الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطني في مواجهة الإقليمي

جعفر المظفر

2020 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


على صعيد العلاقات أو التأثير الإقليمي على الداخل الوطني, وهنا على وجه التخصيص التأثير الإيراني ويليه حاليا بدرجات واضحة التأثير التركي, علينا أن نحسب مجموعة العوامل المتداخلة ذات التأثير المباشرفي تشكيل المشهد السياسي والإجتماعي النهائي ولا نبسط الأمر على طريقة (لولا الرتل الخامس لما كان بمقدور هذه الدولة الإقليمية أو تلك أن تتدخل في شؤوننا).
وحتى أن معنى الرتل الخامس لم يعد كما كان, أي مقتصرا على مجموعة محددة من العملاء, كما أن (الخيانة) بالمعنى الوطني قد تحولت إلى قدر محبب بالمعنى الديني أو المذهبي.
لنقف أمام الأهم من هذه العوامل وهو المشترك الديني من ناحية والمشترك المذهبي من الناحية الأخرى ونضيف عليها عامل صراع المصالح والنزعات القومية لإستثمار المشترك الديني والمذهبي من أجل الهيمنة على الآخر.
في البداية كان قصب السبق للعرب من خلال الإسلام يوم إستطاعوا من خلاله بناء إمبراطوريتهم الراشدية وبعدها الأموية والعباسية. حينها لم يكن بإمكان الفرس مثلا وبقية الأقوام ومن ضمنهم الأتراك أن يقدموا العامل الداخي على العامل الخارجي ليقولوا (الغرباء ما كانوا ليتدخلوا لولا وجود الادلاء من داخل الوطن), فالجغرافيات السياسية كانت تتشكل وقتها بموجب الديانات وليس بموجب النظريات القومية أو الوطنية.
لقد ألغى الدين المشترك الفكرة الوطنية والقومية لصالح الدينية وبموجبها منح العرب حينها السيادة الكاملة على بقية الأقوام لحين إنهيار الدولة العباسية.
بعد ذلك جاء دور المذاهب لتأخذ قصب السبق في إعادة ترتيب الخرائط, ومثلما دخل العرب على الأخرين من خلال الإسلام دخل عليهم الآخرون, أتراكا وفرس, من خلال المذاهب التي ترتدي ثوب الإسلام, والعكس كان صحيحا أيضا.
في النهاية إذا ظل الدين والمذهب فاعلا في تركيب المشهد السياسي الإقليمي فإن رصانة الوحدة الوطنية الداخلية لن يعود بإمكانها أن تقاوم طويلا دون أن تتوعك أو تنهك أو حتى أن تسقط. لقد حدث ذلك في العراق بعد إعتلاء الخمينية سدة الحكم في إيران. نشط المذهبيون السياسيون الشيعة وتراجعت الجغرافية الوطنية أمام التداخل المذهبي وحاول صدام من ناحيته حماية النظام في العراق من أخطار الخمينية الجامحة.
وما زال المشهد يتكرر لنرى الأخوان المسلمون يحاولون التجمع ضمن جبهة إقليمية تمتد من أنقرة إلى قطر مرورا بغزة وقبلها بتونس أيضا, مثلما رأينا تراجع الجغرافيات الوطنية أمام توسع دولة الخلافة (داعش),
وتعكس ثورة تشرين العراقية من ناحيتها حدة المواجهة بين الفكر الوطني الرامي لبناء دولة عراقية مستقلة وبين الأحزاب والتجمعات الطائفية الشيعية التي تؤمن ب (وحدتها المصيرية) مع النظام (الإسلامي) في إيران.
وإلى حد كبير هناك تشابه في الصورة إذا ما وقفنا أمام النزوع المذهبي السني العراقي للإتكاء على الدولة الإقليمية المساندة. وسوف تَحْسِب تركيا هذا المشهد في العراق حينما يحين أوان النزاع والتقاسم المذهبي لتمد ذراعها كما فعلت في سوريا ومثلها على الجانب الآخر إيران التي ساندت نظام الأسد.
هناك إذن تداخل وإشتباك بين الداخل (الوطني) وبين الخارج الإقليمي خاصة حينما تعلو راية الدين السياسي على راية العقيدة الوطنية. وما لم تتغير المنطقة بإتجاه علماني وما لم يمتلك التغيير الوطني المساحة الزمنية الكافية لإنتاج احالته الرصينة فإن تعريف مفردات كالعمالة والتبعية يبقى مفتوحا على نظريات نقيضة للحالة الوطنية ومُفسرّة من قبل أصحابها كحالة إيجابية مطلوبة كما ويبقى من الصعب حقا أن يحسب الأمر على طريقة لولا عملاء الداخل لما إستطاع الجيران الإقليميون, وهنا تركيا وإيران أن يجدوا موطئ قدم وأن يؤثروا في الداخل العراقي.
ختاما سأقول أن الداخل والخارج سيبقيان إلى حد كبير متداخلين إذا لم يتحول الإقليم (العرب وتركيا وإيران) إلى العلمنة ويتجهان لإعلاء شأن الحالات الوطنية على الحالات الدينية والمذهبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة