الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيمة المضافة لترسيم الاحتفال بالسنة الأمازيغية

الحسين أيت باحسين

2020 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


تقديم:
تجدر الإشارة إلى أن كل الشعوب المتقدمة والمتحضرة لديها ثلاثة أصناف من الأعياد، أعياد دينية مرتبطة بديانات تلك الشعوب؛ وأعياد وطنية مرتبطة بأهم الأحداث الوطنية لتلك الشعوب؛ وأعياد بيئية. وبما أننا نتوفر على أعياد دينية ووطنية ودولية، سيكون من شأن ترسيم الاحتفال بالسنة الأمازيغية إضافة عيد بيئي بامتياز لأعياد بلدنا، وسيتيح لنا ذلك الالتحاق بنادي الثقافات والشعوب والبلدان التي تجمع بين أعيادها الدينية والوطنية والدولية والبيئية. علما أيضا أن الحركة الأمازيغية، ومنذ سنوات، في المغرب وخارج المغرب، تطالب بترسيم السنة الأمازيغية باعتبارها يوم عطلة مؤدى عنها لكل المغاربة. لأن الاحتفال بها ينطبق على أهم مشكلة ثقافية، ليس فقط من حيث الاهتمام بالبعد البيئي، وإنما باعتبارها ستكون بمثابة تنزيل فعلي لأحد المطالب الثقافية والحضارية الأمازيغية التي نص عليها الدستور، ولكنها لم تجد بعد طريقها للتفعيل كاستجابة لمختلف المطالب المتعلقة بالأمازيغية. ناهيك عن كون الاحتفال بالسنة الأمازيغية، التي تعد احتفالا بالسنة الفلاحية الجديدة، قد كانت ولا زالت مرتبطة بالواقع الفلاحي وبالدورة الفلاحية؛ وبالتالي فحينما طالبت الحركة الأمازيغية باعتبارها يوم عطلة وعيدا وطنيا، فذلك لكونها ظاهرة احتفالية مدنية شعبية تعم مختلف مناطق شمال إفريقيا؛ كما أكدت العادات والتقاليد والطقوس المرتبطة بها أنها تعم كل مناطق المغرب، بواديه وحواضره، وكل شرائح مجتمعه، ناطقين وغير ناطقين بالأمازيغية، علما أن هذا الاحتفال خاص بشمال إفريقيا، ولا توجد له، حسب علمي، مظاهر خارج شمال إفريقيا. إضافة إلى أن الاحتفال أُسِّسَ على تقويم زمني بمختلف أبعاده، و"تقويم تأريخي" تمت المواضعة / الاتفاق / الموافقة عليه؛ كما هو الشأن بالنسبة لكل تقاويم حضارات وشعوب العالم؛ انطلاقا من "حدث تاريخي" تم اختياره كبداية انطلاق تأريخي للحضارة الأمازيغية عبر التاريخ، ومرجعية هوياتية للثقافة الأمازيغية بمختلف جوانبها وأبعادها؛ لتستقر التسمية، وطنيا ودوليا، تحت تسمية "السنة الأمازيغية" كظاهرة احتفالية، وعي هوياتي، حدث تاريخي، بعد تقويمي، بعد بيئي ومطلب سياسي.
دواعي المطالبة بترسيم الاحتفال بالسنة الأمازيغية:
من حيث البعد الاجتماعي يعتبر الاحتفال ب "ئنّاير" احتفالا شعبيا عريقا يتقاسمه الناطقون بالأمازيغية وكذا غير الناطقين بالأمازيغية، سواء في المغرب أو في بلدان شمال إفريقيا؛ يستجيب للحق في الذاكرة وفي الهوية وفي العيش المشترك المتقاسم؛ وبذلك فترسيمه سيوطد هذا العيش المشترك ويكرس روح الانتماء المشترك. بل سيساهم ترسيم هذا الاحتفال في مأسسة مختلف جوانب التعدد والتنوع التي تتسم بها عاداته وتقاليده، كما سيعمل على تحديثها وجعلها أسّا من أسس تلاحم مقومات الهوية الوطنية الموحدة. وبذلك سيشكل مكسبا من المكاسب التي ستستجيب لمطلب الحركة الأمازيغية التي رفعهتا منذ عقود؛ وعرفانا للفلاح المرتبط بقضايا البيئية وكذا بالمرأة، خاصة القروية، التي حافظت وتحافظ على العادات والتقاليد المرتبطة بتدبير الندرة. وأهم مظهر فيه هو هذا التضامن الذي يتخذ كأرضية للاحتفال به.
أما من حيث البعد الثقافي والقيمي، فإن إقرار هذا الاحتفال كاحتفال رسمي سيكون بمثابة استجابة لحقوق ثقافية واجتماعية وبيئية محايثة للاحتفال بالسنة الأمازيغية؛ وبمثابة رد الاعتبار لثقافة سكان شمال إفريقيا، التي يعتبر هذا الاحتفال من خصوصياتها تاريخا وتقويما وبيئيا ورمزيا. وبمثابة حفاظ للتنوع الثقافي والاحتفالي الذي يتميز بها المغرب في تلك المناسبة من حيث التمثلات والتصورات المرتبطة بأسباب الاحتفال، ومن حيث الطقوس المتنوعة المصاحبة للاحتفال، ومن حيث الأطباق التي تحضر بالمناسبة، ومن حيث تنوع تسميات الاحتفال بتنوع المناطق التي يتم الاحتفال به فيها. فضلا عن كون هذا الاحتفال، من خلال مظاهره الاحتفالية يستجيب لقيم التضامن والتآزر والانفتاح والانسجام مع الغير.
وأما من حيث البعد البيئي فإن الاحتفال ب"ينّاير" يعد رمزا للاحتفال بالأرض والفلاحة عموما، وتفاؤلا بسنة خير وغلّة وفيرة على الفلاحين وعلى الناس عموما. وبذلك يمكن القول أن السنة الأمازيغية هي احتفال بيئي بامتياز لارتباطها بالدورة الفلاحية وبقضايا البيئة. لأن البيئة أصبحت اليوم، وأكثر من ذي قبل، تشكل موضوعا يؤرق واقع البشرية كلها، وبالتالي فالمطالبة بالاعتراف بهذه السنة الأمازيغية، التي هي احتفال بيئي بامتياز، سيجعلنا نلتحق بنادي هذه الدول المتقدمة والمتحضرة، والتي تبرمج في حياة شعوبها أعيادا بيئية تعلم النشأ المقبل والأجيال القادمة احترام البيئة والتفكير والانشغال بها وبأهميتها، وبالتالي فسيكون هذا أيضا إضافة للمغرب، وسيكون أيضا مرجعية بالنسبة لدول شمال إفريقيا التي تتواجد فيها الثقافة الأمازيغية وتتواجد فيها هذه الظاهرة الاجتماعية والثقافية وذات أبعاد اقتصادية وبيئية. كما سيكون المغرب، باعتباره رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة وعيدا وطنيا، أيضا مرجعية في هذا الشأن باعتباره يلتحق بنادي الشعوب والثقافات والحضارات التي تعترف، إلى جانب الاحتفالات الدينية والاحتفالات الوطنية والدولية، بالاحتفالات البيئية.
وأما من حيث السند والحدث التاريخيين للتقويم الأمازيغي فينبغي أن نميز فيه بين بعد "التقويم الزمني"، أي كل ما يتعلق ب"ثقافة قياس الزمن" في اللغة والثقافة الأمازيغيتين؛ وبين "التقويم التأريخي"، أي ما يتعلق بالتأريخ لمختلف الأحداث التاريخية وغيرها مما يتعلق بتاريخ الأمازيغ. فإذا عدنا إلى حسابات المهتمين بعلم الفلك وبعلم التوقيت (الفقهاء) والفلاحين الكبار غير الممدرسين والنساء المسنات غير الممدرسات، فإننا سنلاحظ الاتفاق على كون 14 يناير (من السنة الميلادية) هو بداية السنة الأمازيغية التي تصادف هذه السنة 2970أمازيغية/1442هجرية/2020ميلادية (علما أن هذه سنة 2020 سنة كبيسة أي تتكون من 366 يوما وعلى 29 يوما في شهر فبراير؛ وفي باقي السنوات غير الكبيسة يكون يوم 13 يناير الكريكوري فاتح يناير من السنة الأمازيغية) .إن السنة الأمازيغية تستند، كتقويم، إلى حدث تاريخي واقعي مشهود له من قبل مختلف المختصين في التاريخ المصري القديم وكذا في التوراة وفي المآثر العمرانية التي شيدتها أسر أمازيغية، خاصة في المنشات العمرانية في الكرنك، تلك الأسر التي وصلت إلى الحكم في مصر وتولت تدبير شؤون المجتمع المصري لأكثر من قرنين ونصف. وبذلك ساهم الأمازيغ في حضارة الإنسان عامة وفي حضارة البحر الأبيض المتوسط خاصة. فضلا عن مساهمات مماثلة في مناطق أخرى في محيط البحر الأبيض المتوسط، كما هو الشأن بالنسبة للحضارة الرومانية والأندلسية. وهذا يشكل مظهرا من مظاهر الاعتزاز بالعمق التاريخي للمجتمع المغربي ومدى مساهمته، منذ العصور القديمة، في بناء حضارة البحر الأبيض المتوسط بصفة خاصة، وفي الحضارة الإنسانية بصفة عامة.
ومن حيث دلالات الاحتفال من خلال مختلف العادات والطقوس التي يمكن الإشارة من بينها إلى الطقوس التحضيرية والتطهيرية والتغذوية والتجميلية والصيدلية والرمزية؛ يمكن القول بأن دلالاته كثيرة وعميقة من الناحية الرمزية والأنتروبولوجية. أهمها: التعود على تدبير الندرة أو القلة، والوعي بضرورة خلق الانسجام مع البيئة، والاعتزاز بالخصوصيات الثقافية والهوياتية في مواجهة عولمات محتملة، وتمرير الذاكرة التاريخية للأجيال المستقبلية، وإبراز التنوع الثقافي المميز للمجتمع المغربي والالتحاق بنادي الشعوب التي تضيف لأعيادها الدينية والوطنية والدولية احتفالا بيئيا نظرا لما تشكله قضايا البيئة في عصرنا الحالي من أهمية حاضرا ومستقبلا.
أما من حيث دلالة ترسيم الاحتفال بالسنة الأمازيغية فنتمنى، نظرا لكون السنة الأمازيغية سنة شمسية، أن يتوحد التقويم بين مختلف بلدان تامازغا (شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء حيث يوجد الأمازيغ وجزر الكناري). كما نتمنى أن يكون الاعتراف الرسمي لبلدان تامازغا، بالسنة الأمازيغية وباللغة والثقافة والهوية والحضارة الأمازيغية دستوريا ويتم تفعيلها مؤسساتيا، عامل أمن ثقافي وسلم اجتماعي بين شعوب تامازغا وبينها وبين شعوب المنتظم الدولي، إسوة بمختلف التكتلات الديموقراطية في مختلف قارات العالم.
أما من حيث دور ترسيم الاحتفال بالسنة الأمازيغية، فتجدر الإشارة إلى أن الاحتفال بالمناسبة يتم تقريبا في مختلف مناطق البلاد، سواء من طرف الناطقين بالأمازيغية أو غير الناطقين بها، وخاصة في دكالة والشاوية وسوس، وفي نواحي مراكش ونواحي الجنوب الشرقي، وفي وسط المغرب، وفي نواحي الشمال الشرقي وفي الريف؛ ولكن عادات وتقاليد وطقوس الاحتفال تتنوع باختلاف المناطق. وخارج المغرب يتم الاحتفال بالمناسبة في كل من الجزائر وتونس وليبيا، كما يتم الاحتفال بها في الدياسبورا، أي البلدان الأوربية التي تتواجد فيها الجاليات المغربية عموما والجاليات الأمازيغية خصوصا، وحيث توجد امتدادات للحركة الأمازيغية عموما والحركة الثقافية الأمازيغية خصوصا، كما يتم الاحتفال بها في كل من كندا والولايات المتحدة الأميركية. هذه المناسبة التي بدأت تحظى باهتمام كبير في المغرب، وفي دول أخرى في شمال إفريقيا وفي بعض الدول الغربية.
أما القيمة المضافة التي يمكن اعتبارها قيمة قيم ترسيم الأمازيغية؛ فإن الاستجابة للمطلب ستكرس رسالة "ثقافة الحياة والحب" في مواجهة "ثقافة الموت والكراهية" التي أصبحت تهيمن في بداية هذه الألفية الثالثة في مختلف بقاع العالم، والتي لا تخلو ثقافة من المساهمة فيها.

رابط نحو صور بعض الأطباق التي تحضر بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية في بعض مناطق المغرب:
https://www.facebook.com/lhoucine.aitbahcine/media_set?set=a.1724241782492.95981.1131789087&type=3

باحث في الثقافة الأمازيغية
نُشر في العدد 5، يناير 2020، من مجلة "نبض المجتمع"، ص.5-6، التي تصدر بمدينة أكادير بالمغرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة