الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع القرن وحرب فرض النفوذ

كرم خليل

2020 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


تعدّ التغييرات التي طرأت على هذا العالم أبرز الأسباب التي أوجدت الكثير من الدول على رأس الصراع السوري، فإن الثورة العلمية وثورة الاتصالات وحركة الأموال والتجارة فيما بين الدول، غيرت طبيعة الصراع البشري وأدواته واتجاهاته؛ وربما تكون، من حيث التأثير والتغيير الذي أحدثته عالميا، توازي اكتشاف النار واختراع الكتابة والنهضة الصناعية.
حيث أن من المعروف والثابت أن مصادر الطاقة، بالذات النفط والغاز الطبيعي، كانت حتى الثمانينات من أهم مسببات الصراعات الدولية لأنهما يشكلان شرايين الإنتاج الاقتصادي في كل العالم، فالسيطرة على مصادرهما بشكل مباشر أو غير مباشر من ضرورات الأمن القومي لجميع الدول. هي
لذلك يمكن أن القول أن الصراع السوري قد تحول من فرض النفوذ على سوريا من قبل أحد أطراف الصراع (المعارضة – النظام)، إلى صراع دولي فوق سوريا، فإن الموقع الاستراتيجي للأراضي السورية في الشرق الأوسط يعد هدفاً استراتيجيّاً لمعظم الدولة المنخرطة في الصراع.
ولا يخفى على أحد أن ما يحدث في سوريا وادلب في الآونة الأخيرة، هو نتيجة طبيعية للمصالح السياسية المشتركة التي جرى طرحها لعدة سنوات متتالية على طاولة تقسيم النفوذ الدولي في سوريا، لذلك فإن التدخل الخارجي أو ما يعرف سياسيّاً بـ "التورط الأجنبي" مبني على عدة أسباب مترابطة وأهداف ومصالح منشودة لمختلف الدول الأجنبية التي تتوزع قواعدها العسكرية على الأرض السورية.

الأسباب الرئيسية التي أوجدت الدول الأجنبية في الصراع السوري:
يعد السبب الرئيسي للتدخل في سوريا لبعض الدول، هو بدافع خوفهم وقلقهم على أمنهم بالدرجة الأولى و للحفاظ على نفوذ بعض الدول الأخرى كروسيا والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وأثناء سعيهم بتحقيق أمنهم يصدف أن يتقاطع ذلك مع مصلحة أحد أطراف النزاع في سوريا، وهذا ليس حباً بطرف ما من الأطراف المتصارعة، وإنما نتيجة غباء أو ضعف أحد الطرفين الذي ينعكس إيجاباً على الطرف الآخر المستفيد، بل وفي كثير من الأحيان يصدف أن لا يتحقّق أمن إحدى تلك الدول إلا بخسارة طرفين النزاع معاً،وذلك بنتيجة ضعفهما أو غبائهما المزدوج.
فإن نشأة تنظيمات متطرفة ومؤدلجة في ظروف الفوضى وغياب المؤسسات المهنية العسكرية منها والسياسية، سهّلت على التنظيمات الراديكالية المتشددة، الامتداد والسيطرة على مساحات كبيرة في كل من سوريا والعراق، والذي يعتبر خطراً على الأمن القومي لمعظعم الدول المتصارعة فوق الأرض السورية، ولكن مع هذا فإن "حصان سوريا" قد استخدمته بعض الدول للتخلص من آلاف الشبان المتطرفين المقيمين على أراضيها، والتي سهّلت لهم الوصول إلى سوريا للقتال في صفوف تلك الجماعات المتطّرفة، ومن المثبت أيضاً أن لكل دولة من هذه الدول والعديد من دول العالم نصيب وحصة كبيرة من أعداد المقاتلين الأجانب المنخرطين في صفوف تنظيم "داعش".
كما أن لكل دولة من الدول المنخرطة في الصراع السوري مصالح وأهداف استراتيجية تسعى لتحقيقها في المنطقة من خلال أحد أطراف النزاع، فإن نظام الأسد الذي تلقّى دعماً عسكريّاً ولوجستياً بالإضافة إلى الدعم السياسي والدبلوماسي من قبل كل من إيران وروسيا، هذا لا يعني أنهم متفقين مع النظام السوري، وإنما هناك مصالح مشتركة عليهم حمايتها في المنطفة، وكذلك بالمثل المعارضة المتمثّلة بـ "الائتلاف الوطني" والتي هي الأخرى تلقت دعما كبيراً من قبل كبرى دول الشرق الأوسط منها "السعودية وتركيا وقطر" بالإضافة لعدة دول أجنبية.

الأهداف والمصالح الاستراتيجية للدول المتصارعة في سوريا:
بما أن النظام الإيراني هو حليف الضرورة الاستراتيجي للصين وروسيا في وسط آسيا، وعندما تصادمت المصالح الإيرانية مع المصالح السعودية والقطرية في سورية، واختارت تركيا صف الدول الخليجية، تضخم الصراع لتتورط به الدول الكبرى خاصة روسيا والصين لحفظ التوازن ما بين وسط آسيا والشرق الأوسط، وكان الدور الإداري المراقب الأمريكي قائما بكل الأوقات، فتحولت سورية لساحة أكبر صراع شهده بلد بحجم سورية خلال القرن الماضي.

إيران :
الحليف الاستراتيجي لنظام الأسد، حيث أن القرار الإيراني كان واضحاً في العام 2011، ولا يمكن لإيران التخلي عن كون سورية حليف استراتيجي تابع أو متعاون، فضياع سورية من السيطرة الإيرانية يعني حكما أن إيران أصبحت معزولة من جهة الغرب، حتى لو كان العراق تحت سيطرتها جزئيا، لذلك فإنها دخلت خوفاً على مستقبل أمنها ومصالحها في كل من لبنان وسوريا والعراق، فتقاطع ذلك مع مصلحة النظام ضد مصلحة المعارضة.

روسيا :
تعتبر روسيا الحليف الاستراتيجي الثاني الذي سعى لتحقيقه الأسد الأب، وكانت قد تدخلت في سوريا بذخم عسكري ودبلوماسي أكبر من دعمها لدول آخرى مثل مصر، كما أن المصلحة الروسية في فرض نفوذ لها بالمنطقة ومنع المعسكر الغربي من التفرّد في المنطقة كان السبب الرئيسي لتدخلها في الصراع السوري عسكرّياً، إضافة إلى العديد من الأهداف الاستراتيجية الثانوية منها وجود موضع قدم لها في المياه الدافئة، كما سيطرتها على حقول الغاز في الساحل السوري، إضافة إلى مساندة إيران ومنع سقوطها عسكريا، وكل ذلك قد صبّ في مصلحة النظام ضد المعارضة.

الصين:
اقتصر دور الصين في دعم النظام السوري سياسيّاً، بخلاف الدول التي تدخلت عسكريا ولوجستيا لدعم أحد أطراف الصراع السوري، والسبب يكمن وراء مصلحة الصين في الحفاظ على الأنظمة الديكتاتورية في دول الشرق أوسطية، بإعتبارها الزبون الأقوى للمنتجات الصينية التي تتناسب مع دخل الفرد في دول يحكمها نظام ديكتاتوري مثل نظام الأسد، وبسقوط تلك الأنظمة تخسر الصين سوقها الأهم في المنطقة، لأن انتصار الشعب يحقق لتلك الدول ازدهار ونمو اقتصادي كبير، وبالتالي فإن استطاعة الفرد بالقدرة الشرائية تكبر، ما يجعله ينفتح على أسواق جديدة تتناسب مع دخله السنوي.

الولايات المتحدة الأميركية:
انحياز الولايات المتحدة الأميركية إلى الجانب المناهض للأسد منذ انطلاقة الثورة الشعبية ضد نظام الحكم في سوريا، كانت تشدد على مصلحتها في سوريا بينما تجاهلت مصالح قوى أخرى أساسية، مثل تركيا وروسيا وإيران، لذلك تدخلها عسكريّاً في سوريا كان يهدف بالدرجة الأولى لفرض نفوذها في المنطقة عبر سوريا، ومحاربة الإرهاب عبر التحالف الدولي الذي قادته للقضاء على تنظيم "داعش".

اسرائيل:
تدخّل اسرائيل كان مفاجئ للبعض وخصوصاً أنه صبّ في مصلحة الجانب المناهض لنظام الأسد، ولكن تقاطع مصلحتها صبّ في مصلحة المعارضة على حد تعبير بعض وجهات النظر، حيث أن السبب الرئيسي في تدخّلها بسلاحها الجوي كان لقصف مواقع أسلحة معينة لإيران وحلفائها في سوريا، والتي من شأنها أن تشكّل تهديداً مستقبلياً ضد أمنها القومي، مع تأييدها لبقاء الأسد وسيطرة إيران وحزب الله على مناطق معينة تشكّل حزام أمان لها، فتقاطع ذلك مع مصلحة المعارضة التي ظنّت بأن إسرائيل تفضلها على الأسد.

دول الخليج العربي:
الموقف الخليجي كان متردداً مع بداية اندلاع الحراك السلمي، وخاصة السعودية، إلا أنها رأت في سحب سوريا من التحالف الإيراني يصبّ في مصلحتها، لذلك سعت إلى التحكم بالقيادات السياسية والعسكرية وصولاً لوسائل الإعلام بغرض السيطرة على الحراك الشعبي وسوقه في ما يتناسب مع مصلحة الخليج العربي ضد التمدد الإيراني المعادي لها.

تركيا:
ميل الكفّة لصالح الإخوان في مصر وانتصار الثورة الشعبية في مصر، شجّع تركيا للخوض في الصراع السوري، واتّخذت موقفا واضحاً ضد نظام الأسد مع بداية الثورة السورية، ولكون موقع تركيا الجيوسياسي الحساس جداً في المنطقة، جعل موقفها غير واضحاً ومتخبط في بعض الأحيان، وخصوصا بعد التدخل العسكري لروسيا والدعم الأميركي للأكراد في سوريا، ورغم كل أزمات تركيا مع روسيا، أو مع الغرب، فإن تركيا مدركة تماما أنه من المحرم إيصالها لمستوى الصدام المباشر أو القطيعة الكاملة، وفي الملف السوري المعقد بين كل هذه الجهات، تجد تركيا صعوبة كبيرة في الانتقال من خندق العداء الكامل لنظام الأسد إلى خندق القبول به، كما أن وجود ما يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف سوري في تركيا يزيد من تعقيد الموقف التركي.

أوروبا:
لا تختلف كثيراً المصلحة الأوروبية عن بقية الدول التي تسعى لتحقيق مصالحها في المنطقة، وقد جاء التدخل لصالح المعارضة السورية ضد نظام الأسد، واضطرت بعض الدول الأوروبية مثل (ألمانيا – بريطانيا – فرنسا)، للتدخل عسكرياً وخصوصاً في المنطقة الشرقية بعد انسحاب القوات الكردية والقواعد الأميركية من المنطقة عقب التدخل العسكري التركي.

الخلاصة والتوصيات:
لو كان الأسد يشكّل تهد يداً مباشراً على أمن أي دولة من الدول التي ذكرتها لكانت نهايته كصدام حسين، الذي كان يشكل تهديداً مباشراً لبعض الدول، ولولا ذلك التهديد لما لجؤوا إلى محاسبته ومحاكمته على الجـرائم المرتكبة في العراق طيلة فترة حكمه، فإن عائلة الأسد تدرك هذا جيداً، لذلك حرصت طيلة 50 عاماً على تحقيق أمن تلك الدول ولو على حساب أرض وسيادة سوريا، مقابل محافظتهم على توريث الحكم، والدليل على ذلك قول الرئيس الفرنسي ماكرون: “لا توجد لدينا مشكلة مع الأسد، فهو يقتل شعبه وليس شعبنا"!.
فإذا أردت الانتصار على الأسد عليك تقديم دليل بأنك مستعد لتحقيق مصالحهم وحماية أمنهم القومي، في حين أن معظم الأطراف والفصائل العسكرية التي تعمل لصالح المعارضة، لا تمتلك شيئاً سوى التهـجّم وتوجيه التهديدات لبعض الدول وفي أحيان للسوريين أنفسهم.
حيث أن معظم التشكيلات العسكرية والسياسية كانت تفقتر للمهنية، كما أنها بحسب وصف البعض عبارة عن تجمعات وهمية فارغة من أي مشروع وطني يتماشى مع متطلبات ورؤى الشعب السوري، في حين استغلّ نظام الأسد الفوضى والتشعّب الذي تعاني منه المعارضة بجميع مؤسساتها، وعمل على توطيد علاقاته مع الدول لتأمين مصالحها وكسبها لصالحه، وهو ما جعل كفّته ترجح اليوم على حساب المعارضة التي أصبح البعض من تشكيلاتها عبارةً عن مجموعات مرتزقة تعمل لصالح أجندة دولية مختلفة، ما تسببّ بأزمة وكارثة إنسانية بحق الشعب السوري على مدى سنوات..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال