الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كين لوتش: السينما العمالية تفرض نفسها عالميا

المناضل-ة

2006 / 6 / 1
الادب والفن


بقلم: تيتريت

خرجت السينما العمالية على رأس المتوجين في أكبر مهرجانات السينما العالمية، مهرجان كان الفرنسي في دورته 59، في شخص المخرج السينمائي البريطاني كين لوتش Ken Loach، تتويج بإجماع لجنة تحكيم المهرجان عن فيلمه الأخير "الريح التي تهز الشعير The wind that shakes the barley" الذي يعيد تسليط الضوء على بدايات الثورة الإيرلانية في عشرينات القرن العشرين ضد التاج البريطاني و بربرية الجيش البريطاني في قمع هته الثورة. و كعادته يكون كين لوتش وفيا لخندق الشعوب و نضالها من أجل الحرية بتكريمه لنضال و بطولات الشعب الإيرلاندي و دفع البريطانيين لمواجهة تاريخ دولتهم الهمجي "نأمل أن يكون.. خطوة صغيرة.. صغيرة جدا.. نحو مواجهة البريطانيين لتاريخهم الاستعماري. وربما إذا قلنا الحقيقة عن الماضي نكون قد ذكرنا الحقيقة عن الحاضر." في تلميحه المباشر لهمجية الغزو الإمبريالي للعراق.
إن هذا التتويج بمثابة تشريف لقضايا الكادحين العادلة التي دافع عنها كين لوتش طيلة مشواره الإبداعي (و النضالي أيضا) و التي كانت حاضرة برمزية قبضة يده التي رفعها أثناء منحه السعفة الذهبية [3] أمام عدسات الصحافة العالمية...و أغتنمها مناسبة للتعريف الوجيز بهذا الفنان المناضل الذي ورد إسمه على رأس الموقعين على العريضة الدولية التضامنية مع النقابي محمد رشيد الشريعي سنة 2004، و كذا تردد فيلمه "الملاحون The navigators " في بعض النوادي السينمائية لجمعية أطاك المغرب.

أعمال كين لوتش
أصبح كين لوتش رمزا لسينما القضايا الاجتماعية العادلة و الالتزام السياسي الثوري التي تطبع أعماله منذ بداياتها (زهاء 22 فيلم تلفزي و 35 فيلم سينمائي). فمنذ سنة 1966 حيث كان ينتج للتلفزيون، قام بإخراج "كاتي تعود إلى المنزل Cathy come home" الذي يحكي، مثل فيلم "ليديبورد Ladybird" (1994)، عن معاناة العائلات الفقيرة في مواجهة إدارة الخدمات الاجتماعية اللاإنسانية من أجل انتزاع حقها الطبيعي في احتضان و تربية أطفالهم رغم هول الفقر و هشاشة الوضع الاجتماعي، فقد أثار الفيلم ضجة صحفية و نقاشا في البرلمان و بداية الضغط و الرقابة على أعمال كين لوتش، الأمر الذي سيزيد حدة في عهد حكومة تاتشر الليبرالية الرجعية و ذلك حتى بداية التسعينات حيث سوف يعاود خوض مواضيع القضايا الاجتماعية العادلة في ظروف أفضل و بشكل أقوى خصوصا في ظل مشهد الخراب و المأساة الاجتماعية التي سببتها الليبرالية الجديدة لحكومة تاتشر التي يقول عنها "أن لديها حس حقيقي للصراع الطبقي، و أنها ماركسية بالمعنى المقلوب، اقتنعت بأن الرأسمالية لن تستطيع البقاء دون سحق الطبقة العاملة".
و يمكن تقسيم الأعمال السينمائية لكين لوتش إلى ثلاثة:
1- ضحايا النظام الاجتماعي: أي أولائك الذين وُجدوا أو أصبحوا على هامش المجتمع، يصارعون من أجل الحد الأدنى لعيشهم و كرامتهم أو يستسلمون بكل بساطة أمام قتامة و وحشية الواقع الاجتماعي...وهنا أشير إلى فيلم "Raining stones" (جائزة لجنة التحكيم في كان 1993) الذي يحكي عن أب عاطل عن العمل سيوف يرفع تحدي شراء الفستان الباهض للحفل الكنيسي Communion لابنته الصغيرة ليواجه صعوبات جمة و مواقف بعمق إنساني قوي جدا. و كذلك فيلم "إسمي جو My name is Joe" (1998) الذي يصور حياة مدمن على الكحول في أحد الأحياء الفقيرة لكلاسكو Glasgow. و أيضا فيلم "مجرد قبلة Just a kiss" (2004) الذي جاء بعد أحداث 11 سبتمبر و ما أعقبها من حملة عنصرية و عداء تجاه الأجانب في الدول الغربية، خصوصا المسلمين منهم، فالفيلم يحكي عن قصة حب صعبة تجمع بين "قاسيم" شاب من عائلة باكستانية متدينة و محافظة، مع "إيفا" مدرّسة في مدرسة كاثوليكية...

2- الأفلام العمالية المباشرة التي تسلط الضوء على واقع استغلال العمال و العلاقات الإنسانية، الحميمية و المرحة التي تجمع بينهم، "أنا لا أصور فقط السطح الظاهر للمجتمع بل أيضا البنى الاجتماعية التي تشكله"... فمثل فيلم "ريف راف Riff-Raff" (1990) الذي يحكي عن واقع عمال البناء الموسميين و ظروف الاستغلال التي يعيشونها و هشاشة الشغل و انعدام السلامة...الشيء الذي سوف يوقد فيهم حسا طبقيا أوليا صادقا سوف يتجسد بإقدام بعضهم على إضرام النار في ورش البناء ليلا بعد أن توفي أحد العمال مأساويا بسبب انعدام السلامة...و أيضا فيلم "الملاحون The navigators" (2001) الذي يصور بجلاء صيرورة خصخصة قطاع صيانة السكك الحديدية و الخراب المهني و الإنساني الذي يترتب عن ذلك حيث تجسد في الفيلم بالعشوائية المهنية التي ستنتج عن تقسيم العمال على شركات الخدمة من الباطن sous-traitance و وفاة أحد العمال بعد أن دهسه قطار أثناء اشتغال فرقته اضطرارا في الليل !!!... و كذلك تجربة النضال النقابي لعاملات النضافة في إحدى الفنادق الكبرى بلوس أنجلس في فيلم "الخبز و الورود Bread and roses" (2000).

3- السينما التاريخية: و التي يصنف فيلمه المتوج "الريح التي تهز الشعير" في إطارها. إنما يبقى فيلم "الأرض و الحرية Land and freedom" (1995) الذي تدور أحداثه خلال الحرب الأهلية بإسبانية (1936) هو الأبرز في هته الخانة. فقد أراد كين لوتش من خلال هذا الفيلم إعادة الاعتبار للمنظمة الثورية "حزب العمال للتوحيد الماركسي POUM" الذي تعرض لحيف و تهميش تاريخي بعد قمعه و اغتيال كوادره من قبل ستالينيي الحزب الشيوعي الإسباني حيث كان حزب العمال للتوحيد الماركسي من أوفى منظمات السيار لدينامية الثورة الاشتراكية [4] بإسبانيا آنذاك و ربطه للنضال ضد الفاشية بالنضال من أجل الثورة البروليتارية...فخلال الفيلم سيعيد كين لوتش تسليط الضوء على هذا النقاش حول الاستراتيجية الثورية عبر مشهد تجمع فلاحي إحدى القرى التي حررتها الميليشيات الثورية لحزب العمال للتوحيد الماركسي: هل يجب تشريك الأراضي، السياسية التوفيقية لستالين مع القوى الإمبريالية العالمية، ربط النضال السياسي ضد الفاشية بالنضال من أجل التحرر الاجتماعي للعمال و الفلاحين، ميليشيات ثورية أم جيش نظامي منضبط، الروح الأممية...ويذكر أن مجريات الفيلم تدور حول شخصية دافيد الشاب الانجليزي الذي التحق بصفوف المقاتلين الجمهوريين الإسبان بهدف الدفاع عن الثورة...في استلهام واضح للتجربة السياسية للكاتب الإنجليزي الشهير جورج أورويل.
كما يجب الإشارة في نفس خانة الأفلام التاريخية، فيلم "أغنية كارلا Carla’s song" (1996) الذي يروي علاقة حب فتاة من نيكراكوا مناضلة في صفوف الحركة الساندينية الثورية، مع شاب اسكتلاندي. و من خلال ذلك يعيد المخرج أحداث الثورة النيكاراكوية و اعتداء الإمبريالية الأمريكية على هذه الثورة التي يقول عنها: "إن ثروات الشعب النيكراكوي تُنهب و تُُحول نحو الشمال و هنا قال الناس لا ! قالوا لا ! اختاروا عكس مجرى التاريخ. لقد حلموا و كافحوا من أجل التغيير(...) فقد أصبحوا بذلك تهديدا كونهم يعطون المثال الواجب اتباعه. ما الذي سيحدث إن قال 300 مليون شخص لا؟ إذا البرازيل قالت لا؟ إذا البيرو قالت لا؟ إذا الميكسيك قالت لا؟".

سينما كين لوتش
يعتبر كين لوتش من أبرز ممثلي الواقعية الجديدة في السينما، متأثرا بدون شك بتجربته الطويلة في الإنتاج التلفزي. يتميز هذا التوجه السينمائي بنوعية الصورة الشبه خالية من أي تأثيرات خاصة كما لو كانت ربورتاجا تلفزيا و نقل المَشاهد كما لو كانت حية في الحياة العادية و ذلك لا من حيث الألبسة (عادية جدا)، الديكور الخلفي للصورة و طبيعة الحوار... و عن هذا الأخير، تتميز تقنيات الحوار لدى كين لوتش بترك مجال الحرية و الارتجال واسعا للممثلين لبلورة حوارهم بتلقائية و هو الأمر الذي يتجلى خلال المَشاهد المرحة للعمال و مقالبهم. و قد عانى المخرج كثيرا من مؤسسة الرقابة البريطانية BBCF التي اعتبرت حوارات أفلامه ب "الوقحة جدا" في إشارة لتوظيفه بعض الكلمات من قبيل "Fuck" أو "Chatte" (خرى)...و عن ذلك يرد "و ماذا عساهم أن أقول "يا إلاهي". إنها لغة الشارع.. معظم الشباب يستعملون هته الكلمات مرات عديدة في اليوم...أليس من حق هؤلاء الشباب أن يسمعوا لغتهم الخاصة. أتساءل ماذا تريد رقابة BBCF أن تقول لهؤلاء الناس عندما تضعهم في نفس خانة البورنو".
و من تقنيات الإخراج عند كين لوتش:

إخفاء بقية السيناريو على الممثلين أنفسهم و دفعهم إلى اكتشاف أحداث الفيلم مع تقدم التصوير و بالتالي استغلال أقوى لأداء الممثلين و إحساسهم.

نبذ النجومية في اختيار الممثلين، بل يلجأ إلى اختيار ممثلين كانوا قريبين في حياتهم العادية من ممارسة الأدوار المقترحة في الفيلم، مثل عمال البناء في "ريف راف" الذين أبدعوا في تجسيد تفاصيل الحياة العمالية بتلقائية. و كذلك اختياره لبعض المقاتلين الجمهوريين خلال الحرب الأهلية الإسبانية للمشاركة و الإشراف على تصوير بعض المشاهد في فيلم "الأرض و الحرية" (خصوصا مشهد تجمع الفلاحين المذكور أعلاه).

و الواقعية أيضا في علاقات الحب بكل تعقيداتها و إنسانيتها، بعيدا عن الصورة الرومانسية المثالية المألوفة...ونفس الشيء بالنسبة لمشاهد ممارسة الحب بأجساد الممثلين و طريقة ممارستهم الطبيعيين.

كما تخلوا أعمال كين لوتش من الطابع الميلودرامي و البطولي و الانتصاري. فلم ينته سخط عمال فيلم "ريف راف" بإضراب مظفر، بل بإقدام عاملين ذاقوا مرارة الاستغلال الرأسمالي و في ظل انعدام شروط الرد الجماعي، إلى إضرام النار بكل بساطة في الورشة كشكل أولي و عفوي لكن مشروع للاحتجاج و الانتقام لوفاة رفيقهم...كما يمكن الحديث عن نفس النهاية اللابطولية بالنسبة لفيلم "الملاحون". يريد بذلك المخرج أن ينقل شهادة حية، ذكية، وفية للواقع لكن من موقع من يعانون منه.

و الأمر نفسه ينطبق على جميع شخصيات أفلامه: شخصيات عادية ذات نقط ضعف و عيوب كما لدى جميع الناس، و أبرز نموذج على ذلك الشخصية المحورية دافيد في فيلم "الأرض و الحرية" الذي ينخرط في نضال ثوري مع كونه الأكثر سذاجة سياسيا بين جميع رفاقه.

كون المخرج ينقل صورة عن معاناة الكادحين، فذلك لا يعني سقوطه في النزعة المأساوية المتبكية Misérabilisme بل إن كل أعماله مليئة بالروح المرحة للفقراء و النزعة الإنسانية العميقة التواقة لغد أفضل.

يعيد كين لوتش الاعتبار للمرأة في أفلامه بشكل رائع و ضمني. فهن من جسدن الأدوار الأكثر ثورية و عزيمة و إصرار، و هن اللائي يرين الطريق الصحيح للحرية و الانعتاق. ففي فيلم "الأرض و الحرية" كانت بلانكا هي المجسدة للعزيمة و الصلابة الثورية بين رفاقها، في الوقت الذي تميز به دافيد بالتذبذب و اللخبطة السياسية و سيكون لاستشهاد بلانكا لحظة لاستشهاد الثورة الإسبانية. كذلك الشأن بالنسبة لكارلا في "أغنية كارلا" و مايا في "الخبز و الورود"...و تجدر الإشارة هنا أن هته الشخصيات النسائية جسدن كذلك التملك الجسدي الحر للمرأة في وجه القيم الذكورية Machisme، فقد كن هن المبادرات في الاختيار الحر لشريكهن العاطفي و الجنسي عكس الصورة النمطية المألوفة لهيمنة الرجل.

شكرا لك كين لوتش، و هنيئا للإبداع و القضايا الطبقية العادلة بأعمالك.

تيتريت، 29-05-2006









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو


.. أون سيت - أول عرض | فيلم النمر والأنثى مع إنجي يحيى




.. أون سيت - محمد ثروت بيحكي عن الجزء الثاني من فيلم بنك الحظ