب موظفين لمكاتبها في الجزيرة و اشترطت أن يكونوا يتقنون الإنجليزية في بلد يتكلم 99% من أهله البرتغالية ) ، و بالطبع مع بعض النخب العميلة . و لم يستفد السكان من النفط و الغاز بل رأينا قصة غريبة، فجرى الحديث عن حرب أهلية بين سكان الشرق و الغرب في جزيرة لا تتجاوز مساحتها 15007 كم مربع و لا يزيد عدد سكانها عن ثلاثمائة ألف نسمة ، وهم بحجم حي من أحياء أي مدينة كبيرة معاصرة . فقد شكا سكان الشرق أو الغرب من التهميش و سيطرة سكان الطرف الثاني على السلطة فاندلعت حرب أهلية بين الطرفين. و أتى الحل هذه المرة أسترالياً عبر إرسال ألف و ثلاثمائة جندي و تسليمهم السيطرة على العاصمة.
يمكنكم أن تبدلوا اسم تيمور الشرقية باسم أي مكان يتم تجهيزه كي ينفصل عن فضائه الكبير سواء كان في العراق أم في السودان أم في يوغسلافيا أم في الإتحاد السوفيتي السابق . و ستحصلون على نفس النتائج التي حصل عليها أهل تيمور : مزيد من الفساد و من انحدار شروط الحياة ، و مزيد من البؤس و الفقر و الجوع و الحروب الأهلية. و من ثم احتلال أنكلوسكسوني بحجة وقف المذابح و السيطرة على الحرب الأهلية التي ستندلع بعد حين بين السكان أنفسهم ، أو بحجة نشر الأمن. أما وعود الرخاء و الحرية فسيكتشف الناس أنهم كانوا يركضون وراء السراب و سيدخلون في حلقة جديدة من التفتيت بين شرق و غرب أو سكان جبال و سهول ، أو بين طوال القامة و قصارها ........الخ . أما الهدف الحقيقي من وراء كل ذلك فهو سيطرة الأنكلوساكسون على النفط و اليورانيوم و النحاس و ليذهب البشر إلى الجحيم .
و العاقل من اتعظ بتجربة غيره








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د