الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة وتحليل في كتاب (صدمة المستقبل: المتغيرات في عالم الغد) للكاتب الامريكي الفين توفلر.

امجد عبد الامام عثمان

2020 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يشكل كتاب (صدمة المستقبل المتغيرات في عالم الغد) للكاتب الامريكي الفين توفلر(1928 ـ 2016) حلقة في سلسلة من الكتب صدرت عن المؤلف تباعا وبشكل متقارب عن موضوعة التنبؤ واستشراف المستقبل بشكل يعطي صورة تفصيلية مقربة لعالم اليوم الذي نعيش فيه على الرغم من ان الكتاب صدر عام 1970م من القرن الماضي.
يقع الكتاب في (530) صفحة متكون من (20) قسم، ترجم الكتاب من قبل الصحفي والمسرحي محمد علي ناصف وتقديم الدكتور احمد كمال ابو المجد وزير الأعلام المصري الاسبق في عام 1974م.
تكّمل الكتاب سلسلة من العناوين صدرت تباعا للكاتب الفين توفلر تدور حول المستقبل وعلاقة الانسان من الناحية النفسية والعملية لحجم التطورات التي ستحصل في المستقبل وعلى عدة مستويات.
تكمن ميزة الكتاب ان المؤلف يتكلم عن مجتمع الثورة الصناعية الثانية والتي يسميها (super industrial societies) المتعلقة بتطور وسائل الانتاج وتطورها من ميكانيكية الى تكنولوجيا حديثة متطورة ومتسارعة مع فجر اختراع الترانزستور والكومبيوتر ودخوله الى مختلف نواحي الحياة.
وهو بذلك يركز على الاثار الاجتماعية والفكرية والنفسية التي سيتعرض لها الانسان في قادم الايام وضرورة الاستعداد لها وتقبل مستوى وحجم التغير الذي سيحصل وعليه ان لا ينصدم من حجم المتغيرات وان لا يبالي في حجم التوقعات التي ستحدث لاحقا وان يكون مستعدا لها اتم الاستعداد.
استوحى عنوان الكتاب في الاساس من مقالة نشرت عام (1965) بعنوان (صدمة المستقبل) ثم تطورت فيما بعد الى كتاب مستقل وحمل الفصل الخامس عشر منه عنوان الكتاب بصورة مستقله للتحدث فيه عن الصدمة في المستقبل من التطور والتسارع في المعرفة والمواصلات وغيرها.
يذكر المؤلف في المقدمة الى حجم وعدد اللقاءات التي اجراها مع شرائح مختلفة من المجتمع الامريكي والاوربي وحجم الحوارات التي دارت بينه وبين عدد كبير من شخصيات مختلفة وعلى مدى عدة سنوات من اعداد الكتاب بمساعدة زوجته وابنته، ومن هؤلاء عدد من الأساتذة من الجامعات الامريكية والاوربية وعدد من رؤساء الشركات المتنفذة في الولايات الامريكية اضافة الى العلماء والمفكرين والرياضيين والهيبين واصحاب الياقات البيضاء واصحاب الياقات الزرقاء، واخذ يسجل التغييرات الحاصلة في رتابة حياتهم اليومية وحجم التسارع الملفت للنظر في السلوكيات والانتاج والاستهلاك ونمط الحياة بصورة عامة.
ومن خلال جمع البيانات اخذ يؤسس تصوراته ووضع منهاجيته في استشراف المستقبل واضعا اللبنات الاولى لهذا الحقل من العلوم الحديثة في المستقبل بعيدا عن التنظيرات والتخمينات وبصورة اكثر واقعية وبفلسفة اكثر قربا من الواقع الذي نراه اليوم شاخصا امامنا.
وبذلك يكون الفين توفلر قد امتاز عن غيره في الكلام عن ما سيكون وفق منهجية واضحة بالأرقام والبيانات وليس عن ما هو كان في الماضي او ما هو كائن الان على الرغم من ان بعض مقارناته لبيانات الماضي لوضع القارئ بصورة واضحة امام حجم التسارع والتغيير الحاصل في المستقبل والتي تصل نسبته في بعض الاحيان من (10ــ 100) عن الماضي في طريقة العيش او نمط التفكير والاستهلاك للأشياء والسلع ومواد الانتاج وغيرها من الاشياء التي يحتاجها الانسان في حياته.
كما ويؤشر توفلر الى جانب مهم من الصدمة التي ستصيب الانسان في المستقبل وهي معنوية عاطفية وجدانية وليس ما يختص بالآلة ووسائل الانتاج كعامل ضاغط على حركة الفكر وكتابات المفكرين الغربيين حول تطور الصناعة واهمال الجانب الانساني فيها.
ويطرح الكاتب سؤال مهم حول كوننا بشر اذا لم نتحكم في معدلات التغيير في شؤوننا الخاصة فأننا معرضين للانهيار الجماعي كنتيجة لعجزنا عن التكيف مع عملية التغيير القادمة.
وكذلك طرح نتيجتين مفادهما:
اولا: حرف التغيير الى ما نستطيع السيطرة عليه.
ثانيا: الجهل بألية التكيف في المستقبل مع قناعة كثير من الناس بضرورة التغيير للمستقبل.
وهو بذلك يؤكد على السرعة التي ستقودنا للتغير ولا تهمه الوجهه التي سنصل اليها والصدمة عندئذ عن السرعة التي سنصل بها الى أي وجهه ممكنة في هذا التطور الهائل بصرف النظر عن الوجهه.
ويؤكد ان عباراته لا تخلوا من كلمة سوف او لأنها ليست تنجيم بل هي منهجية واليه مدروسة.
في كثير من صفحات ومواضيع الكتاب يتطرق المؤلف الى ثلاثة محاور للحديث عنها ويضرب لكل محور مثالا مقاربا او مشاهدة معينة :
اولا/ الادارة: وحديثه عن ايجار العمال العقود والاستغناء عنهم بعد الانتهاء من العمل في مشروع ما نتيجة لواقع السرعة الذي يصيب المشاريع والادارة معا.
ثانيا/ التصنيع: الاستهلاكي والتجاري القابل للتدوير والغير دائم والمعمر كلعب الاطفال وخاصة العرائس.
ثالثا/ الوقت: وهو يؤشر الى عملية الايجار للأشياء والتي ممكن ان تكون املاك ثابته مثل الملابس او المركبات وكذلك السرعة في التنقل بين المدن فلا يجد مشكلة من يسكن في غرب امريكا ان يعمل في شرقها بسبب سرعة الطائرات والقطارات التي زادت مئة مرة عن سرعة الزمن السابق.
واخيرا لكي يتجاوز الانكار الكلي للصدمة يضع استراتيجيات البقاء في مواجهة الصدمة من خلال التكيف واستيعاب الصدمة في الغد.

النقد:
الطفرة النوعية في موضوع الكتاب والتي لا تزال حديثة في طرحها تشكل علامة فارقة في حقل معرفة المستقبل وطريقة استشرافه ووضع منهجية تربوية متسلسلة لمواجهته ، الا ان الكتاب والمؤلف لم يخلوا من بعض الهفوات والانتقادات والتي لا تشكل ضعفا في قيمة المعلومة وطريقة طرحها بل في النظرة الاحادية التي يتبعها اغلب مفكري الغرب وخاصة في اوربا والولايات المتحدة.
وبصورة واضحة فأنهم يبنون رؤيتهم على وفق المجتمع الغربي فقط وكأن العالم لم يقم قبل تكوين اوربا والولايات المتحدة الامريكية متجاهلين شعوب وحضارات اخرى مجاورة وسابقة مرت بتجارب وقدمت اختراعات وعلوم عديدة متنوعة.
صحيح اننا نتكلم عن العصر الحديث لكن نفس هذا العصر فيه شعوب اخرى ممكن ان تشكل معادل موضوعي امام الحضارة الغربية الامريكية منها كالصين وروسيا والهند واليابان.
وعلى الرغم من ضخامة الكتاب والغرق في تفاصيل كثيرة من بيانات وارقام وحوادث وشهادات ومشاهدات وزيارات الى اماكن عديدة ولقاءات مع عدد غير قليل من شخصيات متنوعة الا ان الكاتب تجاهل مجتمعات ودول العالم ولم يعرج عليها الا بشكل عابر على الهامش من الحديث والسرد والحشو في المقارنة في الكثرة فقد ذكر تونس والعراق مرة واحدة الى جانب دول اخرى مجتمعة عند المقارنة بسكان نيويورك من ناحية العدد وكذلك الجزائر مرة واحدة وعالم مصري واحد واخر ايراني، لكنة يذكر تفاصيل حياة يومية لعائلة ايطالية او فرنسية او المانية وبشكل دقيق.
والاهم من ذلك ان سلسلة كتب العالم توفلر تشكل سلسلة متكاملة تحتاج الى قراءتها بشكل متسلسل تباعا لما تشكله من موضوع واحد وهي في اصداراتها متقاربة في تواريخ اصدارها ..
(صدمة المستقبل 1970) و (المستقبليون 1972) و (التعليم من اجل الغد 1974) و (التشنيج الايدلوجي 1975) و (معاينات واماكن 1983) و (جماعات التكيف 1985) و (الثورة والعنف على حافة ثورة القرن الواحد والعشرين 1990) و (افكار تربوية 1995) و (الحرب وضد الحرب 1995) واخيرا (ثورة المعرفة 2006) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح