الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية ليست حلا

وليد عبدالكريم
(waleed abdulkarem)

2020 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


كثيرا ما أتفاجأ عندما أتحاور مع أصدقائي أو أحد المهتمين بالشأن العام في وطننا عن الأزمات والاضطرابات السياسية أو في المشاكل الاقتصادية أو الحالة الثقافية في الدول العربية بأجوبة شائعة و تصورات ضيقة بأن المفتاح لكل تلك الأزمات هي ترسيخ نظام الحكم الديمقراطي في البلدان العربية ولعل هذا الوهم في رأيي ناشئ عن تصور قاصر و سطحي لفلسفة ونظام الحكم الديمقراطي إضافة إلى أن وسائل الإعلام ما زالت تضخ في عقول الشعوب العربية هذه الخرافة الكبرى بأن الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة والطريق الحصري نحو التقدم والازدهار والتنمية

فالمراقب المحايد لأحوال الدول العربية يرى بوضوح ما آلت إليه الأوضاع بعد سقوط أنظمة الحكم العسكرية التي حكمت بعض الدول عقود طويلة من الزمن وانتهت إلى فوضى لم تخطر على بال أكثر المتشائمين فالجمهوريات العربية كلها تقريبا التي سقطت فيها أنظمة الحكم العسكرية لم ترى من التحول الديمقراطي سوى الخراب والحرب الأهلية فالعراق وبعد 18 عاما من سقوط الدكتاتورية ما زال يتخبط في بحر من الفساد والتناحر المجتمعي والإحتراب الأهلي وبقية الدول كاليمن و ليبيا ومصر والسودان والجزائر وتونس التي سقط فيها النظام السلطوي أو يكاد يسقط كما في سوريا تعاني من انهيار في مؤسسات الدولة وصراعات طائفية أو دينية أو جهوية أو مناطقية أو على الأقل كسادا اقتصاديا وارتفاعا في معدلات الفقر والبطالة والجريمة مقارنة بما كانت عليه سابقا تحت حكم الأنظمة السلطوية لكن بعد كل هذا ما زالت الجماهير ومعها كثير من المثقفين يراهنون على الديمقراطية ويعزون كل تلك المشاكل الآنفة إلى الهيمنة الأجنبية والتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول العربية وهذا الرأي وإن كان فيه شيء من الواقع إلا أنه يتجاهل العامل الأهم برأيي وهي فلسفة الحكم الديمقراطي بحد ذاته وعوامل كثيرة حاسمة وأساسية هي السبب لما آلت إليه الأمور

ففلسفة الحكم الديمقراطي ابتداء تحمل في طياتها كثيرا من العيوب والمشاكل والتناقضات التي تحيلها إلى فكرة مثالية يستحيل تنفيذها في الواقع ولا أبالغ عندما أقول أنه ليست هناك دولة واحدة في التاريخ حتى الآن استطاعت إقامة نظام حكم ديمقراطي حسب المعنى الحرفي للكلمة وسأحاول في هذا المقال نقد فلسفة الحكم الديمقراطي من خلال مقاربتين المقاربة الأولى هي نقد الأسس النظرية لفلسفة الحكم الديمقراطي أما المقاربة الثانية هي محاولة لتمحيص واختبار الحكومات التي تدعي التزامها بالحكم الديمقراطي

فمن خلال المقاربة الأولى يتبن بأن الديمقراطية حسب المعنى الحرفي للكلمة اليونانية هي حكم الشعب وهذا المعنى عام وفضفاض وتستطيع من خلال هذا التعريف أي دولة أو نظام الإدعاء بأنها ديمقراطية لكن غالبا مايشير المتخصصون في العلوم السياسية بأن الديمقراطية هي حكم الأغلبية من خلال الاستفتاء المباشر لكل قرار أو قانون من قوانين الدولة وهي الديمقراطية المباشرة أو هي حكم أغلبية الشعب من خلال ممثليهم في البرلمان وهي الديمقراطية التمثيلية ولعل أول إشكال يظهر بعد تعريف الديمقراطية هو حكم الأغلبية وهذه أول مشكلة تواجه الديمقراطية فهذه المشكلة ستفح الباب على مصراعية لاستبداد الأغلبية وقمعها لبقية الشعب تحت شعار الديمقراطية فلا يحق لأحد الإعتراض فما دامت أغلبية الشعب اختارت أمرا معينا فعلى بقية الشعب القبول والرضا بنتائج الديمقراطية أما المشكلة الثانية فهي مشاركة كافة أفراد الشعب في تحديد و اختيار القرارات أو القوانين أو اختيار ممثليهم لكن عند التأمل والتفكير العميق سنعلم بأن أفراد الشعب متفاوتون ومختلفون فيما بينهم في مستوى التعليم والثقافة والمعرفة والوعي بأهمية القرارات التي يصوتون عليها أو الممثلين الذين يختارونهم ولعلي لا أبالغ إن قلت أن أغلب أفراد الشعب هم شبه أميين سياسيا في الدول المتقدمة ناهيك عن الدول النامية التي مازالت الأمية هي السمة الأساسية لأغلبية الشعب أما المشكلة الثالثة برأيي هي أن الديمقراطية ستنتج حكومة ضعيفة وغير مستقرة ومنعدمة الكفاءة بسبب الانتخابات المتكررة كل 4 سنوات والتي قد تغير أعضاء الحكومة بل قد تغير شكل الحكومة تماما ما سينعكس سلبا على قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها وكذلك يحد من قدرتها على وضع خطط وأهداف اقتصادية وتنموية أما المشكلة الرابعة فهي في قدرة أصحاب الشركات الضخمة والنفوذ والمال والإعلام على التلاعب بالرأي العام وتوجيه الناخبين من خلال سيل من الأخبار المضللة أو الكاذبة وتبني مرشحين محددين ودعمهم بالمال وبالحملات الانتخابية الضخمة والترويج الإعلامي المكثف وكذلك في شراء أصوات بعض المواطنين لصالح مرشحيهم خصوصا في البلدان الفقيرة في هذا المناخ وتحت ظل تلك المشاكل التي ذكرتها آنفا يستحيل أن تعبر الديمقراطية بشكل حقيقي عن إرادة الشعب بل يستحيل أن تبني الديمقراطية دولة مستقرة قادرة على بناء مؤسسات قوية بل ستنتهي غالبا إلى فوضى وعدم استقرار سياسي أو إلى حرب أهلية

أما المقاربة الثانية فهي أن الدول الديمقراطية المستقرة والمزدهرة التي تدعي أنها دول ديمقراطية انتهت إلى دولة ذات حكم ديمقراطي محدود ولا أحتاج لعناء كبير لإثبات ما أدعيه فأغلب الدول الديمقراطية المستقرة هي إما ديمقراطيات ليبرالية أو ديمقراطيات موجهة أما الديمقراطية الليبرالية فهي حكم الأغلبية مع حفظ حقوق الأقلية في ظل قانون يحترم حقوق الإنسان وحرية التعبير والملكية الخاصة واقتصاد السوق وهذه الديمقراطية فرغت الديمقراطية من معناها عندما جعلت حقوق الأقلية واقتصاد السوق والملكية الخاصة وحرية التعبير وحقوق الانسان غير قابلة للمساس أو التغيير فلو أرادت أغلبية أفراد الشعب تأميم شركات معينة أو تغيير قوانين حقوق الإنسان فلن يسمح لها الدستور أو القانون بذلك وهذا يجعل الحديث عن حكم الأغلبية أو الشعب ضربا من الوهم والخيال بينما انتهت دول قليلة إلى الديمقراطية الموجهة وهي التي تنتخب فيها الأغلبية ممثليها في البرلمان وتنتخب أيضا الحكومة لكنها أي الحكومة محدودة السلطة وغير قادرة على إحداث تغييرات حقيقية أما بقية الدول التي حاولت تطبيق الديمقراطية بمعناها الحرفي فانتهت إلى حكومات فاشلة غير مستقرة أو اضطرابات وحروب أهلية كما حدث في الدول العربية بعد عام 2011 وما يزال يحدث


وأريد في نهاية هذا المقال بأن يفهم القارىء أن الشعارات البراقة ليست براقة كما نظن والوعود الجميلة بدولة ديمقراطية حرة ومستقرة ومزدهرة ليست إلا شعارات لخداع الجماهير والعامة لكن لا يعني هذا بأنني معادي لأي شكل من أشكال الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو غيرها بل كل ما أريده هو عدم إجبار الشعوب والمجتمعات على نظام سياسي محدد خصوصا من قبل الدول الغربية التي كانت وما تزال من أكبر عوامل الفوضى وعدم الاستقرار في الدول العربية وعدم فرض الديمقراطية واعتبارها النظام السياسي المثالي والأوحد لأن فرضها سيجلب المتاعب لنا ولمجتمعاتنا وماحدث في العراق عام 2003 عندما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية الديمقراطية على العراقيين ليست إلا مثالا بسيطا يبين بجلاء تهافت الخطب الرنانة والوعود المثالية ويوضح أن المخاوف من التحول الديمقراطي مشروعة ومبررة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه